سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"عشان بيحب المصري".. العبارة الأخيرة لأهالي متهمي "بورسعيد" قبل النطق بالحكم والدة متهم: "واثقين في عدل ربنا وبراءة الأبناء".. وأخرى: "قلبي معلق بكلمة قد تودي بحياته أو تعيده إلى الحياة"
أبصارهم زائغة، عيونهم حائرة، أجسادهم لا سلطان لهم عليها، كلها موجهة صوب شاشة النطق بالحكم، يتحلقون جوار بعضهم، لعل القرب يبعث فيهم الطمأنينة، يجلسون في خيمة مغلقة عليهم من أمام سجن بورسعيد العمومي، على بعد خطوات من ذويهم القابعون خلف القضبان، سيدات متشحات بالسواد، أبنائهم وأزواجهم ماتوا بالبطيء داخل السجن على حد تعبيرهم، يترقبون بعد لحظات حكم، طال انتظاره لعام كامل، من أمامهم جماهير أولتراس المصري، لا يتوقفون عن الغناء، يشعلون الشماريخ، ويطلقون الألعاب النارية، يترقبون الحكم مع الأهالي، شاشة عريضة جوار المنصة، تشخص إلى الأنظار، "الوطن" دخلت خيمة الأهالي، للتعرف على ما يشعرون قبل النطق بالحكم. والدة رامي الملكي، تحكي عن كون قلبها بداخله يقين أن ابنها سينال البراءة، لاسيما حين زارته أمس الأول، ورأت على وجهه آيات اليقين من ذلك، تعلل حالتها، بأن الله لا يرضى بظلم عباده، ورامي، على حد تعبيرها، مظلوم، حيث سلم نفسه لقوات الشرطة يوم الحادي عشر من فبراير، دون أن يقبض عليه أحد. لا تنفي الأم كونه حضر المباراة "راح عشان بيحب المصري، ونزل لجان شعبية عشان يحمي الناس يقوموا يحبسوه". بقلب مؤمن يلهج لسانها كل حين بالآية "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا". تقول إنها فوضت أمرها للخالق، حيث لا تثق في محكمة ولا دولة ولا شرطة، ولا حتى شعب. تستغرب من كون الرئيس محمد مرسي لم يلتفت لبورسعيد بعد الحادثة، وكأنه بلد منبوذ لا علاقة له بمصر، فلم يزره، ولم يعالج مشكلاته الاقتصادية. تمسك زوجة محمد عثمان بابنها، تهدهده، لم يجاوز العامين، لا يتوقف عن البكاء، تقف به، تروح وتجيء ربما يصمت عن البكاء، تسرد الزوجة ما حدث لزوجها، الذي يعمل موظفاً في السنترال ومسؤولاً للرعاية الصحية في منطقة بورسعيد، إنهم أخذوا زوجها لمجرد الاشتباه، حيث شهد عليه مشجع أهلاوي وحيد، وقال إنه شاهده في المدرجات يقوم بعمليات العنف، تقول في عصبية "يرضي مين دا". تتحدث عن فرحتها بعدم نقل المتهمين إلى أكاديمية الشرطة، حيث تصف الحال هناك بأنه مهين لهم، وللمتهمين، إذ تقول إنهم يتعرضون للضرب والسباب من قبل الناس، وتؤكد أنها تراعي حالة أهالي الشهداء، وتدعو لهم بالصبر، وتطلب لهم القصاص، لكنها تعود للتأكيد على ضرورة أن يحاكم الجناة الحقيقين، وليس أهل مظلوم. عن الحكم الذي يتوقع صدروه بعد دقائق، قالت الزوجة إنها تخشى أن يتم التضحية بهم ككبش فداء، خاصةً أن القضية لم تعد قضية رياضية، وإنما باتت قضية سياسية، تريد فيها القضاء، ضرب الأولتراس بعضهم البعض للتخلص منهم. تعاود الطفلة البكاء، فتقول "البنت دي كان عمرها تلات شهور لمّا أبوها اتحبس، دلوقتي عندها سنة وتلات شهور، ومش قادرة أوريها لأبوها، وبقول لأختها إن بابا مسافر بيشتغل في مصر، بس إنهارده إن شاء الله حقول لها إنه رجع من السفر". تهاجم وسائل الإعلام، والرأي العام الذي يهاجم بورسعيد وأهله هجوماً شديداً، دون التجرد، والنظر إلى الحقيقة. "ابني قال لي يا ماما أنا باكل وبشرب وبنام، عشان قلبي مطمن للبراءة". هكذا تصف والدة محمود الشعراوي، حالة ابنها، حيث زارته منذ يومين، وقالت إنه حالته تلك أثلجت صدرها، وجعلتها تشعر أن الحكم سيكون في صفهم، وأنهم ستعود بابنها عقب النطق بالحكم. تؤكد إن ابنها ظهر في التلفاز، لكنه كان من ضمن اللجان الشعبية التي تدافع عن جماهير الأهلي، على حد تعبيرها. زوجة محمد محمود البغدادي، الذي ظهر في الشاشات يرتدي فانلة بحمالات، ويجري بين شوطي المباراة، تتحدث من وراء نقاب كونها فخورة بزوجها البريء، صاحب الدم الحامي، على حد وصفها، الذي جرى حين شاهد لافتة "بلد البالة مجبتش رجالة"، رافضاً أن تسب بلده بورسعيد، المتيم بها، ويصمت، تقول إن ابنته لديها عام الآن، ولم يشاهدها، ولا تستطيع أن تذهب بها إلى السجن لكيلا يتعب والدها نفسياً، تلقي باللوم على قوات الأمن، التي جاءت إلى بيتهم وحطمت طاولة بلياردو كانت مصدر رزقهم، ودخلوا غرفة نومها، ومزقوا ملابسها الخاصة، "وسايبيين المتهمين الحقيقيين اللي هما عارفينهم ما بينا". تقول إن الزيارة الأخيرة له، كان عنده حصوة على الكلية، وقابلها والمحلول معلق فيه. تثق في عدالة السماء، وفي أن زوجها مظلوم لا تمد يده بالقتل إلى أخيه المسلم، حيث تصفه بالمؤمن الذي كان يغسل الموتى ويقف في الجنازات ويطلق لحيته تقرباً إلى الله وخيفة. بينما تقول والدة عمرو نصر الدين، وطارق نصر الدين، أنها تعرضت لموقف غريب، يثبت أن النيابة في الإسماعيلية لم تجمع الأدلة بشكل قانوني كافي، حيث تقول إن المحامي العام هناك، حين ذهبت وقالت له إن ولديها لم يفعلوا شيئا، وواحد في الإعدادية والآخر في الثانوية، فكان رده "حاضر حنطلع لك واحد، وحنخلي لك واحد"، وهذا ما كان حيث تم الإفراج عن طارق نصر، تقول الأم إن قلبها معلق، للحد الذي جعلها تدعو أن يكون ابنها من الشهداء، ولا تعيش مثل هذه اللحظات من الموت البطيء في انتظار كلمة قد تودي بحياته، وقد تعيده للحياة من جديد.