العقاد يصف حبه لمي: «الحب الذي جعلني انتظر الرسالة أو حديث التليفون كما ينتظر العاشق موعد اللقاء» مي في رسالة للعقاد: لا تحسب أنني اتهمك بالغيرة من جبران فإنه لم يرني ولعلّه لن يراني ولكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال أحمد لطفي السيد لمي: لست في حاجة إلى ندائك من بعيد أو قريب.. فأنت من نفسي أقرب من أن تناديك السيد: سيدتي.. مضى أسبوع كامل من يوم كنت عندكم أستأذن في السفر للإسكندرية وما كان من عادتي أن أغيب عنك أكثر من أسبوع في سن ال25، كتبت الشاعرة الراحلة مي زيادة ديوانها الأول وبكورة أعمالها "أزاهير حلم سنة1911 وبسبب هذا الديوان بدأت قصة حب عنيفة مع جبران خليل جبران, وان لم تقابله ولا مرة واحدة، واستمرت رسائل الحب بينهما ل20 عاما، ولم تتوقف قصص الحب الأدبية على جبران، فقد أصبحت مي أيقونة شغف الشعراء والأدباء، وصارت مصدر إلهام لكثير من الكتاب والمثقفين خاصة أن صالونها الأدبي، الذي بدأ عام 1913 يعد أبرز صالون أدبي في مصر في القرن العشرين، ومن خلال كتاباتها وصالونها دارت في فلكها الأحداث، فأحبها محمود عباس العقاد وأحمد لطفي السيد، وتبادلا معها رسائل الحب العذري معها. ورغم أن مي بقيت طوال عمرها دون زواج، لذلك كان يطلق عليها "الآنسة مي"، لكن حياتها كانت ممتلئة بالأشخاص المحبين لها خاص في طبقة المثقفين والأدباء، فبجانب قصة حب مي زيادة وجبران خليل جبران، كان هناك رسائل حب من العقاد ومن أحمد لطفي السيد ومن الشاعر مصطفي لطفي المنفلوطي. وتعرض «الوادي» أبرز هذه الرسائل التي أرسلت للآنسة مي زيادة ورد مي على بعض هذه الرسائل، بمناسبة ذكرى ميلاد مي زيادة. أحمد لطفي السيد ومي زيادة من الشخصيات البارزة التي كانت تحضر الصالون الثقافي لمي زيادة، معلم الأجيال أحمد لطفي السيد، والذي كان يحمل مشاعر حب واحترام لمي زيادة، واتضحت هذه المشاعر في رسائل التي كان يرسلها لمي، كان أحمد لطفي السيد حريص على زيارة مي كل أسبوع، وحضور صالونها الثقافي الذي يقام كل ثلاثاء. في يوليو 1913 سافر لطفي السيد إلى الإسكندرية، وما كاد يمضى أسبوع واحد على فراقه لها فى القاهرة حتى اشتاق إلى رؤيتها فبعث إليها بهذه الرسالة في 15 يوليو يقول فيها : "سيدتي، مضى أسبوع كامل من يوم كنت عندكم أستأذن في السفر إلى الإسكندرية، وما كان من عادتي أن أغيب عنك أكثر من أسبوع. إذا مضى كان يدفعنى الشوق إلى حديثك الحلو وأفكارك المتينة الممتعة، إلى زيارتك. فلا غرو أن أستعيض عن الزيارة غير المستطاعة بهذه الرسالة السهلة الكلفة، كتابى يلقى إليك فى صحة وسلامة وصبر على هذا الحر الذى ربما شبهه بعض أصحابنا الشعراء بشوق المحبين، يقص عليك أننى أذكرك دائماً كلما هبت نسمات البحر، وقابلت بينها وبين لوافح القاهرة، وكلما تجلى علينا البدر يضىء البر والبحر على السواء، ويملأ العيون قرة، والقلوب رضا، وكلما جلست على شط البحر أتعشى وسط أصحابى كما كانت حالى وقت أن رأيتك لأول مرة، وسمعنا حديثك وأعجبت بك، أذكرك كلما خطر ببالى النظر فى حال المرأة الشرقية ومستقبلها وعلى من نستطيع أن نعتمد فى المساعدة على انتقالها إلى الأفق