تعد القصور الرئاسية هي الشاهد الحي على تاريخ حكام مصر، وسرد امجادها، وكان على رأس تلك القصور، قصر عابدين، الذي عرف بجوهرة القصور الملكية، والذي شهد أهم الأحداث التاريخية، خلال أكثر من مائة عام بدأت في عهد الخديو إسماعيل حتى الآن، كما يعد تحفة معمارية فريدة تعكس الفخامة التي شيد بها. وباستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي، لنظيره الصينى شى جين بينج، داخل أروقة القصر أعاد بذلك أمجاد ذلك الصرح العظيم، حيث أقام مأدبة عشاء على شرف الضيف، الذي يعد أول رئيس صينى يزور البلاد منذ 12 عامًا. 1 كما يعد الحفل الفنى الذي أقيم في قصر عابدين، احتفالا بالرئيس الصينى«شي جينج» هو الأول من نوعه منذ 11 عامًا، ويعد الاستقبال الرسمى الأول الذي يقيمه الرئيس السيسي بقصر عابدين منذ توليه حكم البلاد في يونيو 2014 2 البداية المشهد الذي أعاد الأذهان إلى الماضي، أعاد بأذهاننا إلى ذكريات ذلك الصرح التاريخي، حيث تم تشييد القصر على يد الخديو إسماعيل بن إبراهيم باشا، خامس حكام مصر في الأسرة العلوية، الذي أمر ببنائه فور توليه الحكم في مصر عام 1863، وقد بُني قصر عابدين مكان القصر القديم الذي كان ملكا لأحد القادة العسكريين في عهد محمد على باشا، وهو عابدين باشا، فقام بشرائه الخديو إسماعيل من أرملته وهدمه وضم إليه بعض الأراضي المجاورة له لتصبح مساحته 24 فدانا، وأبقى الخديو إسماعيل على اسم صاحب القصر القديم "عابدين". 3 مقر الحكم وقصر عابدين من أشهر القصور التي شيدت خلال حكم أسرة محمد على باشا لمصر، حيث كان مقرا للحكم من عام 1872 حتى عام 1952، وقد أطلق عليه اسم "جوهرة القصور الملكية" وذلك لأنه يتميز بالتراث الكلاسيكي الذي كان ينافس القصور الأوربية آنذاك في معماره، وتعدد قاعاته وأروقته التي شهدت صعود وهبوط ملوك وحكام ورؤساء كثيرين. كما يُعدّ بناء قصر عابدين بداية لظهور القاهرة الحديثة، ففي نفس الوقت الذي كان يتم فيه بناء القصر أمر الخديو إسماعيل بتخطيط القاهرة على النمط الأوربي، من ميادين فسيحة وشوارع واسعة وقصور ومبانٍ وجسور على النيل، وحدائق مليئة بالأشجار وأنواع النخيل والنباتات النادرة. 4 نقطة تحول و اكتسب قصر عابدين مكانته الخاصة في قلوب المصريين نظرا لاعتباره نقطة تحول في حياتهم، حيث كانت المرة الأولى التي يترك فيها الحاكم برجه الذي يحكم منه في القلعة وينزل قلب العاصمة ليحكم البلاد وسط شعبه، وقد شهد هذا القصر أحداثا تاريخية طبعت بصماتها في التاريخ، من أهمها أنه شهد تظاهرة في 9 سبتمبر سنة 1881 بقيادة الزعيم أحمد عرابي، الذي قدّم فيها مطالب الأمة والجيش للخديو توفيق. 5 تتويج الملوك ورغم إقامة عدد من الحكام المصريين فيه بدءًا من إسماعيل، فان أول حاكم توج داخله كان السلطان حسين كامل في العام 1914 حين خلع الانجليز عباس حلمي وأحلوا عمه مكانه، وقبل ذلك كان الحكام يتوجون في "سراي الجوهرة" في قلعة صلاح الدين، ثم شهد القصر حفلة تتويج الملك فؤاد الأول ومن بعده الملك فاروق، وزواج العديد من أميرات الأسرة المالكة وامرائها. 6 محمد نجيب وعقب قيام ثورة 1952 جعل زعيمها الأول محمد نجيب القصر مقرًا للحكم، ومن ضمن الأحداث المهمة أيضا الأزمة التي نشبت بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر، والتي عرفت بأزمة مارس عام 1954 بعد قيام الثورة، حيث شهد هذا العام تقديم محمد نجيب استقالته في 25 فبراير، ولما تراجع عنها عاد للقصر ووقف بالشرفة والتف حوله المتظاهرون في شعارات تعارضه في ذلك الوقت. 7 عبد الناصر وحذا حذوه الرئيس جمال عبدالناصر بعد أن أصبح رئيسًا للبلاد، وخطب من شرفته مرات عدة أمام الجماهير خصوصًا في أعياد الثورة. إلا أنه بدءًا من العام 1958 هجر عبدالناصر القصر، ليدير شئون الحكم من منزله في ضاحية مصر الجديدة، ومن "قصر القبة" القريب من ذلك المنزل. 