كلما وقعت عملية إرهابية فى إحدى العواصمالغربية إلا واهتز العالم أكمل، وانتفضت وسائل الإعلام فى مختلف أنحاء المعمورة، وركضت تمثيليات الدول المختلفة لتوصل تنديدها وتعبر عن بالغ أسفها على من زهقت أرواحهم غدراً على يد الإرهاب الغاشم، ونُظمت وقفات تضامنية موازية لإظهار تعاطف الشعوب مع ضحايا الدموية والوحشية. أما عندما يتعلق الأمر بالإرهاب فى القارة الأفريقية، فلا اهتمام يذكر من قبل الرأى العام الدولى، ولا حتى من قبل أنظمة وشعوب القارة الذين يغيب عنهم أن يخصصوا للجرائم التى تتعرض لها قارتهم مساحات من إعلامهم، أو يشعلوا شمعة على أرواح ضحايا القتل والتفجيرات، أو يعبروا عن الرفض والاستنكار لكل عمل يستهدف «الإنسان» أياً كان وأينما كان. عندما وقعت جريمة «شارل إيبدو» فى باريس، شهدت مدينة باغا النيجيرية، فى نفس التوقيت، عملية إرهابية على أيدى تنظيم «بوكو حرام»، راح ضحيتها نحو 150 شخصاً من المدنيين والجنود، وقبل تفجيرات بروكسل الأخيرة استهدف الإرهاب منتجع «جراند بسام» فى ساحل العاج وراح ضحيته 16 شخصاً على الأقل، فيما أعلن تنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى» مسئوليته عن الهجوم، هذا بالإضافة إلى مسلسل الإرهاب فى نيجيرياوالصومال ومالى وبوركينا فاسو، اللتين تعرضتا مؤخراً لاعتداءات إرهابية، لكن دون أن يقف العالم مطولاً أمام هذه الجرائم المتكررة، ودون أن يعلن تعاونه الحقيقى مع دول أفريقيا التى تعانى الإرهاب فى «صمت». طبقاً لمؤشر الإرهاب العالمى فقد شهدت أفريقيا فى السنتين الأخيرتين تصاعداً ملحوظاً فى عدد الهجمات الإرهابية، فيما تم تصنيف جماعات «بوكو حرام» و«الشباب المجاهدين» و«تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى» ضمن أخطر الشبكات الإرهابية فى أفريقيا، حيث أدت عملياتها إلى مقتل آلاف الأشخاص فى العامين الماضيين وباتت تشكل خطراً إقليمياً، أما تنظيم «داعش» الذى استوطن ليبيا ويحاول من خلالها تصدير الإرهاب إلى أوروبا والتمدد فى المنطقة، بحيث تجاوزت عملية بنقردان التونسية ومحاولة إعلانها إمارة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية فى خطورتها وتوقيتها وملابساتها ما شهدته تونس فى العمليات السابقة، فقد أصبح التنظيم الإرهابى الأخطر فى العالم، وهذا ما يرجح أننا أمام مزيد من التصعيد الإرهابى، الذى سيضرب استقرار دول القارة ومصالح الدول الكبرى. ولأن العالم يكيل بمكيالين، فإن ردة فعله أمام هذه المعطيات، وأمام الإرهاب فى مالى أو الصومال أو كينيا أو نيجيريا أو ساحل العاج أو ليبيا ومصر وتونس وغيرها، فلا يتجاوز إصدار تحذيرات السفر، أو منع سفر المواطنين الغربيين إلى هذه الأماكن بوصفها «غير آمنة»، مما يجسد رؤية الغرب المزدوجة للتعامل مع قضايا الإرهاب، أما ردة الفعل الأفريقية، فدائماً ما تكون خجولة إزاء ما يحدث فى القارة. إن محاربة الإرهاب، باعتبارها أولوية، يجب أن يُنظر إليها بنفس المقاييس ونفس المعايير، بغض النظر عن الجغرافيا أو الوضع الاقتصادى والاجتماعى أو اللون والعقيدة أو القارة التى يستهدفها، فالإرهاب عدو مشترك للإنسانية أينما وجدت، ومحاربته يجب أن تبنى على القناعة بأن العدو واحد وأصوله الفكرية واحدة، ويجب العمل على اجتثاثه من جذوره من خلال توحيد الرؤى والانخراط فى التنسيق الثنائى والمتعدد، وتضافر الجهود، وتوثيق أواصر التعاون إن لم يكن بين دول القارة والعالم، فعلى الأقل بين دول القارة فيما بينها. ولهذا الغرض، ربما، وإدراكاً لمخاطر تصاعد الإرهاب الذى بات يلقى بسواده على أفريقيا، اجتمع قبل أسبوعين فى شرم الشيخ وزراء دفاع تجمع دول الساحل والصحراء (س. ص)، وإذا كان الاجتماع قد نجح إلى حد كبير فى إعادة بلورة وصياغة هياكل وآليات التجمع بهدف تعزيز القدرات الاقتصادية والعسكرية والأمنية للدول الأعضاء، فمن المفروض أن يصب جهوده فى التعاون المشترك لمواجهة التحديات والمخاطر التى تطرحها المتغيرات السياسية والأمنية فى المنطقة وفى مقدمتها الإرهاب، من خلال مجموعة من الآليات من ضمنها تشجيع التضامن فى الأزمات بين الدول الأعضاء، تجفيف المنابع الرئيسية لتمويل الإرهاب، والإحجام عن تقديم الدعم للجماعات الانفصالية، وتعزيز التعاون الأمنى والاستخباراتى، وغيرها. التعاون جنوب - جنوب بات ضرورة ملحة ليس فقط لمواجهة التحديات الأمنية، وإنما أيضاً لمنع استغلال خيرات القارة، بحجة مواجهة الإرهاب، وسد الطريق أمام كل أشكال التدخل الغربى فى الشئون الداخلية لدولها واحترام سيادتها وسلامة أراضيها، هذا إذا أردنا تفادى استعمار جديد لأفريقيا، ولا بد هنا من الإشارة إلى ما كشف عنه موقع «ديبكا» الإسرائيلى، قبل أيام، حول كواليس إنشاء تحالف جديد تسيطر إسرائيل بموجبه على اقتصاديات دول شرق أفريقيا، مقابل تعاون تل أبيب مع تلك الدول (كينيا، إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وجنوب السودان) فى مكافحة «الإرهاب الإسلامى»، الذى يضم داعش، والقاعدة والتنظيمات المسلحة المرتبطة بهما مثل «شباب المجاهدين» الصومالى. على دول القارة أن تكون أكثر وعياً بما يحدق بها من مخاطر ومطامع وتهديدات، وعلى العالم أن يكون أكثر جدية ومسئولية فى تعامله مع الإرهاب، وأن يدرك أن الإرهاب فى أفريقيا ليس خطراً محلياً أو قارياً، أو يمكن المساومة من أجل الانخراط فى القضاء عليه، وإنما هو تهديد حقيقى للأمن والتنمية فى العالم أجمع.