أمين مساعد «مستقبل وطن»: الحزب يستعد لانتخابات مجلس النواب بجولات تنظيمية    في يوم العمل الإنساني.. دعم إماراتي متواصل لإغاثة المحتاجين حول العالم    حسام المندوه: عقدنا جلسة مع وزير الإسكان وجاري حل أزمة أرض أكتوبر    مساعد وزير الداخلية الأسبق: 50 جنيهًا غرامة عبور المشاة عشوائيًا.. والمطلوب هو التطبيق الفعلي    «الأهم تدعوا لها».. محمود سعد يرد على شائعات تدهور حالة أنغام الصحية    رجال الإطفاء بين الشجاعة والمخاطر: دراسة تكشف ارتفاع إصابتهم بأنواع محددة من السرطان    كرم جبر يكتب: مصر والعرب.. الحكمة في زمن الارتباك!    الرقابة على الصادرات: 24.5 مليار دولار قيمة صادرات مصر في النصف الأول من 2025    جهاز حماية المستهلك يكشف شروط الاسترجاع واستبدال السلع بالأوكازيون الصيفي    اندلاع حريق في عقار سكني بالكرنك بالأقصر والدفع ب4 سيارات إطفاء (صور)    «الإسكان» توضح أسباب سحب الأرض المخصصة لنادي الزمالك    4 أبراج لا تستطيع بدء يومها بدون قهوة.. القوة المحركة لهم    القومي للمرأة يشارك في قمة الإبداع الإعلامي للشباب العربي    تحتوي على مواد مسرطنة، خبيرة تغذية تكشف أضرار النودلز (فيديو)    وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ بتابع سير العمل في مستشفى الحميات    114 ألف دولار نفقة شهرية.. تعرف على شروط انفصال كريستيانو وجورجينا    فرقة لاثونا جايتيرا الكولومبية تقدم حفلا فى مهرجان القلعة (صور)    رئيس الرقابة على الصادرات: معمل اختبار الطفايات المصري الثالث عالميا بقدرات فريدة    "تعليم الشرابية" توجه بسرعة رفع المخلفات وتكثيف أعمال التشجير بالمدارس    حزن في كفر الشيخ بعد وفاة والد كابتن محمد الشناوي إثر حادث سير    مبابي وفينيسيوس يقودان هجوم الريال ضد أوساسونا في الدوري الاسباني    إعلان القائمة القصيرة لجوائز الصحافة المصرية (دورة محمود عوض 2025) وترشيحان ل«الشروق».. تفاصيل    تعدّى على أبيه دفاعاً عن أمه.. والأم تسأل عن الحكم وأمين الفتوى يرد    هل الكلام أثناء الوضوء يبطله؟.. أمين الفتوى يجيب    شروط تركيب عدادات المياه الجديدة 2025.. قرار وزارة التموين والتفاصيل الكاملة    تقرير: باير ليفركوزن يقترب من استعارة لاعب مانشستر سيتي    طاهر النونو: مقترح بتشكيل لجنة مستقلة لإدارة غزة فور وقف إطلاق النار لتسهيل إعادة الإعمار    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    بصحبة زوجة كريم محمود عبدالعزيز.. ريهام أيمن تنشر صور جديدة لها    نابولي يعلن ضم مدافع جيرونا    "ابني كريم رد عليا".. صرخة أم في سوهاج بعد أن ابتلع النيل طفلها (القصة الكاملة)    بنك القاهرة يطلق حملة ترويجية وجوائز لحاملي البطاقات الائتمانية    أمين الفتوى ل الستات مايعرفوش يكدبوا: لا توجد صداقة بين الرجل والمرأة.. فيديو    من تيمور تيمور إلى نيازي مصطفى.. حوادث مأساوية أنهت حياة نجوم الفن    تقارير: 200 طفل يصابون يوميا بسوء تغذية حاد    لليوم الرابع.. "مستقبل وطن" يواصل اجتماعات لجنة ترشيحات النواب استعدادًا لانتخابات 2025    جهاز الاتصالات: إيقاف الهواتف التي تجري المكالمات التسويقية الإزعاجية بداية من الأسبوع المقبل    محامي بدرية طلبة يوضح حقيقة إحالتها للمحاكمة ب«إساءة استخدام السوشيال ميديا» (خاص)    