8 عهد السادات في أواخر عهد السادات بدأ الاهتمام بالقصور، وكان منها قصر عابدين الذي كان قريبا من مسكنه، وأصبحت القصور الملكية قصورا للرئاسة، كما تبنّى الرئيس الأسبق مبارك قضية الاهتمام بالقصور ومن بينها قصر عابدين، وأمر بإعادة القصور لما كانت عليه من رونق وجمال بصفتها من كنوز مصر، وبالفعل تم تجديد قصر عابدين وإعادته إلى ما كان عليه بقدر الإمكان. وكذلك تم تجديد وترميم المتاحف الموجودة به لأهميتها التاريخية والأثرية، ومنها متحف الملك فؤاد والعائلة المالكة، ويضم كل هدايا ومقتنيات الأسرة الحاكمة من فضيات وكريستالات وصيني، بالإضافة إلى وثائق أثرية من عهد محمد على حتى الملك فاروق، كما تم ترميم متحف الأسلحة ومتحف الأوسمة والنياشين، وإعادتها إلى ما كانت عليه، وتم فتح كل هذه المتاحف للجمهور والسائحين بدلا من أن ترص داخل المستودعات والمخازن. 9 حسني مبارك وظل قصر عابدين المقر الرئيسي لرئاسة الجمهورية في عهد الرئيس محمد حسني مبارك، إلا أن الرئيس مبارك عاد ووقع اختياره على فندق "هليوبوليس" الذي شيده البارون إمبان في ضاحية مصر الجديدة ليكون مقرًا لرئاسة الجمهورية، وهذا الأمر له دلالاته التاريخية والسياسية والجغرافية، وكانت المرة الأخيرة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، عندما استقبل الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين في قصر عابدين عام 2005. 10. محمد مرسي كان آخر استخدام رسمي له عندما حرص الرئيس المعزول محمد مرسي على ارتياده وجلس على كرسي الملك فاروق وأصر على التقاط عدد من الصور التذكارية في هذا المكان. 11 وصف القصر أما عن الوصف المعماري للقصر، فيضم عددا كبيرا من الغرف والقاعات يصل إلى 500 غرفة وقاعة، ومكتبة ضخمة تضم ما يقرب من 55 ألف كتاب، وأطقما مذهبة من الأثاث، ومبنى منقوشا بأسماء الملوك، أما الأبواب والنوافذ فصنعت من الزجاج الملوّن الذي رُسمت عليه لوحات ملونة لأشجار وبحار وملائكة وطيور، والأسقف التي تحتوي على نقوش فنية دقيقة هندسية بارزة ومذهبة، والتي تتميز بالزخارف العربية والإسلامية والإيطالية، وكانت السلالم تتصف بالفخامة والتي يتم فرشها بالسجاد الأحمر. 12 ذلك بالإضافة إلى صالونات تتميز بلون جدرانها، فهناك الصالون: الأبيض والأحمر والأخضر التي تستخدم في استقبال الوفود الرسمية أثناء زيارتها لمصر، ويوجد في الدور الأول من القصر صالونان، يؤدي أحدهما إلى صالون قناة السويس الذي أنشئ ليتم الاحتفال فيه بافتتاح قناة السويس، ولكنه لم يتم الاحتفال فيه، وهذا الصالون يؤدي إلى الشرفة المؤدية إلى ميدان عابدين. 13 قاعة العرش أما قاعة العرش فهي عبارة عن ميدان فسيح به قاعة عربية الطراز أرضيتها من الباركيه، ولها باب يفصلها عن قاعة أخرى هي قاعة الحرملك، التي لا يسمح لأحد بالدخول إليها إلا لمن يحمل علامات مميزة، ومن قاعة العرش أيضا يبدأ ممر طويل يقود إلى جناح الملك المفروش بأفخر أنواع السجاد، ويتكون الجناح من عدة غرف هي مكتب وصالون وحجرة نوم وحمام. 14 أجنحة القصر ويوجد بداخل القصر العديد من الأجنحة، مثل الجناح البلجيكي الذي صمم لإقامة ضيوف مصر المهمين، وسمي كذلك لأن ملك بلجيكا هو أول من أقام فيه، وجناح الملكة نازلي الذي صُمم لإقامة الملكة الأم نازلي، وهو الآن يستخدم لإقامة ضيوف الرئاسة، وهناك أيضا جناح الضيوف الأجانب، وكل هذه الأجنحة أقيمت بالدور العلوي من القصر. ويضم الدور الأرضي حديقة القصر، وصيدلية تحتكر الأدوية النادرة، وفي مواجهتها المطبعة الملكية السابقة وإدارتها، ويضم كذلك ورشة المكوجية الحكومية والخاصة.