مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك الذي جاء ليطل علينا بنفحاته الروحانية العطرة الذكية للعام الثاني على التوالي بعد رحيل النظام المستبد الغاشم؛ بدء الكل الإستعداد لهذا الشهر الكريم على جميع المستويات سواء من جانب المسؤولين في الدولة، أو على المستوى الشعبي. فقد شهدت جميع محافظات الجمهورية حالة من التآهب والاستعداد في كل الاجهزة التنفيذية والخدمية لاستقبال الشهر الكريم ، بالإضافة لتشكيل لجان للتأكد من توافر السلع التموينية والاستهلاكية خلال شهر رمضان وتشديد الرقابة التموينية والصحية على الاسواق. أما على المستوى الشعبي وخاصة قاطني المناطق العشوائية التي تعاني من تدني الخدمات والمرافق وسوء المعيشة، فقد حاولت "الوادي" أن ترصد واقع معيشة أهالي تلك المناطق خلال شهر رمضان من خلال محاورة مجموعة من أهالي شارع البترول بمنطقة مسطرد . في البداية قال محمد الجزار البالغ من العمر 26 سنة ويعمل بمهنة الجزارة منذ 7 سنوات وهو شخصية محبوبة من ساكني منطقته لتهاون أسعاره، بأن شهر رمضان الكريم هو شهر الخير وله استعدادات ذات طابع خاص، فالرزق كثير ففى الايام العادية يقوم بذبح ماشية واحدة ويبيعها على يومين أو ثلاثة ولكن الامر يختلف فى رمضان حيث يذبح يومياً ماشية ويتم بيعها كله خلال اليوم ، ففى هذا الشهر نسبة الاستهلاك أكبر وخاصة في الأسبوع الأول من شهر رمضان وأيضا فى الأسبوع الاخير من الشهر. ومن أكثر الانواع التي يزداد الطلب عليها هى اللحمة المفرومة والبتلو والبوفتيك. أما عن نظام يومه فى رمضان قال محمد الجزار أنه يبدء فتح المحل الساعة التاسعة صباحاً حتى العاشرة مساء، وبالتالى يفطر فى المحل فيقوم بالأفطار مع أصدقائه أصحاب المحلات التي بجواره، ويضيف محمد أن كل صاحب محل يختار يومأ في الشهر لتجهيز مائدة الرحمن لإطعام المارة والمساكين ويشرف على ذلك أمام الجامع، كما أن أطفال وشباب المنطقة في كل الجوامع الموجودة يقوموا بمساعدة شيوخ الجوامع في تحضير التمر واشياء بسيطة لإفطار من يتواجد في المسجد أثناء موعد الفطار. وبسؤاله عن استعداده على المستوى الاسري قال أنه أشترى البلح وبعض المكسرات مثل الفول السوداني والزبيب وجوز الهند وأن الاسعار أرخص من العام الماضي وفي متناول الجميع وأيضا وفر في منزله المواد التموينية لشهر رمضان مثل الفول والعدس والمكرونه والارز والزيت والسمنة. أما "أم أحمد" صاحبة محل الالبان البالغة من العمر 37 سنة ولديها ثلاثة أطفال لها استعداد خاص لإستقبال شهر رمضان فأول شىء يكون من أولوياتها هو شراء الطماطم وتخزينها لغلو سعرها بالأخص فى شهر رمضان ،أما عن البلح والياميش وقمر الدين والمشمشية فهى تشتريها قبل قدوم رمضان بثلاثة أيام وبكميات قليلة بسبب الظروف المعيشية الصعبة وغلو الأسعار ولكنها تتمسك بشرائها لكونها من طقوس وعادات هذا الشهر الكريم . وتشير إلى إنها اعتادت شراء البلح وبعض المكسرات حتى تشعر بأجواء رمضا ن ولإدخال الفرحة والبهجة على أولادها. ومن مظاهر استعدادات " أم أحمد " حتى تقتصد في المصاريف خلال شهر رمضان هو شراء المشمش لتصنع منه قمر الدين والمشمشية نظراً لغلو أسعارهم، بالإضافة أن لفة قمر الدين لا تكفى وفى أحيان كثيرة تكون مغشوشة وعلينا أن ندبر أحولنا ولا نحرم أولادنا. ومن ضمن الاستعدادات تموين المنزل من شاي وسمن وزيت ومكرونة وأرز، حيث قالت أم أحمد أن لها تموين على البطاقة التموينية ولكن نسبة السكر لا