يعكف علماء من الجامعة التقنية في ميونيخ حاليا مع زملائهم المصريين على العمل من أجل إنجاز مشروع طموح لاستحداث إدارة مستدامة للغابات في مصر تقوم بالإشراف على زراعة آلاف الهكتارات من الصحراء المصرية بالغابات. قطع المشروع "المصري البافاري" الطموح عدة أشواط إيجابية على طريق التنفيذ حتى الآن، ففي 7 مايو الماضي، تم افتتاح المشروع رسميا في مصر، حيث اجتمع خبراء ألمان مع وزراء من الحكومة المصرية لبحث سبل تنفيذ المشروع مثلما أفاد تقرير بصحيفة "الدويتش فيلا" الالكترونية عن آفاق هذا المشروع الكبير. وقال الدكتور" هاني الكاتب" بقسم الغابات في الجامعة التقنية في ميونيخ - فى تصريحات لدويتش فيلا الالكترونية: "يجب الإشارة أولا إلى أن فكرة هذا المشروع ليست جديدة، فقد قامت الحكومة المصرية في منتصف التسعينات بزراعة الأشجار في صحراء الجيزة القريبة من القاهرة، في محاولة لتطبيق فكرة غابات الصحراء، لكن نتائجها لم تكن مرضية لأسباب عديدة وأوضح الكاتب - وهو أحد المشرفين على المشروع - أن من هذه الأسبابا نقص الكوادر العلمية والفنية المتخصصة في علوم الغابات، كذلك افتقار مصر إلى هيئة مستقلة للغابات يمكن التعاون معها، وقال " لذلك وجدنا أن المسؤولية تتوزع بين الوزارات والهيئات وتصبح النتائج غير فاعلة". ويضيف الكاتب: " لهذا سنقوم من خلال هذا المشروع أولا بنقل الخبرة الألمانية إلى مصر ومن ثم سنعمل علي تحسين زراعة الغابات في الصحراء المصرية، وتقديم أنواع الحبوب الجيدة، والإشراف على الأبحاث، وتقديم النصائح المهمة، وتحسين سبل الري". ويتابع الخبير المصري الدكتور هانى الكاتب قائلا " لدينا في الوقت الحالي 8 أجزاء من الأبحاث المخصصة لتحسين إدارة الغابات في مصر، وهي بمثابة عقد متكامل يبدأ من اختيار الحبوب ثم كيفية التعامل مع الأشجار المزروعة من حيث العناية والري حتى ينتهي بكيفية قطع الشجرة نفسها". وحول أهمية تنقية البيئة من مياه الصرف الصحي واستخدامها في ري غابات الصحراء يقول: الدكتور الكاتب "لقد أكدت أبحاثنا أن مياه الصرف الصحي المنصرفة في مصر تقدر بحوالي 3.6 مليار متر مكعب في السنة، وستصل في سنة 2017 إلى 11 مليار متر مكعب، هذه الكمية ستكون كافية بعد المعالجة لاستخدامها في زراعة 3 مليون فدان بالأشجار أي نسبة 40% من الأراضي المزروعة في مصر، بل يمكن الحصول منها أيضا على الأسمدة و"البيوغاز"، لقد طرحنا على الجانب المصري في 7 مايو الماضي تصورتنا للمشروع والقدرة على زراعة حوالي مليون ونصف المليون فدان من الغابات في وقت قصير". واستطرد قائلا "لكن هل العوامل البيئية في مصر ستساعد على إنجاح هذا المشروع ؟ يقول الخبير الألماني من أصل مصري: "بالفعل سنختار أشجارا تتوافق مع البيئة الصحراوية، لكن الأهم هو أننا وجدنا أن مياه الصرف الصحي التي ستستخدم لري الأشجار، تحتوي علي نسبة عالية من النيتروجين والفوسفور، وهي نسبة مهمة جدا نحتاجها في زراعة أشجار الغابات، ولقد وجدنا أن هذه النسبة ستحقق معدل نمو في الأشجار يفوق معدل النمو في ألمانيا بنسبة 5.4 مرة، وهذا يعني أننا سوف نحصل في 13 سنة فقط على نفس الكمية التي تنتجها ألمانيا في 60 سنة". وفى ما يتعلق بالتجارب التى أجريت في هذا الشأن يقول الكاتب "إن التجارب التي أجريناها على شجر "المهوجني" مثلا قد أكدت أن هذا النوع ينمو في الصحراء المصرية في مدة أقصاها أربع سنوات فقط، ويصل قطر جذع الشجرة إلى 20 سنتيمتر وهذه نتيجة ممتازة للغاية". وحول فوائد زراعة الغابات في مصر قال الدكتور هانى الكاتب "إنها ستوقف عمليات التصحر التي تعاني منها مصر. فالتصحر في هذا البلد يسجل واحدا من أعلى المعدلات في العالم، الأرض الزراعية في مصر تخسر في كل ساعة 3.5 فدان، وهي خسارة فادحة". وأضاف " كذلك فإن الغابات في مصر ستعمل علي تحسين المناخ، فمصر في الوقت الحالي ليس بها أكثر من 1.0% من نسبة الأشجار، لذلك فإن إنجاز هذا المشروع سيحسن البيئة في مصر بشكل كبير، خاصة إذا ما علمنا أن الغابات المزروعة في بداية المشروع ستقوم بتخزين 25 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون الضار بالبيئة". وتابع قائلا " من جهة أخرى فإن زراعة أشجار مثل " المنجارون " على شواطئ الدلتا ستعمل على تثبيت التربة ، وتقلل من ارتفاع منسوب البحر، وهذا أيضا بإمكانه حماية الدلتا من الغرق". وحول نتائج المشروع ومعوقات نجاحه يقول الدكتور الكاتب "لقد قطعنا نصف المشوار تقريبا، وسنبدأ على الفور في نوفمبر المقبل في تقديم برنامج تثقيفي ومحاضرات متخصصة في كل من جامعة عين شمس وجامعة الإسكندرية فرع علوم الغابات، وسنركز على تحسين التعليم في علوم الغابات وإدارة المياه. و في منتصف ديسمبر القادم سيصل إلى بافاريا خبراء ومسؤولون مصريون في إطار التبادل والتشاور وفقا للبروتوكول المنظم للمشروع ". ويضيف الكاتب "إننا نركز أولا على تحسين مستوي الأداء التعليمي في فرع علوم الغابات والمشاركة في الأبحاث التي يتطلبها المشروع وتحسين الصرف الصحي ، خاصة وأنه لدينا منحة قيمتها 250 ألف يورو مقدمة من الهيئة الألمانية العامة لتبادل الطلاب لإنفاقها في هذا الاتجاه". وأشار إلى أن تمويل المشروع لن تقوم به الحكومة المصرية وحدها، بل إن البداية ستكون عبارة عن زراعة نماذج متعددة من الغابات بهدف جذب المستثمرين الذين سيقومون بتمويل هذه الزراعة والاستثمار فيها. ويقول الدكتور الكاتب "إننا سنبدأ بالفعل في زراعة النماذج في بداية الربيع القادم ،وهذا مهم جدا ، وستشترك معنا شركة" فورست فايننشال" العالمية في إقامة هذه النماذج، وهي من أفضل الشركات في هذا المجال، النماذج أيضا ستكون تعليمية وتدريبية". ويتابع المتحدث " في فترة تتراوح ما بين 12 إلى 20 سنة بعد بداية المشروع وزراعة الغابات سنبدأ في جني الثمار وسوف نحصل على 340 مترا مكعبا من الأخشاب للفدان الواحد، في الوقت الذي سيساعد فيه كل فدان في تخزين من 30 إلى 50 طنا من غاز ثاني أكسيد الكربون في السنة حيث تمتص الأشجار ثاني اكسيد الكربون وتطلق الأكسجين" .