لم تتمالك أم جابر نفسها وانهمرت دموعها بغزارة حين دخلت عنبرها داخل سجن دمنهور العمومي حيث أعدت لها النزيلات حفلا بسيطا يعوضها عن غيابها عن زفاف ابنتها الذي تصادف في هذه الليلة ومنعتها أسوار السجن عن حضوره.. بعد أن دفعت هي ثمن خيانة زوجها للأمانة.. وعلي الرغم من فرحة زميلاتها النزيلات التي تعالت أصواتهن بالغناء ومحاولتها مشاركتهن الفرحة المقامة أساسا لها.. إلا أن عقل أم جابر لم يكن معهن فقد ذهب بعيدا حيث بيتها فجلست تتذكر تفاصيل ذلك اليوم الذي حضر فيه شاب محترم بصحبة والديه طالبا يد ابنتها في حضور زوجها وكيف اتفق الطرفان علي تفاصيل الزواج وقيام العريس بتسليم والد العروس المهر للبدء في تجهيز عش الزوجية وكيف أنفق الأب قيمة المهر علي سهرات الكيف حتي ترك المنزل وطفش ثم قيامها بالتوقيع علي كمبيالات وشيكات لشراء جهاز ابنتها لتتمكن من اتمام زفافها علي عريسها ورفع رأسها أمام زوجها وأهله بعد ان تخلي عنها أبوها( ثم عجزها عن السداد فاتهمت بإصدار شيكات بدون رصيد) في القضية رقم1114 لسنة2010 التي تداولتها النيابة والمحاكم وانتهت بالحكم علي أم جابر بالسجن3 سنوات, وتردد أم جابر بينها وبين نفسها وفي حسرة( حسبي الله ونعم الوكيل) وهي تتذكر حوارها مع زوجها وطلبها منه أن تحتفظ هي بالمهر حتي تتمكن من تجهيز البنت وتزوجها خوفا من أن ينفق المهر علي الكيف وعلي أصدقاء السوء وجلساتهم التي يتعاطون فيها المخدرات, وكيف صاح في وجهها ودفعها وضربها ووضع المهر في جيبه ودلف خارجا من الشقة وهو يقول( ملكيش دعوة) أنا ابوها وأنا المسئول عن زواجها, وتتذكر كيف جلست تحتضن ابنتها وهي تقول( يارب.. سترك) وتزداد دموع أم جابر وهي تتذكر كيف كان قلبها يعتصر يوميا مع اقتراب موعد زواج ابنتها ولا تري أمامها أي جهاز لابنتها ولكنها تري أمامها كل ليلة عودة زوجها مخدرا تائها عن الدنيا ولا ينطق لسانه سوي بكلمة( ملكيش دعوة أنا المسئول) وتحمل أم جابر الهم وهي تتساءل كيف تجهز ابنتها وتزوجها في الموعد المتفق عليه, وصباح يوم حزين تصحو أم جابر فتجد زوجها قد لملم حاجياته وغادر المنزل وتركها مع ابنتها اللي علي وش جواز بعد أن أضاع المهر علي المخدرات والقمار وجلسات السوء وأصبحت في حيرة من أمرها حين زارها أهل العريس ليبلغوها بأن شقة العريس جاهزة وفي انتظار شوار وجهاز ابنتهم والزفاف وتلك كانت الكارثة بل المصيبة التي لم تكن أم جابر تعرف كيف ستواجهها إلا إلي حد لطم الخدود حتي تسقط مغشيا عليها. وتتذكر أم جابر كيف أنها في صباح اليوم الثاني قررت أن تجهز ابنتها وتزوجها مهما كلفها الأمر وبدأت في المرور علي محلات الموبيليا والمفروشات والأدوات الكهربائية وقيامها بدفع مقدمات كلما أمكن من خلال مساعدات أهلها والباقي حررت به شيكات وكمبيالات وقعت عليها واكتملت شقة ابنتها وتحدد موعد الزفاف بعد ثلاثة أشهر عجزت خلالها الأم عن تسديد قيمة الأقساط المستحقة عليها فتمت احالتها إلي المحاكمة التي انتهت بحبسها في عنبر النساء بسجن دمنهور, حيث أقامت زميلاتها بالعنبر هذه الزفة الرمزية التي انتهت بالصوت الجهوري للسجانة وهي تقول مبروك يا أم جابر طفوا النور وكفاية كده يا ستات. لأنه في الوقت الذي تحدد فيه موعد الزفاف حددت المحكمة التي تنظر قضيتها جلسة الحكم في القضية قبل الزفاف بعشرة أيام.