تكفي في ذلك الشهر لما نقوم فيه من إعداد الحلويات مثل الكنافة والقطايف وغيرها. مما يضطرها لشراء كميات أخرى لسد احتياجاتها حيث أنها تستهلك كليو سكر في اليوم الواحد. بالإضافة إلى شراء بعض الأكواب الملونة للشعور بقدوم رمضان . وترى أم أحمد أن كافة أنواع الخضار وبالأخص مكونات طبق السلطة تكون مرتفعة الثمن للغاية عن الايام العادية وايضا الكنافة والقطايف حيث يتراوح ثمن الكيلو مابين 5و6جنيهات، وتتمنى أن تنخفض الاسعار عن رمضان الماضي. وعن أول يوم رمضان فأم أحمد تقضيه فى بيت الأخ الأكبر"الحاج هاني" فحيث يجتمع أفراد الاسرة للإفطار سوياً ويكون الضيف الاساسي على المائدة هو البلح بالاضافة إلى اللحوم فهى تنتظر هذا اليوم من كل عام .أما باقى أيام الشهر فتتناول الفطار أما في المحل أو فى البيت. حسام مغاوري بائع الالبان فهو شاب عنده 18 سنة يقوم بتوزيع اللبن على المحلات فقال بالنسبة لشهر الصوم فيختلف نظام يومه ففى الايام العادية يقوم بتوزيع اللبن طوال اليو م ولكن الامر يختلف فى أيام رمضان حيث يتم تجميع اللبن من الأرياف وخاصة محافظة المنوفية ثم يتم نقله في مبرد ثم نبدأ في توزيع قبل الظهر ونستمر في العمل إلى أذان العصر ثم نتوقف عن العمل حتى نعود إلى العمل مرة أخرى بعد العشاء حتى الواحدة صباحاً. أما الفران عاطف علي صاحب فرن صغير ويعول ثلاثة أطفال وابنه البالغ من العمر 10 سنوات يساعده اثناء الاجازة لسوء الأحوال الاقتصادية بدلاً من تشغيل صبي معه لتوفير نفقات الفرن . وعن الاستعدادات التي يقوم بها لاستقبال شهر رمضان المبارك فقال أن هناك أنواع من المخبوزات تظهر فى شهر رمضان لتحل محل أنواع أخرى ومن أشهر تلك الانواع العيش الشامي أو الابيض فيزداد الطلب عليها أكثر من أي وقت، أما عن الحلويات لا يوجد عليها طلب، لكون معظم الاسر تقوم بإعداد الحلويات بنفسها في المنزل؛ وبالتالى مايتم إستهلاكه في عمل بعض الحلويات يدخل فى صناعة الخبز ، مشيراً إلى انه يستهلك جوال من الدقيق خلال اليوم . أما على المستوى العائلي فلم يشترى حتى الان البلح والياميش لأرتفاع سعرها هذا العام ولكنه سوف يضطر لشراء البلح وبكمية قليلة لرخصه إلى حد ما عن باقى الانواع . ويتمنى عاطف أن يكون شهر رمضان هذا العام أفضل من العام الماضي وأن يشعر الناس بالراحة والسعادة؛ كما يأمل أن يستطيع الرئيس محمد مرسي إبعاد الفاسدين المنتشرين في أجهزة الدولة وخاصة الموجودين في جهاز التموين والصحة، ففى منطقته وعلى وجه الخصوص المناطق العشوائية يتم إستغلال وابتزاز المواطنين من قبل المحليات ومسؤولي التموين. واضاف عاطف بأن أنابيب الغاز يتحكم فيها شخصين فقط بمنطقته يحصلون عليها من مستودع مسطرد على كمية كبيرة من الانابيب ويتحكمون في السعر؛ مشيراً إلى انه يستهلك حوالى 45 أنبوبة خلال الشهر الواحد ويتراوح سعر الواحدة مابين 30 إلى 35 جنية وأيام الازمة وصل سعرها إلى 50 جنيه فى حين أن سعرها الاصلى فى المخزن 9 جنيهات فقط . وفي جولتنا ألتقينا "محمد" ابن صاحب مطعم فول والذي قال أن ذلك الشهر له استعدادات خاصة متمثلة في شراء كميات أكبر من الفول لسد الاحتياجات رغم أن سعر كيلو الفول يصل إلى 7 جنية خلال شهر رمضان، ولكنه لا يستطيع أن يرفع الأسعار وخاصة خلال هذا الشهر الكريم. وعن مظاهر الاستعداد أضاف محمد نقوم بعمل مائدة إفطار يومياً يوجد عليها جميع أنواع الاطعمة الشعبية، واشار إلى تزايد نسبة الشراء في وقت السحور. أما الحاج