4374 فُرصة عمل جديدة في 12 محافظة بحد أدنى 7 آلاف جنيه    وكيل تعليم بالأقصر يتفقد التدريب العملي لطلاب الثانوية الفندقية على أساسيات المطبخ الإيطالي    نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد الأقصى    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    صور.. النقل تحذر من هذه السلوكيات في المترو والقطار الخفيف LRT    بالصور- وزير العدل يفتتح مبنى محكمة الأسرة بكفر الدوار    بالصور- افتتاح مقر التأمين الصحي بواحة بلاط في الوادي الجديد    بالصور العرض الخاص لدرويش في الرياض بحضور عمرو يوسف والفيلم تجاوز 10 ملايين جنيه في أربعة أيام عرض بمصر    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    محرز يقود تشكيل الأهلي المتوقع أمام القادسية في السوبر السعودي    لافروف: أجواء محادثات بوتين وترامب فى ألاسكا كانت جيدة للغاية    الأرصاد: اضطراب الملاحة على البحر الأحمر وخليج السويس والموج يرتفع ل3.5 متر    ضبط 433 قضية مخدرات فى حملات أمنية خلال 24 ساعة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني: الاقتصاد المصري يحتل أهمية خاصة للاستثمارات    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    عماد النحاس يكشف موقف الشناوي من مشاركة شوبير أساسيا    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    «ثغرة» بيراميدز تغازل المصري البورسعيدي.. كيف يستغلها الكوكي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسراء إمام تكتب عن أفلام «شابلن»: سينما يتغنى بها القلب
نشر في الوادي يوم 07 - 01 - 2014

ثمّة من بصدد صناعة فيلم الآن، إنه المنتج "ماك سينيت"، يفكر جيدا ومن ثم يطلب من ذاك الفتى الذى يقف قبالته بالصدفة أن يتقدم لعمل مشهد ما، يقول فى لا مبالاة "ضع بعض الميكياج وقم ببعض الحركات"، "نحن لا نضع قصة وانما نرتجل موقف ما ليتحول إلى حدث ينتهى بالمطاردة"، يطأ الفتى بقدمه غرفة المكياج، يلطخ وجهه بالمساحيق كيفما اتفق له، ويتعمد عدد من التناقضات فى ملابسه، سروال واسع وجاكيت ضيق محكم، إنه الصعلوك، تلك الشخصية التى وصفها قائلا"إنه رجل ذو جوانب متعددة،فهو أفاق، مهذب، شاعر، وحالم، وحيد فى الحياة ولكنه يأمل فى الحب ويغامر، يستطيع أن يوهمك بأنه عالم أو موسيقى أو لاعب بولو، ومع ذلك، فهو لا يتعفف عن التقاط أعقاب السجائر، أو خطف الحلوى من الأطفال". الصعلوك الذى انتقل به من أسفل الحضيض إلى قامة القمة. وعلى مبعدة وقفت هوليود موقف المتفرج الذى يتابع بشغف الغريب البريطانى وهو يتناوب جهدا على الفرصة التى وهبتها له بينما هو بات يمنحها سينما لم تكن تعهد مثلها من قبل. سينما يسرى في أوصالها دم المسرح، خطواتها تحاذت مع بصمات نجم له نفس ميعاد ميلادها. حملت ملامحه وعبرت عنه فهو شخص مرهف الحس موهوب إلى حد التطرف فى فنون تُشبه حالمية نفسه العذبة الإنسانية من الطراز الأول، والجامحة على المستوى الثانى، فتراه راقصا مبهرا تتناغم حركاته مع وقع روحه التى انطلقت من نقطة غير آبهة فى عقله بما يمكن أن يخسره فى حياته المعدمة، وإنما للاوجود فى بعض الأحيان دفعة قيّمة وفريدة جدا كانت هى سر الطاقة الإنسيابية التى حظى بها جسده وجعلته فى خُف الريشة يتحرك ليسعد الكثيرين ..رقصا وأداءا وغناء فى بعض الأحيان .
