تتعرض بغداد لأشرس هجمة إرهابية تريد عودة أهل العراق إلى زمن الكهوف، بعدما كانت العاصمة الثقافية للعالم العربي، ومنارة العلم للعالم أجمع، على مر العصور. من نازك الملائكة وأبي نؤاس والجواهري وعبد الجبار عبد الله وإبراهيم كبة ونزيهة الدليمي وعبد الوهاب البياتي وغائب طعمة، ومئات من شموس ومثقفي هذا البلد، استمد مجموعة من الشباب قرارهم لينفضوا غبار الأسى والحروب عن وجه المدينة الحبيبة، وتوجيه رسالة إلى العالم أنه رغم جهل الإرهاب لن يؤثر ذلك على استمرار ثقافة الشعب العراقي، رافعين شعار "أنا عراقيّ أنا أقرأ". تحولت حدائق شارع أبو نؤاس المطل على نهر دجلة في بغداد، إلى تجمعِ ثقافي غير تقليدي، فالموسم الرابع لمبادرة "أنا عراقي.. أنا أقرأ"، حوَّل المكان إلى "فسحة مدنية"، اختلطت فيها أجواء النزهة، بالكتاب والموسيقى، في مدنية بدت وقد اختنقت لفرط أجواء الخوف والرعب والعنف. حلم شباب عراقي مثقف، بدأ قبل ثلاثة أعوام، ضمن مظاهرة لإشاعة القراءة وصحبة الكتاب، عبر مبادرة تعتمد تبرعات مؤسسات أكاديمية ودور نشر وشخصيات ثقافية وعامة، بمجموعة من العناوين في شتى مجالات المعرفة، التي تقدم مجانًا لمن يهوى القراءة، ويقصد المكان بحثًا عن ضالته، وسط جو من الانفتاح الاجتماعي والثقافي، تبدو العاصمة العراقية بأشد الحاجة إليه. للعام الرابع أصر هؤلاء الشباب على إضاءة شمعة للكتب، نظرًا لإيمانهم أن الحياة بلا كتاب لا طعم لها، وتيقنهم أن الكتب تُعطي الأنس والمنفعة في هذه الحياة، وتحول الأرض إلى قرية واحدة قبل أن يتحدث في الأمر منظرو العولمة، تلك الكتب التي تحدث أصحابها عن الحكمة، ومؤرخون حفظوا حكايات التاريخ وعِبَره، وشعراء صنعوا أحلاما وآمالا وعوالم مشرقة. "نحاول أن نعيد للكتاب مكانته، ومن خلاله ندرك معنى الحرية، وكيف يستطيع الجهل أن ينهب الثروات ويمتطي الديمقراطية لقهر الناس وإذلالها".. كلمات وصف بها مؤسسو مبادرة "أنا عراقيّ.. أنا أقرأ" هدفهم من وراء تنظيم تلك الفعالية الثقافية. حرص على الحضور فعاليات الكرنفال الثقافي كل فئات المجتمع العراقي، من سيدات ورجال، وأكاديميين، ومثقفين، وأطفال، رغم أن الغالبية للشباب، فيما تنوعت فعاليات المهرجان من عرض الكتب، واللوحات الفنية، والرسم، والموسيقى، والألعاب الإكروباتية. حدائق أبو نؤاس تستضيف هذا الحدث للعام الثاني على التوالي، وكانت حدائق "قصر الثقافة" في محافظة النجف الأشرف احتضنت، العام قبل الماضي، مبادرة "أنا عراقي.. أنا أقرأ"، بعد أن خاضت تجربته الأولى في بغداد وكربلاء، وحققت، على رغم الطابع الديني المحافظ للمدينة، نجاحًا لافتًا، جاء ثمرة إعداد منظم من نخبة من الشباب أطلقوا على أنفسهم "فريق موجة الشبابيّة"، رأت أن "مستوى القراءة تدنى كثيرًا في الشارع العراقي وصار الكتاب آخر سلعة يبحث عنها المواطن".