في سنة 1996 وقف محمود حميدة وهو يلعب دور الخليفة المنصور في فيلم المصير؛ ليلقي خطبة شعرت معها أنني قد ألقيت في زمن سقوط الاندلس، ببراعة شديدة تقمص حميدة روح الشخصية والحقبة الزمنية. وليس فقط في فيلم المصير، شاهد فيلم عفاريت الاسفلت، الذي قام فيه بدور سواق ميكروباص أو دوره في فيلم يوم حار جداً للمخرج محمد خان، أو دوره في فيلم الباشا للمخرج طارق العريان وهو المُمثل الوحيد الذي أستطاع إخراج أحمد زكي من الكادر في المشاهد التي جمعت بينهما في هذا الفيلم! اختلفت ادواره وتعددت، ثم سقط في فخ الكليشيه في فيلم "دانتيلا"، وليس مجالي هنا أن أتكلم عن رداءة الفيلم أو محاولات المخرجة المستميتة؛ لإظهار الفيلم بشكل نسوي؛ فجأت شخصية الظابط "حسام" محور أحداث الفيلم شديدة الذكورية ولكن بشكل مسطح -من على الوش- خاصة مع هذا الچيل، الذي لزق به شعره طول الوقت، وكان من الممكن أن تتغلب موهبة حميدة علي هذا النقصان، ولكنه ظهر في الفيلم بصورة شديدة النمطية، مملة ومتوقعة وفجة! الإندهاش أحد أجمل عناصر أي عمل فني، وأدهشني فعلاً فشل حميدة الذريع في هذا الفيلم تحديداً، والمشكلة ليست فقط في ضعف مستوي الفيلم فقد قام حميدة قبل ذلك وبعد ذلك بدور الظابط بشكل رائع في أفلام شديدة الركاكة مثل فيلم " إمرأة آيلة للسقوط"، وفيلم "ليلة البيبي دول". أفتقد محمود حميدة -الذي تعودنا منه علي تكنيك تمثيلي عالي المستوي- "الروح": فقد حميدة في دور حسام جزءاً كبيراً من روحه كمتقمص بارع، وجدته اداءاً إستسهالياً، لم يبذل فيه مجهود كافي، فمشاهده مثلاً مع يسرا وإلهام شاهين مشاهد مبتذلة لا هي حسية ولا حتي جمالية، بل أقرب لأفلام المقاولات في الثمانينات من القرن العشرين، حتي لم يستغل فكرة " الحيرة" بين إمرأتين بل سُير تماما في طريق أحادي الأبعاد بلا طعم ولا لون ولارائحة، حتي مشهد سُكره في السيارة لم أشعر لوهلة انه فعلاً سكران. في الفيلم وجهان، وجهه كظابط ووجه كرجل يقع في الحب، فشل حميدة في الوجهين، حتي الكوميديا خرجت ثقيلة الظل ومتوقعة كأني شاهدت هذا الدور ألف مرة بنفس الطريقة والايماءات و الغمزات؛ على عكس خفة دمه في فيلم حرب الفراولة.. لم يقدم أي شئ جديد وأضيف علي هذا ان الاحساس الوحيد الذي وصلني من خلال الدور هو الEgo أو الإحساس المتعاظم بالذات: كأنه يقول "أنا ممثل كبير وأعمل دور زي دا بصباعي الصغير"، وأنا لن اقع في فخ التنميط، وأختم المقالة بالجملة الشهيرة "لكل جواد كبوة"، فهي جملة غير حقيقية، نرجع لتاريخ السينما لنجد أن مثلاً محمود المليجي لم يمثل دوراً بشكل سئ او بإهمال، وخد عندك من السينما الامريكية ميريل ستريب وچاك نيكلسون، لن تجد كبوة لهذه الجياد.