غادر أول سرب من الطائرات العسكرية الروسية، اليوم، سوريا غداة إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاجئ سحب القسم الأكبر من قواته هناك وهو ما يأمل الغربيون بأن ينعكس إيجابا على مفاوضات جنيف. ولقي طيارو قاذفات سوخوي-34 وطائرات النقل تو-154 العائدون استقبالا حاشدا في قاعدة عسكرية قرب فورونيج في جنوب غرب روسيا حيث استقبلهم المئات بباقات الورد والأعلام بحضور قائد سلاح الجو فيكتور بونداريف وعدد من كبار الضباط. وفي سوريا، قصفت مروحيات روسية مواقع تنظيم "داعش"، في محيط مدينة تدمر في وسط سوريا، لإسناد القوات السورية التي باتت على بعد 4 كيلومترات من المدينة الأثرية، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وقال مساعد وزير الدفاع الروسي الجنرال نيكولاي بانكوف "من المبكر جدا الحديث عن انتصار على الإرهابيين.. الطيران الروسي لديه مهمة تقوم على مواصلة الغارات ضد أهداف إرهابية"، كما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية من قاعدة حميميم في شمال غرب سوريا. وتابع بانكوف "هناك فرصة حقيقية لوضع حد لسنوات من العنف"، مؤكدا أن القوات الروسية والسورية تمكنت من "إلحاق أضرار مهمة بالإرهابيين وأربكت تنظيمهم وقوضت قدراتهم الاقتصادية". وإثر القرار الروسي، أعلن قيادي في جبهة النصرة، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، لوكالة فرانس برس أن "هزيمة الروس واضحة، وخلال 48 ساعة ستبدأ الجبهة هجوما في سوريا" دون مزيد من التفاصيل. وفي ردود الفعل، اعتبر مبعوث الأممالمتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا الانسحاب الجزئي للقوات الروسية "تطورا مهما" وأعرب عن الأمل في أن يكون له "تأثير إيجابي" على مفاوضات السلام في جنيف. وبالمثل رحبت فرنسا ولكن بحذر بالقرار وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية "لقد أخذنا علما بإعلان الرئيس بوتين.. وفي حال ترجم إلى وقائع فسيكون تطورا إيجابيا.. لابد من تشجيع أي خطوة تساهم في تخفيف حدة التوتر". وفي كانبيرا، اعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أنه ينبغي النظر إلى خطوة روسيا كإشارة إيجابية لوقف إطلاق النار. بدوره، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن "الضربات الجوية الروسية سمحت بتكوين أساسات جيدة لكي تسير المفاوضات كما هو متوقع". ورحب محققو الأممالمتحدة ب"التراجع الملحوظ" للعنف، وقال باولو بينيرو رئيس لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة الخاصة بسوريا في جنيف "الآن، للمرة الأولى، هناك أمل بالتوصل إلى نهاية النزاع". وكان بوتين أعلن مساء الاثنين بدء سحب القسم الأكبر من القوات الروسية المنتشرة في سوريا منذ 30 سبتمبر بعد أسبوعين على بدء العمل بوقف إطلاق النار. ولم تحدد موسكو مهلة لانسحابها، إلا أنها أبقت "أحدث" أنظمة الدفاع الجوي في سوريا. وقال مدير المكتب الرئاسي في الكرملين سيرغي إيفانوف "سنحافظ على حماية فاعلة للقسم المتبقي في سوريا من القوات، خصوصا من خلال وسائل حماية برية وبحرية وجوية"، حسب وكالات الأنباء الروسية. واعتبرت الصحف الروسية إعلان الانسحاب يتيح لموسكو تقديم تدخلها في هذا البلد بمثابة انتصار سياسي، كونها أعطت أولوية للتسوية السياسية بدل الغرق في النزاع. وبعد إعلان البيت الابيض مساء الاثنين، أن بوتين تطرق في مكالمة مع الرئيس باراك أوباما إلى الانسحاب الجزئي، اعتبر المتحدث باسمه جوش إيرنست أنه من "الصعب" تقييم تأثير الإعلان على مفاوضات السلام الجارية. ونشرت موسكو منذ سبتمبر أكثر من 50 طائرة حربية مع قوات في قاعدة حميميم نفذت على مدى 5 أشهر آلاف الغارات واستهدفت آلاف المواقع التي قالت موسكوودمشق إنها عائدة ل"إرهابيين"، بينما نددت المعارضة ودول غربية باستهدافها مواقع للمعارضة المصنفة "معتدلة". كما أطلق الجيش الروسي خلال عملياته صواريخ من سفن حربية رأسية في بحر قزوين أو من غواصات في البحر المتوسط. وساعدت القوة الضاربة الروسية الجيش السوري على تحقيق تقدم على الأرض، بعدما كان في وضع صعب الصيف الماضي. ويأتي إعلان الانسحاب الروسي بعد ساعات على بدء جولة جديدة من المفاوضات في جنيف في حين لا يزال مصير الرئيس بشار الأسد يطرح مشكلة إذ ترفض دمشق مطلب المعارضة برحيله. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأطراف المشاركة في محادثات جنيف إلى العمل من أجل التوصل إلى تسوية سلمية وإنهاء "الكارثة الإنسانية غير المسبوقة". وجدد بان كي مون دعوته لمجلس الأمن الدولي لإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب. وفي مؤتمر صحافي بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق "الثورة السورية" قبل الاجتماع الرسمي الأول مع دي ميستورا، جدد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط تأكيد "حرصنا على أن تبدأ هذه المفاوضات بمناقشة هيئة حكم انتقالي"، معتبرا أن تشكيل حكومة "وحدة وطنية" هو "غير مقبول". وتختلف الحكومة والمعارضة حول المرحلة الانتقالية إذ تتحدث دمشق عن حكومة وحدة وطنية موسعة تضم أطيافا من المعارضة، وتريد المعارضة هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية ليس للأسد دور فيها.