علاء متولي صاحب محل بيع دجاج البالغ من العمر 57 عام وعنده ولد وبنت فقد مارس المهنة بعد أن ترك العمل في القطاع الخاص فهو يعمل بتلك المهنة منذ17 عام ، وعن الاستعدادات قال يحاول شراء كمية مناسبة من الدجاج لان الطلب يزيد خلال الأسبوع الأول، حيث يقوم بشراء طردين من الدجاج أحدهم بلدي والاخر أبيض ويحتوي الطرد الواحد على 20 دجاجة، ويكون الإقبال أكثر على الدجاج الابيض لرخص ثمنها حيث يبلغ سعر الكيلو 13جنيه في حين أن كيلو البلدي 17 جنية . أما عن الاستعداد الشخصي فقال" الحاج علاء " في البداية عليه التزمات فابنته متزوجة وعلية إرسال الموسم " والمقصود بها السلع التموينية والياميش" لها وقبل كل شيء شراء الفانوس لحفيدته، ومن أكثر الآكلات التي يحبها خلال شهر رمضان القطايف والكنافة. ويتمنى"الحاج علاء" أن تنخفض الأسعار عن العام الماضي حتى يشتري الناس الفقيرة احتياجاتهم الرمضانية. ولم تختلف استعدادات سيد صاحب محل الدجاج البالغ من العمر 24سنة المتزوج لاستقبال شهر رمضان عن استعدادات الحاج علاء كثيراً، فهو يقول إن البانية يكثر عليه الطلب وترتفع أسعاره في ذلك الشهر عموماً ،كما أرجع سيد غلو الأسعار الى أصحاب المزارع والتجار الكبار وليس أصحاب المحلات فهناك ثلاث أشخاص محتكرين هذه المهنة وهم الذين يحددوا سعر الدجاج. ذاكراً اسماءهم وهم رفعت الجمال وتونى فرحه وباسم كوهين. الاطفال عمرو ومحمود ومحمد وإسلام وأحمد كلهم أصدقاء وأولاد منطقة واحدة، أعمارهم متقاربة إلى حد كبير حيث تتراوح أعمارهم مابين 9و10و11سنة، يستعدون خلال شهر رمضان بطريقة خاصة جداً تختلف عن الجميع بكل المقاييس، فهم لهم خطة حيث يقوموا بجمع النقود التي قاموا بادخارها خلال العام لشراء الزينة من المكتبة، وشراء فانوس كبير لتزيين الشارع، وعندما تنفذ نقودهم ويرووا أن الشارع لم يتم تزينه بالكامل يقوموا بقص أوراق الكشاكيل القديمة على هيئة أشكال منها النجوم والهلال والفانوس وأشكال أخرى ويتم لصقها بالنشا وتعليقها بالخيوط في الشارع. شيخ العطارين عبده العطار يبلغ من العمر 50 عام ولديه خمسة من الأولاد وكلهم في مراحل تعليمية مختلفة فيستعد العطار لرمضان بشراء التوابل الناقصة من المحل في حين أن الناس في المناطق الشعبية يكون لديهم أولويات بمعنى لا يوجد إقبال كثير على البلح الناشف ولا يعرفون من التوابل إلا الملح والفلفل والكمون والشطة وفى الأعياد الحبهان وجوز الطيب. إما على المستوى الشخصي فيستعد في الجانب الروحاني أكثر من اللهو والسعي وراء الياميش ومثل تلك العادات. وبلهجة شديدة الحزن على أوضاع المواطنين في المنطقة رفض الشاب أحمد عصران الاجابة عن سؤاله حول استعدادات رمضان وقال لا أحب الاجابة على هذا السؤال فقبل أن تسألوا عن استعدادات الناس لاستقبال هذا الشهر المبارك، تسألوا أولا ماذا يريد قاطني تلك المناطق الفقيرة؛ هنا يوجد مواطنين يعيشون تحت خط الفقر، زوروا مساكنهم ستجدوانهم يعيشون في منازل يملؤها مياه الصرف الصحي "المجارى"، ومصابون بالعديد من الامراض الخطيرة، مؤكدا أن جميع حقوق أهالي المناطق العشوائية مهدرة ، ويأمل أن يحدث تغيير حقيقي في الفترة المقبلة بعد تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية ووعده بحل مشكلة العشوائيات .وفي النهاية تمنى عصران أن يدخل الله الفرح والبهجة على كل الناس في رمضان وعلى الاخص الاطفال وأن يكون المصريين يد واحدة في مواجهة الفساد والنهوض بالبلاد .