عن شابلن تحدثنا مُجملا أما عن سينماه فسنتناولها تفصيلا إلى حد ما
المحطة الأولى
مرحلة هامة مر بها شابلن فى أفلامه القصيرة الأولى، فمن بعد فيلم "Caught in the Rain " والذى كان بداية عمله فى إخراج وتأليف أفلامه بنفسه، مضى شابلن فى عالمه الفضفاض مغذيا إياه من خياله ومن تلك القوة التى يمتلكها ذهنه على كلا من المستويين، الفكرى والتحريضى، فهو على مستوى الفكر حاد الذكاء، سريع البديهة، ونَمِر بدرجة تكفى لقنص الأفكار والتفاصيل.
كانت الأفلام الأولى بسيطة، قائمة فى الأغلب على الأداء الجسدى الكوميدى المُبالغ فيه، والذى فى معظمه عدوانى، سواء فيما يقوم به الممثل تجاه نفسه من ترنحات وارتطامات بالأرض وسقوط من فوق سلالم كثيرة، أو ما يقوم به آخر تجاهه من لطمات وركلات وغيرها، والحقيقة أنه قد أوضح شابلن تلك المسألة فى مذكراته حيث أفاد بأن كل حركة كوميدية مثل التى تم ذكرها يُكن مخططا لها بدرجة محسوبة وآمنة.
كما أن المفارقة الكوميدية كان لها مكانا قيّما فى أساساتها، ثم أخذت تتطور شيئا فشئيا لتأخذ محنى دراميا ولو بسيطا قصصى أكثر منه حدثى لحظى، إلى أن حلت محطة أخرى فى سينما شابلن وهى الأفلام الطويلة نسبيا عن التى سبقتها ومنها the dog's life و shoulder arms، ويمكن الحديث عن تلك الأفلام فى فئة واحدة مع أفلامه الطويلة لأنها قامت على نفس السمات من حيث المبدأ .
الحبكة والسيناريو
مع حلول بعض التغييرات الطارئة على سينما شابلن، ظهرت القصة كعنصر أساسى فى أفلامه، على الرغم من أن المشهد ظل هو الوحدة الأكثر عناية وكأنه فيلما بحد ذاته، وتعد هذه الميزة ملحوظة بشدة فى سينما شابلن لوقت طويل حتى فيلم Monsieur Verdoux عام 1947، ولكنها فى الوقت نفسه مثلت عيبا كبيرا شتت بعض من أفلام شابلن ضعيفة الحبكة وجعلتها معتمدة فى متعتها على هذا التكنيك الذى يملأ الوقت ويستلب الضحكة حتى ولو لم يكن موظفا داخل إطار الفيلم، ولكنه لا يعبر إلا عن فراغات ما بين تطور القصة الشامل، ظهر ذلك فى أفلام مثل the dog's life 1918، the idle class 1921 و the gold rush. بينما على الصعيد الآخر تم توظيفها بحنكة أضافت الكثير إلى روح ومضمون أفلام مثل shoulder arms 1918، the kid 1921، the pilgrim 1923، the circus 1928 ، the city lights 1931، modern times 1936، the great dictator 1940.
