بوجه بشوش تتخلله علامات الإجهاد، وعيون يقظة لم تعرف طعم الراحة قط، وظهر تقوس قليلاً بفعل أعباء مهنة إضافية تبذل فيها جهداً مضاعفاً فى حمل الرمل والزلط والطوب فوق أكتافها، مثلها مثل الرجال، تقف ليلى مبارك، الشهيرة ب«أم وائل»، ممسكة ب«المقشة» فى فصول إحدى المدارس الخاصة التى قبلت ظروفها وسمحت لها بالعمل بداخلها «عاملة نظافة». يبدأ يومها منذ الخامسة صباحاً حيث تعد الطعام لأفراد أسرتها أربعة أطفال رزقها الله بهم وزوج أصابه المرض فأقعده، تقول «ليلى»: «الشغل فى مدرسة مش بيكفى طلبات العيال.. واضطريت أشتغل شغلانة تانية عشان أقدر أسد الالتزامات اللى عليا». قبل أربع سنوات أصيب زوجها بخشونة فى الظهر واضطره المرض للبقاء قعيداً، وبعد أن كان مصدراً للدخل يساعد مع زوجته فى تلبية طلبات أسرتهما الصغيرة، لم يعد أمامه بديل سوى أن ترث زوجته مهنته وتقوم بحمل الرمال والطوب وسط الرجال، تتحدث «ليلى» عن مهنتها الإضافية قائلة: «شغلانة شيل الرمل والزلط والطوب بهدلة ومرمطة لأى ست.. بس معنديش بديل، ودى الحاجة الوحيدة اللى ممكن أشتغلها عشان البيت ميتأثرش بتعب الأب». وتضيف: «ممكن أشيل عربيتين تلاتة فى اليوم على ضهرى وأنقلهم للمكان اللى همّا عايزينه.. ربنا بيقدرنى عشان عيالى مايمدوش إيديهم لحد». مع قدوم الليل وباقتراب عودتها إلى البيت تبدأ رحلة أخرى من العمل من أجل رعاية زوجها وأطفالها، ما بين مسئوليات البيت المختلفة والتى تبدأها دائماً بتقديم العلاج للزوج وإطعامه وإطعام الصغار وتجهيز الأكل المطلوب منها وتنظيف البيت وغسل ملابسهم، ومعرفة ما يريدونه لتعيد ترتيب أولوياتها فى المصاريف، لا تعرف أم وائل معنى للراحة وحتى يوم الإجازة بات اسماً مدرجاً فى جدول المدرسة لكنه فى جدول حياتها يوم آخر من الشقاء والتعب والتنقل بين عربات الرمال والطوب لحملها على ظهرها، فعلى حد تعبيرها: «أى يوم بشتغله بيفرق معايا. صعوبة المهنة التى تمتهنها أم وائل وعدم قدرتها على المواصلة أحياناً تجلعها دائماً تلجأ إلى «الصبر» على حد تعبيرها: «مالناش غير الصبر.. هو اللى بيعينا على كل اللى إحنا فيه». طلبات الصغار الكثيرة وبخاصة وقتما كانوا فى الدراسة دفعتها لخروج بعضهم من المدارس لتخفيف العبء المتراكم عليها، كان نفسى أعلمهم أحس علام ويعيشوا مرتاحين، بس دى حكمة ربنا ولازم نرضى بيها». الرضا والصبر متلازمان فى الحديث مع أم وائل التى لا يكف لسانها عن ذكر الله وترديد ما تسمعه فى إذاعة القرآن الكريم بين الحين والآخر وتقول: «أكيد ربنا هيكرمنا وهيعوضنا خير عن كل اللى بنشوفه فى حياتنا.