ثلاثة أطياف من المصريين يتحكمون في خريطة المعادلة السياسية في مصر بعد الثورة يتوزعون بين الإخواني ممن يرى الثوريين دعاة فتنة ومندفعين ولا يأبهون بمصالح الناس المتعبة الشقيانة، وآخر ثورجي يرى أن الاخوان باعوا الثورة ولم تكن مشاركتهم فيها الا خطوة على الطريق لاستيلائهم غير المستحق على الحكم والركوب على أكتاف ثورتهم. بينما يضع الفريق الثالث الامور في نصابها الصحيح من زاوية عليا فينظر الى اطراف المعادلة جميعا دون اهمال أحدهما، لكن الناظر الى الوضع السياسي الحالي في مصر يرى انقساما محبطا بين القوى السياسية، فلا تكاد ترى الاخوان والسلفيين قد اتحدوا ولا ترى القوى الثورية متفقة أو الاحزاب الليبرالية متحدة. ومن غير الانصاف أن نقول إن الثورة فشلت كما نقول أيضاً انها نجحت، فالثورة حققت المستحيل من اسقاط رأس النظام والقضاء على الحزب الوطني ومحاصرة فلوله في البرلمان ولعل الاكثر أهمية من كل هذا هو ايقاظها للحس الثوري في الشعب الذي ما عاد ليقبل أنصاف الحلول وذلك هو المكسب الاكبر الذي يجب ان يدعونا الى التفاؤل. وعلى النقيض نجد المجلس العسكري قد خدع الثوار الا قليلا وامتص الثورة من بدايتها تماما ليضع الثوار في موقف حرج أثناء مرحلة التطهير، فالمجلس الذي استخدم الاعلام جيدا داخل الجيش وبين جموع الشعب استطاع ان يحشد لنفسه شعبيه كبيرة جدا كداعما وناصرا للثورة واستطاع أن يفعل ذلك بنجاح ممهدا الطريق لسلسلة من الافعال المشينة التى فرق بها الشعب ثوار واسلاميين وكنبة. وأرباب حزب الكنبة يجدون في المجلس العسكري امتدادا للرئيس السابق "حسني مبارك" ولكون هذا الحزب يكره التغيير، فضلا عن مشاكله فإن مبارك بظلمه وفقره قد يكون أحسن من الوضع الحالي، وان لم يصرح بهذا خوفا من اتهامه بالفلولية "رموز النظام السابق". لذلك فإنهم يعشقون المجلس العسكري الذي يرى فيه الاستقرار والقوة والبطش التي تضمن له الحياة الآمنة، الا ان المجلس العسكري سرعان ما يقدم قرارات دائما ما تعكر هذه القناعة عند "الكنبيين" ويظنون ان المجلس العسكري ايضا لا يستطيع تامين حياة مستقرة لهم. ويدافع المجلس عن نفسه دائما قائلاً إن الثوار هم من يدفعونه الى ذلك وانه لو ترك يعمل في صمت لنهضة البلاد الى ومن ثم فإن المجلس العسكري معه مناصروه من حزب الكنبة وبعض المناصرين له الذين يحتشدون في مظاهرات في ميدان روكسى او العباسية ويلجأ دائما إليهم حينما يتهم بالخيانه أو التواطؤ فيقول إن معه الغالبية العظمى من الشعب المصري ويهدد باجراء استفتاء شعبي على استمراره في الحكم. والطرف الثاني من المعادلة وهم الاخوان المسلمين الذين يرون أن الشق الاكبر من الثورة قد تم وانه قد حان الوقت لبناء المؤسسات مع تطهيرها من فلول النظام البائد بالتدريج وحجه هؤلاء ان الشعب المصري لم يعد يحتمل فترة اطول من عدم الاستقرار ويخشى دائما من ثورة الجياع. كما ان الاخوان المسلمين لديهم هاجس دائم من انقلاب العسكر على الثورة مدعومين بسيناريو عام 54 ويبنون الكثير من القرارات احترازا من نظرية (515 الاحتمالية)، فهم يرون انهم قد تعلموا الدرس من وقوفهم ضد العسكر صراحة والذي اودى بهم وبمصر الى 60 عاما من القهر والفساد. وهذا ما أكده السيد عبدالستار المليجي، القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، الذي أوضح أنهم يتعاملون مع المجلس العسكري كما يتعامل الحاوي مع الافعى ومن ثم فإنهم يخشون اغضابه فيدبر لهم