الذى نرجوه. وكلما قرأت من الشعر ومن النثر أفكاراً تتناسب مع أفكارك أو تختلف عنها. وأشارت المجلة هنا إلى أن الآنسة مى كانت مرهفة الحس سريعة الغضب أو الدلال كما يقول الشعراء". بعد أن قضى أحمد لطفي السيد في الإسكندرية نحو شهرين سافر إلى بلدته "برقين" فبعثت إليه الآنسة مي بخطاب يتضمن عواطفها النبيلة، وسطرت فيه جانباً من أفكارها الأدبية والاجتماعية. فرد عليها بخطاب جاء فيه " لست فى حاجة إلى العنوان، لأني لا أريد أن يقرأ كتابي من عنوانه ولست في حاجة إلى ندائك من بعيد، أو قريب، فأنت من نفسي أقرب من أن تناديك. جاءني كتابك فشممته ملياً، وقرأته هنيئاً مريئاً. وإني ممتنع نهائياً عن أن أشرح لك العواطف التي تعاقبت على نفسي بتلاوة هذه الرسالة الفيحاء حقيقة بكل معنى الكلمة. وكل ما يأذن لي تهيبك أن أبوح به هو أنى من الصباح إلى هذا المساء وأنا وحدي، فلم أستطع أن أمسك القلم، لأجيب عليه بصراحتي العادية فما وجدت بداً من الركون، إلى أسلم الطرق، وهو أن أحفظ لنفسي وصف الاغتباط الذي نالني من هذا الكتاب، حتى لا يسقط قلمي في جناية لا أخلص من عقابك عليها... جاءني كتابك اليوم وأنا في الجنينة، جاءني ولا أكذبك أنى كنت في انتظاره فقرأته، ثم قرأته، وذكرت تلك الليلة التي لها فى حياتي تاريخ ومركز خاص، وذكرت إذ استمتعت برؤيتك وتهولنى قدرتك على هذا الشباب الغض، أعترف بأنك كنت فى ساعة من ساعات تجلياتك حين كتبت لى هذه الرسالة. إن فيها أفكاراً أو مرامى ذات وزن كبير وفيها مقاصد ومعان تكاد تطير من خفتها أو تذوب من رقتها". ورغم عمق هذه الرسائل ألا أن علاقة مي بأحمد لطفي السيد لم تخرج عن نطاق الاحترام والتقدير، خاصة أن مي كانت تكتب عن جبران وأدبه وإعجابه وحبها له في الجرائد المصرية، وهو ما قطع الطريق على كثير من محبي مي ومن بينهم أحمد لطفي السيد، بالإضافة إلى انشغال أحمد لطفي السيد في السنوات التالية بالأمور العامة وقضية التحرر الوطني والعمل السياسي. العقاد ومي زيادة الكاتب الكبير عباس محمود العقاد كان أحد الشخصيات البارزة في حياة مي وقد تحولت عاطفته نحو مي زيادة من الصداقة الأدبية والإعجاب المتبادل إلى الحب من جانب واحد على الأقل، كتاب "رسائل العقاد" الصادر عن الدار المصرية اللبنانية والذي قام بتحريره محمد محمود حمدان تناول علاقة مي زيادة بالعقاد ورصد بعض رسائل العقاد إلى مي. وقد وصف العقاد حبه لمي زيادة بأنه "الحب الذي جعله ينتظر الرسالة أو حديث التليفون كما ينتظر العاشق موعد اللقاء". رصد الكتاب أيضاً بعض رسائل مي التي أرسلتها للعقاد ومنها رسالة أرسلتها مي للعقاد في سنة 1925 كرد على رسالة قد أرسلها لها العقاد وبها قصيدة مهداه إليها وجاءت رسالة مي إلى العقاد كالتالي"إنني لا أستطيع أن أصف لك شعوري حين قرأت هذه القصيدة، وحسبي أن أقول لك: إن ما تشعر به نحوي هو نفس ما شعرتُ به نحوك منذ أول رسالة كتبتها إليك وأنت في بلدتك التاريخية أسوان. بل إنني خشيتُ أن أفاتحك بشعوري نحوك منذ زمن بعيد، منذ أول مرة رأيتك فيها بدار جريدة «المحروسة»، إن الحياء منعني، وقد ظننتُ أن اختلاطي بالزملاء يثير حمية الغضب عندك. والآن عرفتُ شعورك، وعرفتُ لماذا لا تميل إلى جبران خليل جبران". ثم قالت مي في نهاية الرسالة " لا تحسب أنني أتهمك بالغيرة من جبران، فإنه في نيويورك لم يرني، ولعلّه لن يراني، كما أني لم أره إلاَّ في تلك الصور التي تنشرها الصحف، ولكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال، وتشعر بالازدهاء حين تراهم يتنافسون عليها .. أليس كذلك ؟