استعدت الدولة اللبنانية بكل طوائفها وأحزابها وتياراتها السياسية والدينية وهيئاتها لاستقبال بابا الفاتيكان قداسة البابا بنديكت السادس عشر فى زيارته التاريخية للعاصمة اللبنانية بيروت بعد غد الجمعة عقب اصراره على القيام بهذه الزيارة رغم التوترات الامنية التي ظهرت مؤخرا في بعض المناطق اللبنانية، خاصة في جوار الدولة اللبنانية القريبة من حدودها سوريا. وقد ازدانت شوارع وميادين العاصمة بصور قداسة البابا وترفرف الاعلام اللبنانية عاليا على المنازل والأبنية الحكومية والخاصة وأحيطت الأشجار والطرقات بالزينات واللوحات الفنية ذات الألوان البهية ومصابيح الإضاءة المعبرة عن ترحيب لبنان دولة وحكومة وشعبا بقداسته، وتشديد رئيس المجلس النيابي نبيه بري قائلا اننا سنستقبل قداسته برش الورود والارز من ارض المطار. وشهدت فترة قبيل الزيارة حتى الان حالة من الهدوء والاستقرار الامني المبرمج والمنظم من جانب القوى السياسية والدينية اللبنانية المتعددة احتفالا بقدوم رئيس الكنيسة الكاثوليكية إلى لبنان عقب فترة عصيبة عايشها أبناء لبنان وصفت بالخطيرة وأعادت أحداث الثمانينيات مرة أخرى إلى أذهان الشارع اللبناني، وكادت تهدد زيارة البابا المرتقبة، الا أنه أصر على تنفيذ رحلته الرعوية تأكيدا على رسالة المحبة والسلام ونشر ثقافة الحوار المجتمعي ليس فقط بين اللبنانيين بل ايضا بين شعوب المنطقة ورفضا لأساليب العنف والاضطهاد لأي عقيدة من العقائد السماوية، وحرص الحاضرة الفاتيكانية على التواجد المسيحي الفاعل والمتفاعل مع محيطه الإسلامي والعربي في المشرق. وأعدت برامج زيارات متعددة لاماكن مختلفة خلال فترة الزيارة الممتدة إلى يوم الأحد القادم، وهي الزيارة الثانية لبابا الفاتيكان إلى لبنان بعد زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام 1997. ويقوم البابا بنديكت السادس عشر خلال زيارته لبنان بالتوقيع على الإرشاد الرسولي في بازيليك القديس بولس في حريصا، والذي يتضمن نتائج المناقشات والتوصيات الصادرة عن السينودس الخاص بالشرق الأوسط، الذي عقد في حاضرة الفاتيكان والذي انطلق من الخطوط العريضة التي كانت ثمرة تفكير عميق شاركت فيه الكنيسة على مختلف مستوياتها. وكان عنوان السينودس الخاص بالشرق الأوسط في اكتوبر 2010: الكنيسة الكاثوليكية في الشرق الأوسط، شركة وشهادة، واستهدف تثبيت وتقوية المسيحيين في هويتهم، عبر كلمة الله والأسرار المقدسة، وأحياء الشركة الكنسية بين الكنائس الخاصة، حتى تستطيع تقديم شهادة مسيحية حقيقية. ويلفت إلى إن الكنائس الكاثوليكية ليست وحدها في الشرق الأوسط، هناك أيضاً الكنائس الارثوذكسية والجماعات البروتستانتية، وتدعيم الشركة على كل المستويات: في داخل كل كنيسة كاثوليكية في الشرق، وبين كل الكنائس الكاثوليكية، ومع باقي الكنائس المسيحية، وانه يجب تقوية الشهادة التي تقدم للاخوة اليهود والمسلمين ولباقي المؤمنين وغير المؤمنين. ويشدد الارشاد الرسولى على دور المسيحيين في المجتمع برغم قلة عددهم في كل مكان تقريبا في الشرق الأوسط، باستثناء لبنان، هي أقل من 1% (في ايران وتركيا)، الى 10% في مصر ، وتدعيم الروابط الاجتماعية والتضامن في ما بينهم. ويشار إلى التحديات التي يواجهها مسيحيو الشرق الأوسط متمثلة فى الصراعات السياسية في المنطقة التى تؤثر تأثيراً مباشراً على حياة المسيحيين، كمسيحيين وكمواطنين، وان الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية يجعل من الحياة اليومية صعبة، سواء في حرية الحركة، والاقتصاد، والحياة الدينية (كالوصول الى الاماكن المقدسة، المرتهن باذن عسكري، يمنح للبعض ويرفض لغيرهم، لأسباب أمنية) وعلاوة على ذلك، توجد تيارات لاهوتية مسيحية أصولية تبرر من الكتاب المقدس احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية، مما يزيد من صعوبة وضع المسيحيين العرب. وفي العديد من البلدان، فإن التسلط، والديكتاتورية أحياناً، يدفعان الشعوب، بمن فيهم المسيحيون، إلى تحمل كل شيء في صمت لانقاذ الأمور الأساسية، وفي تركيا يطرح التصور العلماني الحالي الكثير من المسائل على الحرية الدينية الكاملة في البلد. ويتعرض الارشاد إلى حرية العقيدة وحرية الضمير ويشار إلى أسباب الهجرة من المشرق بين المسيحيين وغير المسيحيين نهاية القرن التاسع عشر. والسببان الأساسيان كانا السياسة والاقتصاد. ولم تكن العلاقات الدينية في أفضل صورها، ولكن نظام الملات (جماعات عرقية دينية) كان يكفل نوعا من الحماية للمسيحيين داخل مجتمعاتهم مما لم يكن يمنع من قيام بعض المنازعات الدينية والقبلية. وقد ازدادت هذه الهجرة اليوم بسبب الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وما احدثه من عدم استقرار في المنطقة بأسرها، وصولاً إلى حرب العراق وعدم الاستقرار السياسي في لبنان. وقد أعد لقداسته برنامج عمل حافل باللقاءات والصلوات منذ الساعة الاولى لهبوطه أرض المطار حتى مغادرته بيروت تمثل فى حفل الاستقبال الرسمي والشعبي في المطار والانتقال بموكب إلى مقر اقامته في السفارة البابوية في حريصا ثم توقيع الإرشاد الرسولي للسينودس الخاص لمجمع الأساقفة من أجل الشرق الأوسط في بازيليك القديس بولس - حريصا . وفى يوم السبت يقام قداس الهى خاص بمقر الاقامة ولقاءات مع رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة والطوائف الاسلامية ثم لقاء مع مؤسسات الدولة والهيئات الدبلوماسية ورؤساء الطوائف والشخصيات الثقافية واقامة مأدبة غداء على شرف قداسته مع البطاركة والاساقفة فى مقر بطريركية الارمن الكاثوليك في بزمار وفي المساء ينتقل بالسيارة البابوية من مقر إقامته إلى مقر البطريركية المارونية فى بكركى. ويقيم قداسته قداسا عند الواجهة البحرية للعاصمة بيروت يوم الاحد وتوزيع الإرشاد الرسولي للسينودس الخاص لمجمع الأساقفة من أجل الشرق الأوسط وبعدها يعقد لقاء في مقر بطريركية السريان الكاثوليك، وفي المساء يقام حفل الوداع الرسمي. والشعبي في المطار.