كروت للتموين، والخبز، والبنزين، بعضها يَلقَى رواجاً وإقبالاً وبعضها لا، تعقيدات فى الشروط وبطء فى إجراءات الإصدار وإضافة المواليد الجُدد، لكن الأمر يستحق عند كثيرين أن يثابروا ويواصلوا السعى، عملاً بالمثل الشعبى «لاجل الورد ينسقى العُلّيق»، الدائرة ذاتها بدا أنها سوف تضمّ قائمة مستفيدين جديدة، لكنهم هذه المرة لا يملكون صوتاً ولا قدرة على المطالبة، فهم «رُضّع»، أقصى ما بإمكانهم هو البكاء، طلباً ل«لبن» لا يجده كثيرون منهم، بعدما أعلن مجلس الوزراء على لسان مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار نية الحكومة إصدار كروت مميكنة لصرف اللبن المدعم للأطفال. طوابير طويلة أمام منافذ البيع ومطالبات برلمانية بحل الأزمة حالة من «البهدلة» يعيشها المستفيدون الفعليون من الألبان المدعمة حاليّاً، تشهد عليها طوابير الآباء أمام الصيدليات، وطلبات الإحاطة من أعضاء مجلس الشعب الذين يطالبون بإنقاذ 350 ألف طفل، فضلاً عن وقفة الأهالى المعترضين على رفع الدعم عن ألبان الأطفال أمام معهد ناصر، وحكايات الأمهات حول الرّضّع الجوعى، هؤلاء جميعاً وضعوا آمالهم فى «كارت» يصل بالدعم إلى مستحقيه، من الفئات الفقيرة ومتوسطة الحال. إبراهيم أمين، الموظف الحكومى الذى رُزق توأمين، أحالا حياته سعادة وقلقاً فى الوقت ذاته، سيلفيا وكاراس، طفلان لا تزيد سنّهما على 50 يوماً، لم تكُن العائلة تعلم أنها ستدخل بصحبتهما إلى دائرة مفرغة من البحث عن الألبان: «زوجتى لما خلّفت كريستين أختهم الكبيرة رضّعتها طبيعى، عمرنا ما عرفنا يعنى إيه لبن صناعى غير مع التوأم». حاول الأب أن يحصل على اللبن المدعم بنظامه الحالى، لكنه فوجئ: «قالوا لى لازم زوجتك تيجى ترضّع قدامنا علشان نتأكد أن ماعندهاش لبن، اللى قالها لى راجل فى الوحدة الصحية، يعنى مراتى تروح تطلّع صدرها قدامهم، طبعاً رفضت». «أحمد» فطمته أمه بعد 7 أشهُر لأنها لا تملك ثمن علبة اللبن.. و«إبراهيم»: قالوا لى لازم زوجتك تيجى ترضّع قدامنا علشان نتأكد إن ماعندهاش لبن.. وأب: كفايانا مهانة وبهدلة.. وصيدلى: ناس مرتاحين ولابسين دهب بييجوا يصرفوا اللبن المدعم.. ويا ريت الألبان النادرة تدخل المنظومة بدأ الرجل القاطن فى أكتوبر البحث عن بديل: «هما أصلاً مولودين فى المنيا، لأن أمهم عانت من تسمّم فى الحمل، وولدت وسط أهلها هناك، إخواتى فى المنيا هم اللى بيدبّروا لى اللبن، لكن علشان آخده لازم يا أسافر المنيا يا حدّ يجيبهولى، قرايبى بيضيّعوا يوم كامل علشان يقدروا يحصلوا على اللبن». ويتساءل الرجل باستمرار: «كان لزومه إيه التعقيد؟ واحدة معاها توأم، طبيعى ماتقدرش ترضّعهم من صدرها هم الاتنين، ليه اللف والدوران؟!». ارتياح مشوب بقلق راود «إبراهيم» عقب سماعه عن الكروت المميكنة لصرف الألبان المدعمة: «يا ريت الإجراءات تبقى أسهل، ومايتعبوش قلوب الناس ويبهدلوهم، عقبال ما يخلصوا هيكون أولادى اتفطموا، لكن أملى أطفال تانية مايتعبوش زينا». فئة أخرى بقيت تنتظر من بعيد الكروت المميكنة وتضع آمالها فى أن يكونوا بين المستفيدين منها، هم المحرومون من ألبانهم فى البداية، وهم من ينتظرون «نظرة» عطف واهتمام فى المنظومة الجديدة التى تعمل عليها الوزارة الآن. «آسر»، الطفل السكندرى البالغ من العمر عاماً ونصف العام، ليس كأقرانه من الأطفال، فقدماه مقوستان للغاية، ورأسه لم يكتمل نموه بعد، ما زال رأسه «طريّاً» كالوليد حديث العهد، تقول والدته: «إحنا ناس على قد حالنا، رُحنا للدكتور عمل له تحليل، لقى عنده نقص شديد فى الكالسيوم، كتب له نوع لبن، العلبة منه ب60 جنيه، بياخد