مكيدة أو ينقلب على الديموقراطية ويستخدم شعبيته المزيفة للقضاء على الثورة. وأضاف "المليجي" أن الاخوان قد يؤجلون الصدام مع العسكري بقدر المستطاع ويحاولون الحصول على مكاسب تدريجية دون الصدام معه وأهم تلك المكاسب هي الانتخابات البرلمانية حتى الآن، فهم يؤمنون ان البرلمان يستطيع ان يجبر العسكري على ما لم تستطع التظاهرات والاعتصامات اجباره عليه. والسبب الاخر كما يقول "المليجي" من خوف الاخوان الاصطدام بالعسكري هو خوفهم من انهيار السلطه التنفيذية في عهد ما بعد تسليم السلطة، فهم حتى الان يلجأون الى المجلس العسكري ليجبر الداخلية على اصلاحات واعاده هيكلة. أما حينما تفقد الصلة بالمجلس العسكري، فإنهم سوف يفقدون أي رادع للسلطة التنفيذية والتي هي اصلا مناوئة تماما للثورة متمثلة فى ميليشيات وزارة الداخلية، مؤكدا انه لا البرلمان ولا الرئيس ولا الحكومة تستطيع تطويع مؤسسات الدولة بدون قوة تنفيذية تضمن عدم الفوضى لذلك يغلب على منهجهم الاصلاح اكثر من الثورية ولعل الكثير من مواقف الاخوان تحير الثوار والائتلافات المختلفة، فمنها ما هو عميق نابع من دهاء وسياسة لا تستطيع الائتلافات الاخرى استيعابها ومنها ما هو نابع من قصور في الجماعه نتيجة لعدم التحرر من الفكر الامني الذي اعتادت عليه الجماعة لاكثر من ستين عاما. ومن جانبه أشار العميد محمود قطري، الخبير الأمني إلى أن الكثير من تصرفات الاخوان احترازية لدرجه تستفز الاخرين بشدة وتدعوهم باستمرار أنهم خونة أو متواطئين، كما أن عدم المرونة فى اتخاذ القرارات والتي نبعت أيضا من الفكر الأمني المتأصل جعلت الكثير من التصرفات الميدانية لافراد الجماعة تستفز الاخرين بلا أدنى داعي. كما تابعت منصة الاخوان فى ذكرى الثورى الاولى والتي حملت لافته تحمل كلمة العيد الاول للثورة، فتلك الجملة وان لم تضيف الكثير فانها قد استفزت الاخرين باكثر مما افادت الهدف الذي وضعت من أجله والذي هو احترازى ايضا من الدرجه الاولى من أجل اضفاء روح الاحتفال على روح الصدام حتى يتجنبوا أحداثا مثل التي حدثت في شارع محمد محمود. كما ان وقوفهم اما البرلمان لحمايته وان كان الهدف نبيلا الا ان آليات التنفيذ كادت ان نحدث صدعا كبيرا بينهم وبين القوى الاخري، فإذا كانوا تكتلوا أمام البرلمان فقط لمواجهة الشرطه لتجنبوا الصدام وفى نفس الوقت حموا البرلمان، الا أن الاحتراز الزائد جعلهم يغلقون كل المنافذ المؤدية للبرلمان. الطرف الثالث في المعادلة وحرب تكسير العظام بين الإخوان والعسكري هم ائتلافات شباب الثورة وهم أكثر الاطراف التي ظلمت كما يقول باسم طارق، عضو حركة شباب 6 أبريل الذي أكد أنه بعد ان ترك الثوار الميدان بعد التنحي تم نصب المكائد لهم بحنكة من أجل وضعهم في خانه غير المسؤولين أو القادرين على تحمل المسؤولية. واضاف "باسم" أن المكائد تدرجت لاحقا حتى صاروا يتهمون بالعمالة والتمويل، فتحول الثوار فى مرحلة من المراحل إلى أعداء الشعب بفضل مكائد العسكري وانفصال الاخوان عنهم أو انفصالهم هم عن الاخوان وتعددت الاهداف السياسية وحالات الاستقطاب والتي تاهت فيها أهداف الثورة النبيلة. وعلى صعيد آخر فإن العديد من التيارات السياسية ترى أن الثورة تأمر ولا تتفاوض وأنها لا تتنازل وأن الثورة ليس بها موازنات أو تفاهمات، فكر مناهض للفكر الاخواني تماما والذى يتبع منهج السياسة والاصلاح من بداية الثورة. هؤلاء يرون أن الحشد ضد المجلس العسكري هو الضامن