، معذرة فقد أردت أن أحتفي بهذه الغيرة، لا لأضايقك، ولكن لأزداد شعوراً بأن لي مكاناً في نفسك، أهني بها نفسي، وأمُتّع بها وجداني. فقد عشت في أبيات قصيدتك الجميلة، وفي كلماتها العذبة، وشعرت من معانيها الشائعة، وفي موسيقاها الروحية ما جعلني أراك معي في ألمانيا على بعد الشقة، وتنائي الديار .. سأعود قريباً إلى مصر، وستضمنا زيارات وجلسات أفضي فيها لك بما تدخره نفسي، ويضمه وجداني، فعندي أشياء كثيرة سأقولها لك في خلوة من خلوات مصر الجديدة، فإني أعرف أنك تفضّل السير في الصحراء، وأنا أجد فيك الإنسان الذي أراه أهلاً للثقة به، والاعتماد عليه". ردّ عليها العقاد برسالة على عجل في أول يوليو سنة 1925، يقول فيها:" وأنا مستعد لعقوبتها الرحيمة، ولكني لم أندم عليها. نعم ! لم أندم عليها أبداً، فإذا سمحت في أن أخطرَ ببالك هنيهة، وأنت هناك سارحة الطرف أمام آية من آيات العبقرية أو عند زاوية من زوايا الكلسيوم أو وسط حجرة من حجرات الكعبة المسيحية أو بين يدي منظر من مناظر الطبيعية الساحرة تحت ضوء القمر الحالم الفريد. إذا سمحت لطيفي أن يقف إلى جانبكِ هنيهة في بقعة من تلك البقاع، فذلك أسعد لي ألف مرة من أن أراها بعيني وألمسَها بيدي، وتلك عندي رحلة على أجنحة الملائكة إلى خيال روما القدسي من طريق عليين، فهل ستذكرينني؟؟ إنني آمل، وأتوسل، بل إنني واثق أنك ستذكرين! وأثق كل الثقة وسعيد كل السعادة بهذه الثقة الغالية. فلا تنسي يا آنسة، واعذري ولا تشتدي عليَّ ولك مني أعز وأصفى ما ترسله نفس إلى نفس من تحيات الشوق والرجاء والعطف والشكر والاحترام المخلص عباس محمود العقاد". رغم هذه المشاعر بين العقاد وبين مي لكن علاقتهم لم تكتمل حيث حدثت عدة أزمات كلك واحد منهم وبعد ذالك تعلق العقاد بسارة، واستمرت مي زيادة في حبها لجبران وأخلصها لهذا الحب. وفي السنوات الأخيرة من حياة العقاد كتب العقاد مقالا تحدث فيه عن مي زيادة وصالونها الثقافي وجاء فيه: "كم كان زوار تلك الندوة العالية؟ وكم كان كتّاب الرسائل منها ؟ إنني أعدّ ممن رأيتهم غير مرة نحو الثلاثين، وكل زائر من هذه النخبة كان حقا له أن يزور الندوة في موعدها في أصيل يوم الثلاثاء. وكان يرى من حقه أو واجبه، أن يعتذر لفوات موعده منها بعض الأيام. بل كان من حقه أن يكتب رسائل الاعتذار أو رسائل السؤال والتحية وإن لم يكن من مطمحه دائما أن يتلقى الجواب". ويضيف العقاد:" أكل هؤلاء عشاق؟ وعلى مَن مِن كل هؤلاء ينبغي لمي إذا أجابت، أن تجيب جواب المحبوبة التي تتقبل العشق ممن يدّعيه؟، هذا هو الخاطر العاجل الذي يسبق إلى الوهم كلما ذكرت تحيات الرسائل، أو القصائد أحيانا، من غير واحد في هذه الزمرة المختارة، وهذا هو الخاطر الذي تصححه لمحة سريعة أيضًا، إلى طبيعة الندوة وطبيعة التحية «العُرفية» التي تناسبها، بل تستوجبها بقانون الشعر والفن، إن لم نقل بقانون الجنتلمانية والفروسية؟