تلات أو أربع علب فى الشهر، كل أملنا نعرف نجيبه بسعر مدعم أو صيدلية تعمل لنا خصم، لكن مافيش أمل». أمر يبدو بسيطاً، لكنه ليس كذلك لعائلة تدبّر مصروفات اللبن بصعوبة بالغة، الحالة لم تختلف مع الطفل أحمد، الذى ينتمى إلى عائلة تعمل فى حراسة إحدى عمارات منطقة الزلزال فى المقطم، طفل ضعيف للغاية، فشلت والدته فى الحصول على اللبن المدعم، «كل ما أروح أسأل عليه، يقولوا مافيش النوع ده، مابيجيش، فطمته على سبع شهور»! هزال واضح على الصغير الذى لا يتناول أيّاً من أطعمة الأطفال لسوء أحوال الأسرة: «بياكل من اللى بناكل منه، بس المشكلة إنه مابيكبرش زى باقى العيال». إيمان سعد، متطوعة فى مجال الأعمال الخيرية، تجد نفسها شاهداً يوماً بعد آخر على حالات لأطفال وعائلات بحاجة إلى أنواع بعينها من الألبان لا تحظى بأى دعم رغم صعوبة أحوال مريديها، تروى: «(بيوميل 1) المدعم مش موجود، الوزارة بتنزله شهر آه وتنزل بديل شهر تانى، وده بيتعب معدة الأطفال وبيدخّلهم فى دوامات مالهاش نهاية، بعض الأطفال المصابين بالأورام لهم أنواع لبن معينة مابتدخلش مصر أصلاً». تُدلل «إيمان» على ذلك بحالة «حبيبة» الصغيرة التى تتلقى العلاج حاليّاً فى مستشفى أبوالريش، ويدبّر لها أهل الخير اللبن «بالطلب» من إحدى الصيدليات التى تستقدمه خصيصاً لأجل «حبيبة»، «وكله بتمنه». تواصل «إيمان» حديثها: «البنت بتجوع، وهى مستنية اللبن ده، لكن مالهاش غيره، لأنه الوحيد المناسب لحالتها كمريضة سرطان مخ». من موقعه فى منطقة بولاق الدكرور، يتابع مكرم حسن عمران عشرات الحالات لأطفال يصرفون اللبن المدعم، وآخرين يبحثون عن تخفيض أو دعم لألبانهم الخاصة بحالاتهم، إن وُجدت. يعترف الصيدلى: «مش كل اللى بييجوا يصرفوا اللبن المدعم حالاتهم صعبة أو محدودة، ناس كتير مرتاحة بتيجى تصرفه، المفروض لبن مدعم زى ده يتصرف لواحد معاه توأم، أو ناس على قد حالها، أو عيل أمه اتوفت، لكن ألاقى ناس لابسة دهب كتير، وشكلهم مرتاح على الآخر، بيصرفوه، يبقى حرام، الموضوع حاليّاً سبهللة». صحيح أن الصيدلى الخمسينى لا يعرف سبيلاً لعرض اقتراحاته على وزارة الصحة لتحسين عمليات صرف الألبان، لكنه يملك أفكاره: «أطفال كتير بتحتاج أنواع لبن غالية جدّاً وغير مدعمة، زى اللى عندهم حساسية ألبان ومشاكل اللاكتوز وأمراض فى الكبد، والأطفال المبتسرين، وناقصى الوزن والنمو، كل دول بيجولى، بعض الحالات تصعب على الكافر، ممكن يستلفوا علشان يجيبوا علبة اللبن للعيل، محتاجين نظرة من الوزارة». ويروى واحدة من القصص التى يراها يومياً: «واحد بنته عندها مشاكل فى الكبد، بيجيب لها اللبن مخصوص من السعودية، ده غير (النيوكت) الناقص و(انفترين ال97) مش موجود، يا ريتهم يعملوا منظومة محترمة حقيقية، حتى لو الناس هتتبرع لها زى (57357)، المهم الرّضّع يشبعوا». وعد بحل جميع الأزمات مع عملية الميكنة قطعته د. سعاد عبدالمجيد، رئيس قطاع مكتب وزير الصحة، لكنها أكدت فى الوقت نفسه أن الألبان العلاجية ستظل بعيدة عن الألبان العادية، موضحة: «الأطفال اللى ليهم ظروف بعينها يقدروا يروحوا للأقسام المختصة بأمراضهم فى الجامعات الحكومية، وتلك الأقسام توصى لهم بصرف الألبان الخاصة بهم، كل طفل جنبه اسمه وحالته واللبن الخاص بيه، واللى بيتعامل من بره يقدر يوصل للإدارة العامة لذوى الاحتياجات الخاصة فى الوزارة لتوصى لهم بالألبان الخاصة بهم مباشرة». «سعاد» دعت الراغبين فى طرح اقتراحات أو أفكار إلى إرسال الخطابات أو التوجّه مباشرة إلى مكتب الوزير: «هدفنا تقليل الإهدار، والمعاناة، وتوصيل الدعم إلى من يستحقه فعلاً».