لا تخلو أفلام شابلن جميعها من علاقة رومانسية ملحوظة، فهو بطبيعته يميل لضرورة وجودها حتى ولو كانت على الهامش فلم تخلو أفلامه من مثل هذه العلاقة إلا فى the kid و monsieur verdoux لطبيعتهما الخاصة جدا، فهو فى الأول صعلوك قليل الحيلة يتورط فى رعاية طفل صغير، وفى الثانى رجل ذو شخصية معقدة جدا يبحث عن ضحاياه من بين النساء الثريات ومن ثم يقتلهن ويستولى على ثروتهن. وفى أفلام مثل city lights the، limelight 1952 كانت تلك العلاقة هى أساس حبكة الفيلم، وقد اعتنى بها جيدا وقدمها فى أبهى حلاتها فى المرتين، وإن كانت متوقعة نوعا ما فى الفيلم الأول ما بين الصعلوك والفتاة الكفيفة التى تبيع الورد، فإن صغائر تلك الصيغة كانت سر جمالها، الكيفية التى عبر بها عن إحساس الصعلوك تجاه الفتاة.. متى تنامى ؟ وإلى ما إنتهى ؟؟، ولعل مشهد النهاية فى هذا الفيلم هو الرمق الأخير الذى يشير إلى عدد من المشاعر المختزنة بغير تصريح فى قلبه طوال الفيلم، فهو مشهد يعيد التعريف بأساسات تلك العلاقة فى صمت ورقة ورهافة حس غير ممكنة، اجتمع فيها الطابع الإنسانى الحالم الذى يتميز به شابلن فى أفلامه جميعا ليتكثف هنا مع أدائه الذى لم يعطى قدرا من نفسه يوما قدر ما فعل فيه، إنه المشهد الأجمل الذى قد تراه يوما فى أفلام شابلن. أما علاقة الفيلم الثانى فهى علاقة فريدة من نوعها بين فتاة شابة ومُسّن، حاكها شابلن بمنتهى الذكاء فربط بينها وبين طبيعة عمل كل منهما، فهى بالرينا وهو مُهرج وكلا منهما تقابله مشاكله الخاص فى استعادة تألقه، وبالطبع لا يخفى على أحد أنه تأثر فى صياغة تلك الحكاية بعلاقته الحقيقية بزوجته "أونا شابلن".
وعندما انتوى الخوض فى العلاقات الإنسانية فعلها بكل إختلاف فى فيلمه المميز the kid، فإهتم ببناء خطة قوية لمتن علاقة الصعلوك بالرضيع الذى التقطه من الشارع وبات فجأة مسئولا عنه، نمنمات صغيرة خلق منها مشاهد غاية فى الإنسانية والكوميديا والواقعية وهى التركيبة التى لن تراها إلا مع شابلن، مثل اللقطات التى كان يبذل فيها الصعلوك مجهود كبير لكى يوفر للرضيع كل متطلباته من أثاث منزله الرث، وفيما بعد عندما بلغ الصبى أعوامه القليلة الأولى لخص شابلن مضمون علاقتهما صمتا فى مشاهد الإفطار التى تجمعهما، كيف يعتنى كل منهما بالآخر والطريقة التى يتناوبان عليها سويا لخدمة بعضما البعض فى شىء من الحب، قدر من الحميمية كان يغلف تلك المشاهد ليوجز لك مختصر سنوات كبر فيها الرضيع داخل حضن هذا الغريب النزيه الحانى. وبالرغم من أن شابلن لم يحسن الفعلة ذاتها عندما حاول أن يصيغ علاقة شبيهة للصعلوك مع أحد الكلاب الضالة فى فيلمه the dog's life إلا أن الفكرة ذاتها توضح مدى ميله لإستولاد مشاعر إنسانية على صعيد موازى. وعلى نفس المنوال وبشكل ثالث مختلف تعاطى مع ظروف المجتمع المحيط فى فيلم modern times فأبرز انعكاسات تفشى استخدام الآلة وامتهان التكنولوجيا على الإنسان عموما فى حالة ساخرة محبوكة داخل قالب رومانسى يثير الشجن تماما كما يُحرض على الضحك، أما فيلم aking in new York فهو إختار أن يسخر فيه من أجواء نيويورك الصاخبة وأريحيتها فى إطلاق الشائعات وتلفيق الإتهامات وإيقاعها السريع كل ذاك جاء فى إطار كوميدى إنسانى بشكل يدعو للإعجاب ولا شك أن شارلى هنا أيضا تأثر بخلفية الأحداث التى جمعته فى فترة معيشته الأخيرة بهوليود والإتهامات التى طالما لحقته من الحكومة وقتها بأنه شيوعى والمتاعب التى نالت منه اثر هذه المصاعب جماعا والتى اضطرته أن يغادر فى النهاية إلى باريس.
