سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"في عز الامتحانات.. مش ناسيين اللي مات".. رسالة طلاب تجارة القاهرة لشهدائهم لافتة تعلو قاعة الامتحانات بجامعة القاهرة تحمل أسماء شهداء كلية التجارة لتخليد ذكراهم
عندما تفقد "شهقة" النظر للدم السائل على وجه أو جسد أحدهم فعليك إدراك أنك في وطنٍ اعتدت رؤية الدماء فيه كرؤية تفاصيل يومك المُعتادة.. يؤسفني أن تصبح جملة "البقاء لله" بديلًا ل"صباح الخير"، وهي التحية التي يحييها زملاء شهداء كلية التجارة جامعة القاهرة لبعضهم البعض صباح كل يوم. أن تثور وقت رؤية جثة رفيق دربك هو الشيء المتوقع، أما أن تظل رافعًا ذكراه، مطالبًا بحقه دن ملل أو كل هذا هو الوفاء، وعبرت أسرة فرسان تجارة عن وفائها لزملائها الشهداء في أحداث دامية مختلفة بدءًا بوقت اندلاع الثورة انتهاء بأحداث محمد محمود الأولى. لافتة تعلو قاعة الامتحانات بجامعة القاهرة تحمل أسماء شهداء كلية التجارة جامعة القاهرة وهم "مصطفى الصاوي وعمر البحيري وأحمد عزت ومحمد سمير وخالد عمر"، ولعل مصطفى الصاوي وعمرو البحيري حُفرت مشاهد موتهم في ذهن كل مَن عاشرهم، ولم يمل زملاؤهم من روايتها. عمرو البحيري اقترف جريمة "الحُلم"، أراد لبلاده الأفضل، لم يكن بحاجة إلى المال، دخل كلية التجارة جامعة القاهرة كمُعظم طلاب الثانوية العامة، لكنه لم يرتض لنفسه دور الطالب فقط، اشترك في حملات التوعية السياسية، لم يهب الموت أبدا، يسعى دائمًا للتواجد بالصفوف الأمامية لحماية المتظاهرين في أي اشتباكات، لكنه تمنى الشهادة ونالها. "لو كل أم وأب منعوا ابنهم من النزول مين اللي هينزل يجيب حقوقنا"، كلمات ودعت بها والدة عمرو ابن العشرين عامًا، ليتجه إلى شارع محمد محمود في 21 نوفمبر مطالبًا برحيل العسكر، ورد عليها الأب "يعني هتفرحي بابنك لو مات؟"، وتجيب أخت عمرو البحيري الصغرى "أيوة هفرح عشان هيكون مات شهيد"، وأراد عمرو أن تفرح به أخته، مودعًا أهله بابتسامة مَن يثق بالشهادة. "هل صار ترويعُ الشعوبِ وسام عزٍ وافتخار؟.. هل صار قتل الأبرياء وسام مجدٍ وانتصار؟. جملة تغدو لتصف وجه كساه الخوف والقلق على ميدان التحرير، متسولًا لرفقائه باتباعه إلى أحد الشوارع الجانبية من شارع محمد محمود، حتى يجبروا الشرطة على العودة إلى محيط الوزارة والبُعد عن الميدان، حيث يأبى القدر أن يُشرك معه أحد في الشهادة، ويرفض الجميع لينطلق وحيدًا لفعل ما تيقنه عقله صحيحًا ساعتها. "من الأفضل أنكم تبحثون عنه في الثلاجة، محدش بيدخل الرعاية هنا ويعيش"، كلمات صادمة تلقاها والد عمرو وأخوه من ممرضة مستشفى القصر العيني، ويعود الزمن للخلف تاركًا أثار عمرو البحيري الذي ألهى الشرطة عن الميدان ويتم القبض عليه هو وأحد الشباب، ويفر من الشرطة، ويأنبه قلبه ألّا يترك الشاب وحيدًا بين يد مَن لا يرحم، ويعود مُخلّصًا زميله، ليكتب شهادته على بندقية الضابط التي أطلقت خرطوشًا في رأس عمرو، ويتوجه على إثرها لمستشفى القصر العيني، لافظا أنفاسه الأخيرة. "ناضل من أجل الحرية.. مات على إيد كلاب الداخلية"، ما تذكره زملاؤه به في سنويته الأولى مطلقين مثل هذه الشعارات على لافتات توديعية في كلية التجارة بجامعة القاهرة، ويطلق اسمه على أحد مباني الكلية، وبالتأكيد لم يكن يعلم عمرو حينها أن تاريخ وفاته 21\11\2011 سيعيده الزمن مرة أخرى، وتظل مصر تحبل حتى الآن أطفالًا وشبابًا للموت. ويسبق البحيري بشهور مصطفى الصاوي إمام مسجد الحُصري بالعجوزة وخريح كلية التجارة جامعة القاهرة، وهب نفسه لخدمة دينه وتحفيظ القرأن لكل مَن أراد، كان زاهدًا للدنيا مؤمن بأنه سيتزوج من خارجها، ولن ينعم بالعيش فيها، مودعًا والدته ليلة الخميس 27 يناير 2011 بكلماته "سوف استشهد غدًا بإذن الله"، متجهًا إلى غرفته لينال قسطا من الراحة قبل النزول في تظاهرات الجمعة 28 يناير 2011، وتوفي مصطفى الصاوي إثر إصابته بعديد من الطلقات في جسده أثناء تواجده على كوبري قصر النيل. وشيّع الآلآف جثمانه من العجوزة وحتى مدافن السيدة عائشة، حتى ظن الأمن أنها مظاهرة وبدأ بالتصدي لها وإصابة البعض، ومازال أصدقاؤه وأهله ينتظرون حقه على أمل أن تهدأ نار فراقه.