بعض من أفضل الأفلام على الإطلاق في تاريخ السينما قد استندت على كتب غير خياليّة، فهي تعتبر من أكثر القصص التي تؤثر في المشاهد لكونه يعلم أنّها قصص حقيقيّة، ويتم تصنيف بعض من هذه الأفلام الآن على أنّها من كلاسيكيات السينما والتي قامت بتشكيل صناعة السينما وتغييرها للأبد مثل التعاون الكبير بين المخرج Martin Scorsese، والكاتب Nicolas Pileggi في فيلم Goodfellas والذي كانت أحداثه مبنيّة على كتاب Wiseguy، وأيضًا فيلم Casino والذي استند على كتاب Casino: Love and Honor in Las Vegas. ولكن أحيانًا ما تستند الأفلام الوثائقيّة على كتب غير خياليّة أيضًا، وباعتقادي أنّ من أفضل الأفلام المبنيّة على الكتب غير الخياليّة، فيلم Touching The Void، للمخرج Kevin Macdonalds، والمأخود عن كتاب بنفس الاسم لمتسلق الجبال الإنجليزي Joe Simpson، والذي تم ترجمته إلى 23 لغة، وباع أكثر من 20 مليون نسخة حول العالم. الفيلم يعيد خلق أحداث قصة أسطوريّة لمتسلق الجبال Joe Simpsons وصديقه Simon Yates، عندما قررا تسلق قمة جبال Siula في بيرو، عام 1985، ينجح المتسلقان في الوصول إلى قمة الجبل الجليدي، ولكن هذا لا يعني أن الرحلة قد انتهت. فعاصفة جليديّة تهب في بداية رحلة النزول، ويصاب Joe المربوط بحبل مع صديقه Simon بكسر في ساقه بشكل سيّئ بعد سقوطه ويتعلق بالحبل في الهواء لمدة أكثر من ساعة، قبل أن يدرك Simon أنّه لا يوجد فرص للنجاة من هذا الوضع لأي منهما، ليقرر قطع الحبل وليستكمل الفيلم عرض قصة نجاة كل منهما. الفيلم من الأفلام القليلة التي تجعلك مستمتعًا بكلمات شخص يحكي قصته أمام الكاميرا، فمن البداية، نعلم أنّ كلًا من المتسلقين على قيد الحياة، حيث إنّهم يتذكرون الحدث ويروون تفاصيله أمام الكاميرا مباشرة، ولكن على الرغم من ذلك لا يمكنك كمشاهد ألا تصاب بالرعب عند مشاهدة الفيلم، وألا تفكّر في استحالة نجاتهما من الموت في هذه الرحلة. تم تصوير الفيلم في المكان الحقيقي للأحداث في بيرو، وأيضًا في جبال الألب، وعلى الرغم من استخدام المخرج لممثلين لإعادة تصوير القصة في مكان وقوعها، ولكنك كمشاهد سرعان ما تنسى أنّ الذي تشاهده هو تمثيل وإعادة خلق للأحداث، وسرعان ما تدخل في حالة من الذهول مما تسمعه أو تراه على الشاشة، كما لو أنّك تقريبًا تشاهد الأحداث الفعليّة. الفيلم يعتبر في مساحة خاصة ما بين الفيلم الوثائقي والفيلم الروائي، فبعيدًا عن القصة الأسطوريّة الملهمة، والتي قد تكون أقرب إلى الخيال، فالفيلم يحتوي على استعراض بصري وتقني يحاكي أفلام هوليوود الروائيّة، بداية من التصوير والمونتاج إلى استخدام المؤثرات البصريّة والسمعيّة والموسيقي التصويريّة المسخدمة في الفيلم، والتي تعمل جميعها على تشكيل تجربة سينمائيّة ذات طابع وثائقي بشكل فريد من نوعه. ولكن على الرغم من الصورة السينمائيّة الرائعة في تجسيد الأحداث الأليمة التي مر بها الشخصيات بصريًا، إلا أن كلمات Joe وSimon ورصدهم ووصفهم للقصة بمشاعرهم الشخصيّة من خلال النظر إلى عدسة الكاميرا مباشرة يعتبر أقوى ما في الفيلم. في اعتقادي أنّ Touching The Void أكثر إثارة من أي دراما في هوليوود، فالفيلم يجعلك تتفاعل مع الشخصيات وتتعاطف معها طوال الوقت، وتتأثر بقصه إنسانيّة من أروع القصص الملهمة التي تعكس شجاعة الإنسان والإرادة والقوة التي يمكن أن يتمتع بها للبقاء على قيد الحياة.