مضى شابلن يعتمد فى أفلامه من بداية عمله فى السينما وحتى فيلم the graet dictator على شخصية واحدة، شخصية الصعلوك، وبالرغم من ذلك لم يشعر المشاهد بأى نوع من التكرار أو السقم، لأن شابلن دوما يحرص على أن يموضعه داخل بيئة مغايرة تماما سواء على المستوى الشكلى أو فى مضمونها، مما يدفع بالمشاهد لمعرفة خصال أخرى لهذا الصعلوك تتبدى إثر فصاحة الحدث وتبعا لرونق الفكرة وفطنتها، مع الحفاظ على بعض سماته الإنسانية ثابتة فهو رغم فقره شديد النزاهة قد يسرق أحيانا بعض من الطعام ولكن ليكفى قوته، قليل الحيلة نوعا، شديد الحساسية ومائل إلى الرومانسية ويقدر العلاقات البسيطة. وعلى هذه الصورة بدت تفاصيل الصعلوك وكأنها حلقات متصلة تنفرج كل حلقة عن ما بها فى كل فيلم تبعا للموقف الذى تفرضه الدراما والتى كانت تتطور هى الأخرى بدورها وتأتى بمزيد من الثراء الذى تنغلق عليه مخيلة شابلن .
الصورة
ذكاء الصورة عند شابلن لم يرتبط بكون أفلامه صامتة أو ناطقة، فحتى بعدما نطقت شخوصه وقفز صوتهم على الشريط الفيلمى، ظلت الصورة عند شابلن هى الأكثر مدعاة للكوميديا، ويظهر ذلك فى أوجه بفيلم the graet dictator . فهو منذ بداية تاريخ أفلامه الصامتة تفنن فى الإغداق على الصورة بمحرضات الضحك، من أداءات معينة لجميع الظهور الحاضر فى اللقطة حتى وإن كان كومبارس عادى، أو عن طريق التنفيذ المنضبط جدا لخطة المشهد بأكمله، ودور حركة الكاميرا ذاتها فى التعامل مع كل ذلك، فمن المشاهد الطريفة مثلا والتى ساهمت حركة الكاميرا فى تكثيف الكوميديا بها المشهد الذى طالما يحاول فيه الصعلوك فى فيلم modern times أن يوصل صحن ضخم فوقه بطة مشوية وبعض الطعام إلى أحد الزبائن وبينما يحاول هو ذلك بإستماتة تعيقه حركة الجمع الراقص فيما بينه وبين طاولة الزبون، فترصد الكاميرا بكادر علوى الحركة الدورانية للجموع والتى يتوه وسطها شارلى رافعا الطبق على ساعده بحيث لا يظهر منه إلاه، مشهد آخر فى pilgrim تتسحب فيه الكاميرا على مهل لترصد مشية الصعلوك المتنكر فى زى الحاج ومعه الشخص الذى يدله على طريق الكنيسة، وفى حركة فجائية يقع كل منهما معا فى ذات التوقيت لتنكسر زجاجة الشراب التى استلبها الصعلوك من ملابس الرجل وخبأها أسفل ظهره، فتغرق الأرض من أسفلهم وبينما يقوم الصعلوك بإخراج قطع الزجاج ليلقى بها خارج ملابسه، يظن الرجل أن الزجاج يتساقط منه هو ويزداد ارتباكه أمام الحاج، فالكادر الخلفى المتحرك الذى يرصد حركة الإثنان منذ بداية اللقطة وحتى إنتهائها يُشعرك وكأنه شخصا يراقب ويفضح أدق التفاصيل فضلا عن كونه يُسرى فى أوصالك إحساس ما بالتفاعل مع ما يحدث، فهو وحده محفزا للضحك، وقد اُستخدمت الكاميرا بدءا من هذا المنطلق كثيرا فى أفلام شابلن .
ولا شك أيضا أن الصورة تطورت بشكل ملحوظ على مستوى المضمون العام، تدريجيا مع مرور الوقت فى أفلام شابلن، فتبدت الكادرات الواسعة والتفصيلية والتمهيدية، وهى التى لم تكن موجودة قبلا فى أفلامه فى حقبة سابقة لم يكن للكاميرا فيها دور بينما يملكها أكثر الإيقاع الحركى السريع الذى يُدعم الأداء الكوميدية ويثير فاعليته . كما أن الصورة تقنيا حوّت فى عناصرها تقدم تقنى هائل فى أفلام مثل modern times و gold rush ، ففى الأول برزت القدرة على تصوير هذه الآلات الضخمة فى المصانع والتعامل معها ببعض الخدع البصرية، وفى الثانى عبرت الصورة جيدا عن هذه الأجواء الثلجية البحتة وتطويعها لذات الألعاب البصرية مثلما ظهر فى المشهد الذى يترنح فيه منزل الصعلوك وصديقه الضخم على حافة جبل بعدما أطاحت به العاصفة .
