فى كل حالات الانتقال للديمقراطية، واجهت الدول عقبات كثيرة، أهمها مقاومة أنصار النظام القديم، وتحدى القوى التى لا تؤمن بالديمقراطية، ونفوذ الجيش، والصراعات العرقية والانقسامات المجتمعية، والفساد، والأوضاع الاقتصادية المتردية وغيرها، بجانب معاناة بعض الدول من آثار الحروب الأهلية والإقليمية، المشكلة ليست فى وجود هذه العقبات من عدمه، فكل الدول عانت من بعض أو كل هذه العقبات، وإنما فى كيفية تعامل القادة والنخب مع هذه العقبات، فعندما ساد منطق الإقصاء والانفراد والفشل فى قراءة الواقع وحساب المخاطر وعندما تم تسييس الجيش ولم تعالج العلاقات المدنية - العسكرية بشكل صحيح وحكيم منذ البداية، فشل الانتقال كما فى نيجيريا والكاميرون وأنغولا وباكستان وبورما وكمبوديا وروسيا، أو ظهرت ديمقراطيات ضعيفة كتايلاند وبوليفيا وجورجيا وأوكرانيا وغيرها، أما الدول التى نجحت ففقد توفر لها قادة ونخب على قدر من الحكمة والقدرة على قراءة الواقع بشكل صحيح وعلى التعلم من تجارب الآخرين واعتماد التوافق والمشاركة، كما حدث بجنوب وشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا وبنين وجنوب كوريا ومنغوليا وغيرها، فى الحالات الناجحة، لم يستأثر فريق واحد بإدارة المرحلة الانتقالية وإنما ساد منطق المشاركة وتحمل الجميع عبء التعامل مع إرث الأنظمة القديمة، نظراً لكبر حجم المسئولية، وحتى لا يتم استهداف الفصيل الذى يتصور أن بإمكانه الانفراد، فيفشل ويفشل معه مسار الانتقال بأكمله، وفى مرحلة التأسيس والبناء، لم يُحتكم لمنطق الأغلبية والأوزان النسبية للقوى السياسية، وإنما تم اعتماد منطق المشاركة والاستعانة بالخبراء لإقامة نظام سياسى جديد يتلاءم مع أوضاع كل دولة. وكان التركيز على إعادة بناء، أو إصلاح، الخلل الأساسى الذى تواجهه كل دولة، والذى عادة ما يتصل بالنظامين الانتخابى والحزبى وإصلاح القضاء وإبعاد الجيش عن السياسة، باعتبار أن معالجة هذه الأمور كفيلة بإنتاج برلمان فعّال وحكومة فعّالة، ثم قيام البرلمان والحكومة باستكمال بناء المؤسسات ومعالجة التحديات الأخرى الاقتصادية والخارجية، وفى معظم الحالات، لم تفتح ملفات الفساد والمحاكمات أولاً، بل ساد منطق محاكمة أكابر مجرميها مع ترك الباب موارباً لعودة من لم تتلوث أيديهم بالدماء ودمجهم بالنظام الجديد، بجانب الاهتمام أولاً بإصلاح الجهازين القضائى والأمنى، واعتماد نظام شامل للعدالة الانتقالية خاصة بالدول التى شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. التحديات التى تواجهها مصر أقل حدة من حالات أخرى، لكن ما يعطل المسار هو اختيارات من تصدوا لإدارة المرحلة الانتقالية. والآن وبعد تمرير الدستور، على الرئيس معالجة الكثير من الأمور التى تهدد بفشل المسار عبر حوار وطنى حقيقى وشامل يؤدى لتجاوز الاتهامات المتبادلة، وإنهاء الاستقطاب، والتوافق على معالجة أزمة الدستور، ويضمن مشاركة حقيقية لكافة القوى الرئيسية فى تحمل عبء الملفات المختلفة والتصدى لكل من يعرقل الثورة، ربما فى شكل حكومة وطنية وفريق رئاسى موسع، وعلى المعارضة الوطنية التجاوب معه ومساعدته، أما اعتبار أن تمرير الدستور كان الحل وعدم معالجة القضايا التى فجرها الإعلان الدستورى والدستور، أو التأخر فى معالجتها، والعودة إلى ذات الطريقة فى صنع القرارات الرئاسية، أو تصعيد المعارضة من مطالبها، فلن يزيد الأمور إلا تعقيداً.