الوحيد لتحقيق أهداف الثورة ويتقبلون تماما فكرة الاضرار الجانبية التي قد تحدث من جراء ذلك وإن زادت التكلفة مستشهدين بالكثير من الثورات الناجحة والتي لم تنجح سوى بإستمرارها حتى الحصول على كل أهدافها. يتمتع شباب الثورة برفاهية تفتقر اليها الاطراف الاخرى كما يقول الدكتور سعد الدين ابراهيم، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية ومدير مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية وهي عدم وجود الطموحات السياسية، فأغلب ائتلافات الثورة هي جماعات حشد وضعت لا تمثل فى حد ذاتها حزب سياسي ويعطيها ذلك قدر لا بأس به من المرونة فى اتخاذ القرار ووضع أهداف الثورة العليا فى الاولوية الاولى والاخيرة، على عكس الاخوان الذين يوازنون بين شعبيتهم وقدرتهم على الحكم وبين آليات تحقيق أهداف الثورة، ائتلافات الثورة ترى أنها يجب أن تسعى إلى هدم كل أركان النظام البائد بسرعه وبلا تدريج ولو أدى ذلك إلى انهيار مؤسسات الدولة واعاده بنائها من جديد، حيث يرون أن هذه هى أسلم طريقة لعدم حدوث انتكاسات نتيجه لتآمر فلول النظام السابق وعدم استدراجهم الى أى فخاخ من أجل القضاء على الثورة. وفي ذات السياق أشار تامر القاضي، الأمين العام لإئتلاف شباب الثورة إلى أن الثوار لا يؤمنون بالإصلاح التدريجى بل يؤمنون بالتغيير السريع والذى لا يحوى أي تنازلات أو تفاهمات وذلك هو مفهوم الثورة الاصيل فى التاريخ الحديث والقديم. وأوضح "القاضي" أن المشكلة التي وقع فيها شباب الثورة هي عدم تلاحمهم مع جموع الشعب أثناء مراحل الثورة المتوسطة والتى جعلت العسكري يأخذ منهم طرفاً غير فاعل في المعادلة، لكن يمكن تفعيله في الازمات، الا انهم بداوا يتداركوا الخطأ مؤخرا من خلال حملات توعية ضد الفلول وضد انتهاكات العسكري. ائتلافات شباب الثورة ترى أن الاخوان المسلمين فضلوا مصلحتهم الخاصة على أهداف الثورة والكثير منهم يؤمن أنهم بينهم وبين العسكري العديد من الصفقات. الطرف الاخير وهو الاضعف فى المعادلة هى الاحزاب الليبرالية واليسارية والتى تحاول أن تحقق مكاسبا إما من خلال انحيازها للاخوان والحصول على دعمهم وتعاطف الشعب وإما بالانحياز للثوار والحصول على مكاسب سياسسية من خلال تمثيل الثوار فى البرلمان. وعنصر القوة الوحيد لدى هؤلاء هو الاعلام الخاص والذي يلعب دورا لا باس به في الكثير من المناسبات والأوقات. ويبقي السؤال الأهم عن سيناريوهات الخروج من الازمة الحالية بين العسكري والإخوان والليبراليين والثوار؟ ويرد الدكتور مصطفى كامل السيد، استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية أن لكل طرف من اطراف المعادلة عنصر قوة وعنصر ضعف وإذا افترضنا حسن الظن عند الجميع فإن سياسة الاخوان تحتاج الى التوحد مع الثوار احترازا لاى انقلابات سياسية من العسكري، موضحا أنه لم ير حتى الان مكسبا واضحا من انفصال الاخوان عن الثوار بل العكس. كما يصف وجهة نظر الثوار فى التغيير السريع بأنها باتت ضعيفة بعد ان خرجوا من الميدان وسلموا رقابهم للعسكري الذي يمتلك الكثير من خيوط اللعبة في يده والتى تجعل التغيير المباشر بلا حسابات أو توازنات دربا من الخيال. ومن ثم فإن سياسة الاخوان مع ثورية الشارع هى الضامن الوحيد الان للتحول الديموقراطي في مصر، على حد قوله. ففي لحظة يمكن للعسكري أن يفتك بالبرلمان وفي لحظه يمكن أن يفتك بالثوار، لكنه من المستحيل أن يفتك بكليهما إن توحدا معا.