شابلن والسينما الناطقة
مع بداية ظهور السينما الناطقة، صب شابلن جم غضبه عليها، واعتبر أن الصوت سيُفقد السينما شيئا من سحرها وتألقها، وقال متباكيا على السينما الصامتة فى مذكراته"بسبب الأفلام الناطقة، بدأ يأفل نجم السينما الصامتة وهو أمر مؤسف حقا لأنها كانت بدأت تتحسن، فالمخرج الألمانى مورفو كان قد استخدمها بطريقة معبرة وفعالة، كما بدأ بعض مخرجينا الأمريكيين يفعلون مثله، والفيلم الصامت الجيد يستطيع أن يخاطب المثقفين والعامة جميعا فى كافة أنحاء العالم والآن علينا أن نفقد كل ذلك"، أما فيما يخص شخصية الصعلوك، فكان يرى أنه سيموت بمجرد أن يفتح فمه، كان مؤمنا أنه سيفقد بهاءه وهيبته، ولن يعد كما كان أبدا.
وأصر شابلن حينها أن يتم العمل على فيلمه الصامت "city lights" وقد واجه صعوبات حسب ما ذكره فى سطور مذكراته، لأن مع انتشار السينما الناطقة، الممثلون نسوا الأداء الصامت، مما تطلب منه جهد لإعادة تدريب الممثل وتحضيره من جديد، وبالفعل أنتج الفيلم، الذى لاقى نجاحا كبيرا مع الجمهور، ومن بعدها وفى ذورة نجاح الأفلام الناطقة، أطل بفيلمه الأشهر "modern times" والحق أن شابلن فى هذا الفيلم على وجه الخصوص أجاد الإستفادة من شريط الصوت بحنكة لم تتعارض مع منطقه فى وجوبية ألا يتحدث الصعلوك، فتراه فى أحد المشاهد الأخيرة من المفترض أن يُغنى فى حانة، وتتساءل هل سيُغنى الصعلوك بالفعل ؟؟، هل سينطق ويتحدث ؟؟، ومع بدء اللحن وهو فى لحظة تأهبه للغناء، يكتشف أن الورقة التى سجل عليها الكلمات، سقطت منه سهوا، فيتضطر أن يغنى ولكن بلغة غير مفهومة، يجارى بها اللحن بطبقة صوت شديدة التعبيرية، ولكنها تظل غامضة المعنى الذى لايفتأ أن يوضحه بملامحه الرشيقه وايحاءاته المعهودة الطازجة التى طالما اعتدنا عليها، وبهذه الحيلة الرائعة ينطق الصعلوك ولا ينطق فى الوقت ذاته، فتشعر وكأن شابلن حينها أراد أن يُخرج لسانه بثقة لإغاظة الناطقين .
بعدها قدم شابلن "the great dictator" وبالفعل انزوت شخصية الصعلوك بدءا من هذا الفيلم، الذى نطقت فيه شخصيات شابلن، فى إطار حبكة انسانية سياسية ملفتة جدا، ظهر فيها شابلن، بشخصية هتلر، وشخصية تماثله فى الشبه من العامة، ولم يستغل فكرة البديل التى تم الإعتياد على استخدامها فى البناء الدرامى، إلا فى آخر مشهد، بينما أدار مضمون الفيلم بطريقة مبتكرة ومُرضية.