، فتاة جميلة أديبة، يزورها أدباء وشعراء وكتاب قصة وأصحاب ذوق في جمال الكلمة وجمال الطلعة، إن فات ميّاً أن تتقبل هذه التحيات، أو وجب عليها - كما قد يخطر على بال الأقدمين - أن تصدّها بالعبوس والغضب، فليست هذه زيارة «ندوة» إذن.. ولكنها زيارة واحدة قد تنتهي كما تبتدئ عند باب الدار، وهذا هو تأويل الرسائل على أسلوب الفن العاطفي، أو العاطفة الفنية، بين صاحبة الندوة وأكثر من زائر من نخبة هؤلاء الزوار، وقد كنت - كلما ازددت معرفة بميّ وبحياتها في ندوتها وفي بيتها- أشعر بحنان هؤلاء الأفاضل الأبويين نحوها، فإنهم، ولا ريب، كانوا يقصدون التسرية عنها، ويدركون عن بواكير صباها أن فرط التزمت في طويّتها يجاوز حدّه المأمون، وأنها توشك ان تعاني كثيرا من عادة العزلة النفسية التي جنت عليها في أخريات أيامها، وأنها تغالب شجنا كمينا لانطوائها الشديد على ذاتها، يُخيَّل إلي أنه مزيج من الصدمة العاطفية وشعور التبتل العميق في سليقتها الدينية". صالون مي زيادة الأدبي يعد الصالون الأدبي لمي زيادة الذي أفتتحته في عام 1913 هو أهم صالون أدبي في مصر في القرن العشرين وكان يضم هذا الصالون الذي يقام كل ثلاثاء أبرز الشخصيات من أعلام الدين وأقطاب السياسة ورواد النثر وفرسان الشعر ومنهم الأمام محمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، وأحمد لطفي السيد، وقاسم أمين، وطه حسين، ومصطفى صادق الرافعي ، وخليل مطران وإسماعيل صبري وعباس محمود العقاد وغيرهم. وقد تعلق الكثير من هؤلاء الادباء والشعراء بمي زيادة وكتب بعضهم أشعار في مي زيادة ومن هذا الأشعار ما كتبه الأديب مصطفى صادق الرافعي بقوله : يا نسمة في ضفاف النيل سارية / مسرى التحية من ناء إلى ناء / يا ليت رياك مست قلب هاجرتي / فتشعرية بمعنى رقة الماء. وكتب أيضاً عن مي وصالونها الثقافي الشاعر إسماعيل صبري هذه الأبيات: "روحي على بعض دور الحي حائمة / كظامئ الطير تواقا إلى الماء/ إن لم أمتع بمي ناظري غدا / لاكان صبحك يا يوم الثلاثاء!. والشاعر خليل مطران كتب لمي زيادة قائلاً هذه الأبيات : يا مي هذي ساعة الميعاد / فسلي فؤادك عن خفوق فؤادي. يذكر أن مي زيادة رحلت عن عالمنا عام 1941 بعد أن تركت أثر وأرث كبير في الحياة الثقافية والأدبية ومن أعمالها " باحثة البادية " و" بين المد والجزر" و"سوانح فتاة " و" كلمات وإشارات " و"ظلمات وأشعة " و"ابتسامات ودموع " ولها ديوان شعر بالفرنسية بعنوان "أزاهير حلم" . وقال عنها الشيح مصطفى عبد الرازق " أديبة جيل ، كتبت في الجرائد والمجلات ، وألفت الكتب والرسائل ، و ألقت الخطب و المحاضرات ، وجاش صدرها بالشعر أحيانا ، وكانت نصيرة ممتازة للأدب تعقد للأدباء في دارها مجلسا أسبوعيا ، لا لغو فيه ولا تأثيم ولكن حديث مفيد وسمر حلو وحوار تتبادل فيه الآراء في غير جدل ولا مراء " . و قالت السيدة هدى شعراوي في تأبينها " كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية المثقفة " .