العلم تطور حين قرأ الواقع، حين ترك جاليليو الكتب الصفراء القديمة وحواشى الحواشى وشرح الشروح التى تتحدث عن الفلك من واقع كلام القدماء عنه. اقتنع أن الحقيقة لا تكتسب صدقها من أن قائلها كبير السن أو عالى المقام أو حتى تستمد الصدق من انتشارها، رفض كل هذا ونظر إلى الكون بتليسكوبه وقرأ الواقع وشاهد الحقيقة، لكننا فى مصر مازلنا نلوك أوهامنا حتى فى عالم السياسة ولا نريد أن نرى الواقع الأليم. الإخوان لا يريدون أن يصدقوا أن غضب الناس قد بلغ أقصى مداه، وأن ألاعيب الصندوق لن تنطلى على أحد ولن تمنحهم فى قلوب المصريين الحب المنشود، عندما وصلوا إلى الكرسى تلبّسهم مرض الديكتاتورية المزمن وسرطان الإنكار المفترس الذى تلبّس من قبلهم مبارك ورجاله عندما رفعوا شعار «خليهم يتسلوا»، هم أيضاً يرفعون الآن شعار «موتوا بغيظكم» رداً على أى نقد، يحللون الكذب والمراوغة والخداع تحت شعارات دينية، ويصرون على أن الواقع وردى وأننا لو سمعنا كلام مرسى حتماً ستحل علينا البركة. تذكرت إنكار الواقع الإخوانى حينما علمت أن أول شىء سأل عليه حبيب العادلى فى مكتب مأمور السجن كان الجاكوزى! إنكار واقع ماحصلش، العادلى وأمثاله تتعطل عندهم الحواس إلا حاسة التعالى والتكبر والصلف الديكتاتورى الفاشى، نفس المشكلة كانت عند السادات يوم انتفاضة يناير التى أطلق عليها انتفاضة حرامية ثم بلغت أقصى مداها حين وقف منتصباً فى العرض العسكرى قبل اغتياله بثوان متسائلاً عما يفعل هذا الولد الذى يرفع الرشاش فى وجهه، هو أيضاً لم يكن مصدقاً، وحتى عبدالناصر فى خطاب التنحى قال إنه فوجئ بالعدوان من الشرق وكان قد توقعه من الغرب ولم يكن مصدقاً أن جيشه بهذه التركيبة كان فاشلاً وكانت قدراته القتالية المتواضعة حينذاك سبباً فى الهزيمة المروعة، لكنه أفاق بعد ذلك وبنى حائط الصواريخ وأدخل حملة المؤهلات العليا الجيش وخاض حرب الاستنزاف واستعد للقتال الذى تُوج بنصر أكتوبر فى زمن السادات، ولكن هل سيفيق الإخوان من مرض الإنكار؟ أعتقد، بل متأكد، أنهم لن يفيقوا أو يُشفوا لأن تنظيمات السمع والطاعة أمخاخها وعقولها لا تسكن الجماجم بل تسكن الآذان ولا يحكمها أفكار الأحياء بل تراث الأموات.