بعدها دخل شابلن مرحلة مغايرة تماما من تاريخه الفيلمى، حيث قدم شخصية verdoux وهى الشخصية الأولى التى يتخلى فيها عن مكياجه المألوف، حيث تبدى بإطلالة مختلفة ودور مميز عن قصة حقيقة ألهمه بها أورسون ويلز، عندما أتاه فى مرة وأخبره بها وطلب منه أن يكتبها وينفذها فى فيلم، لم يتحمس شابلن فى البداية، ولكن بعدها كلم ويلز، وأخبره أنه سيدفع له ثمن شراء فكرته بالفعل، ليعمل عليها فى فيلم يخصه، وافق ويلز، و لكن الحقيقة أن شابلن قد تندّم فى مذكراته على أنه كتب اسم ويلز تحت اقتراح الفكرة لأنه أتى له بمزيد من المشاكل، ولم يوضح ماهية هذه المشكلات، ولكن على أية حال، فيلم شابلن لم يكن نصا مطابقا للقصة الحقيقة، وإنما بدى كمحاكاة استغلت المتن الأساسى لها، ومن ثم أضاف النكهة الشابلينية الإنسانية فى المقام الأول لواقعة ذلك الرجل الذى تم اعدامه لإرتكابه أكثر من جريمة قتل لنساء تزوجهن وقام بالإستيلاء على أموالهن ومن ثم قتلهن. لم تتلبس الفيلم تلك الحُلة المنعشة التى اعتاد الظهور بها، ولا أقصد هنا إختلاف الموضوع، وإنما جاء التناول فى حد ذاته مشتت نوعا ما، بخلاف أن الكوميديا لم تتناسب أوقات مع المادة الدرامية المُضمّنة، فتداخلت امزجة الفيلم فى غير سلاسة. ولكن الملفت بحق هو أداء شابلن وإحساسه الذى كان يبزغ من عينيه ويدل بمدى التلاحم الشعورى بينه وبين فيردوكس الحقيقى.
أما limelights فهو الفيلم الذى يمكنك أن تعدّه كبطاقة الهوية التى تُلخص شابلن الإنسان والفنان، فهو بعد مرور زمن على ظهور السينما الناطقة، وبالرغم من تأقلمه هو ذاته معها، إلا أنك تقبض بيد من حديد فى هذا الفيلم على حنين شابلن لسينماه الصامتة، هذا إلى جانب تعمده ابراز اختلاف البصمات التى تحمل اسمه وتميزه فى الطرح على جمعها فى هذا الفيلم دون غيره، ولا يسعك سوى أن تحملق فى تلك السماء السينمائية التى حولقها بمزيج خالص من فن الباليه والمزيكا والأداء الصامت، فضلا عن قصة الحب الرائعة والفريدة جدا، كل هذا على تنوعه بدا متماسكا مهندما، حاد المشاعر وماكن الأثر، وأعتقد أن شابلن ألّم جيدا بما فعله ولهذا وصف الأمر فى مذكراته قائلا: " كان قلقى بشأن نجاحه أقل من أى فيلم أنتجته فى حياتى" .
الموسيقى فى سينما شابلن
انقسم دور الموسيقى فى أفلام شابلن إلى مرحلتين، فإختلفت طريقة توظيفها تبعا للطفرة التى نالت من أفلام شابلن بداية من monsieur verdoux، وهو الفيلم الذى بدأ عنده ينتفى الدور المعهود للموسيقى الذى ألفناه سابقا فى سينما شابلن، وبحلول المساحات الدرامية الفضفاضة مالت الموسيقى للتعبير عن المزاج العام للمشهد، أو لتقديم دورا موازيا مع أداء الممثل ووقع جمل الحوار، فضلا عن استخدامها للربط بين لقطة وأخرى والتحضير لمشهد جديد. وهو ما نافى المهمة الرئيسية التى اسندها شابلن لموسيقاه فى افلامه السابقة، حيث كان يعمد إلى توظيفها توظيفا "ميكيماوسيا" فالميكى ماوسية هى التعشيق الدقيق المحسوب بين الموسيقى والفعل، بين النغم والحركة، وهكذا بالضبط كانت تبدو موسيقى شابلن فى أفلام أدائه الصامت وفى بعض مشاهد the great dictator، صاحبة دورا متأصلا وواضعة قدميها على نفس الخطوة التى يقف عندها الممثل، يختل المشهد بدونها ويفقد الكثير من بهاءه وقدرته على استلاب الضحكات.
