نحن على موعد لنتوقف قليلاً اليوم مع قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}. كم هو قاتل هذا الداء إذا انتشر فى المجتمع الإسلامى، إنه داء سوء الظن الذى حذرنا منه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «إياكم والظنّ، فإن الظن أكذبُ الحديث..». إن أوقات الفتن تكثر فيها قضية سوء الظن هذه حتى يصل الأمر ببعضهم إلى أن يتهم كل الأمة ويظن بها السوء إلا حزبه وأنصاره فقط، بل وقد يسىء الظن فى هؤلاء فلا يرى لأحد فضلاً إلا لنفسه، عافانا الله وإياكم. إن هذا المسكين الذى يظن الناس جميعاً فى شر إلا حزبه ورفقته هو فى الحقيقة غافل عن التوجيه النبوى الجميل الوارد فى قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: {إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم} أى أكثرهم هلاكاً. إن حسن الظن بالمسلمين من أوجب الأمور فى زمان الفتنة كما كان فعل السلف الصالح رضى الله عنهم وأرضاهم، فقد نأوا بأنفسهم عن هذا الداء العضال، فتراهم يلتمسون الأعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: إنى لألتمس لأخى المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذراً لا أعرفه. ليتنا فى خلافاتنا الشخصية والاجتماعية والسياسية نقدم هذا المنهج سلوكاً عملياً واقعياً، أن نلتمس الأعذار لإخواننا جميعاً وأن يكون شأن الواحد منا إذا رأى من أخيه ما يكره أن يقول: لعله كان يقصد كذا أو كذا أو كذا، وليكن الاعتقاد الراسخ أن أخى طالما هو من المؤمنين فهو يريد الخير حتى ولو أخطأ الطريق فيما أظن، فنتعامل مع الجميع انطلاقاً من قاعدة حسن الظن بالمسلمين وأنهم جميعاً ما أرادوا إلا الخير. نعود إلى الآية مرة أخرى فنجد أمراً خطيراً ومهماً فى سياق بناء الحضارة ونبذ الفتن، إنه وجوب ترك التجسس ووجوب احترام الحرمات فلا يتم انتهاكها بأن نطلع من إخواننا على ما لا يحبون. ثم مع الأمر بترك التجسس يأتى الأمر بوجوب ترك الغيبة فإنها تفسد ذات البين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وإياكم وفساد ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هى الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين}. كل هذه تدابير مهمة لحفظ المجتمع من الوقوع فى فتنة تمزق وحدته وتفت فى عضده حتى يكون المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. ثم يأتى أمر قرآنى على درجة عالية جداً من الخطورة والأهمية، خصوصاً فى أوقات الاضطرابات والفتن، إنه الوارد فى قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتمْ نَادِمِينَ}. ما أحوجنا اليوم ورب الكعبة إلى امتثال هذا الأمر الإلهى الخطير فنتوقف عن نشر كلام لا نعرف مصدره ولم نتأكد من وقوعه، فنروج الشائعات، ويكذب أحدهم الكذبة فتطير فى الآفاق ثم لا يستطيع تعديلها فى أذهان كل من وصلتهم هذه الكذبة، فيلقى الله بإثمها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.