وفى النهاية يمكن القول أن شابلن خلّف ورائه رصيد موسيقى هائل، يعد بمعزل عن سينماه ثروة إضافية، أبدعها بذائقته الخاصة وبحساسيته المتفردة صوب السينما التى يصنعها، والغريب أنه رغم كل هذا الكم من التأليف الموسيقى لن تجده يُكرر جملة لحنيه وإن تشابهت عليك فى بعض الأحيان، وإنما دوما يُجدد دماء موسيقاه فى كل فيلم الواحد تلو الآخر، بما يلائم كل لقطة وكل مشهد، متنوعا فيما بين الموسيقى الحماسية، الهزلية، الدرامية والإنسانية.
شابلن مخرجا وكفى
اكتفى شابلن بوجوده خلف الكاميرا فى فيلمين، أولهما A Woman of Paris: A Drama of Fate عام 1923، وهو الفيلم الذى قامت ببطولته " إيدنا بورفيانس" البطلة الأثيرة لدى شابلن فى أفلامه الأولى، داخل إطار سيناريو شديد الميلو درامية وكأن شابلن أراد أن يعوّض فيه افتقاره لهذا النوع من الطرح المتمادى فى التشاؤمية والذى كان يبتعد تماما عن طبيعة الأفلام التى يقوم ببطولتها فى تلك الفترة، فإستغرق هنا فى سرد قصة حب عبث بها القدر أكثر من مرة على مدار سنوات، تنتهى بفجيعة موت البطل بعد عدد من المصادفات والصراعات النفسية التى تجمعه مع حبيبته وعشيقها، لم يكن الفيلم عظيما وإنما بدت القصة غير متوقعة الحدث، تُثير فضولك لمعرفة ما ستؤل إليه تلك الشبكة الدرامية المبالغة فى كثير من الأحيان، والصادمة فى الأخرى، والجيدة فى مضمونها العام.
أما أسوأ ما كان فى جعبة شابلن هو آخر فيلم قام بكتابته وأخراجه بعنوان A Countess from Hong Kong عام 1969 ، بطولة "صوفيا لورين" و"مارلون براندو" ، وهو الفيلم الذى يمكنك أن تنعته بالأسوأ فى تاريخ شابلن على الإطلاق، بحيث لم يشفع له حتى تواجد نجمين بهذا الحجم ليدفع عنه قلة الحيلة الواضحة فى تشكيل سيناريو له هوية متماسكة، وقد تمرغ فى العادية إلى درجات غير محتملة اودت بالمعالجة التى انتهج سياقها إلى التشتت ما بين محاولات كثيرة للإستظراف وإقحام الكوميديا عنوة، وما بين قصة حب لم تكتمل هيئتها فلم تكن تكن مقنعة إلى حد كبير، وبين كادرات متناثرة فى غير محلها ومشاهد تبدو مبتورة، إنه الفيلم الذى تتمنى أن يُمحى من مسيرة شابلن نهائيا.
"شارلى شابلن" ليس سينمائيا تضمه سطور التاريخ السينمائى، وإنما تجربة كاملة أساسية أرست عدد من المبادىء والقواعد التى تمكنها أن تقف جنبا إلى جنب مع التوثيق التاريخى للسينما، ولا تكتفى بكونها حكاية عابرة كانت، ينغلق عليها قلبه.
آخر كلمتين:
_ من المشاهد المميزة فى أفلام شابلن، ذلك المشهد الذى يجتمع فيه هو ورفيقه الضخم بفيلم the gold rush على تناول حذاء أحدهم بعدما قتلهم الجوع، فى مشهد شديد الهزلية والتعبيرية. ومشهدا آخر للرجل المُسن فى limelights وهو يشاهد الفتاة التى يحبها ترقص أمامه بعدما استعادت عافيتها وتألقها بينما ينزوى نجمه هو إلى الحضيض، فيلبث تحت إضاءة خافتة يشاهدها مذهولا بكم موهبتها، فرحا لها وخائفا منها وعليها فى آن. والمشاهد الأكثر كوميديا فى the great dictator والتى يتنقل فيها الديكتاتور ما بين حجرات قصره فى سخرية من تعدد مهامه فلا يلبث فى الحجرة الواحدة أكثر من ثوان، منهم حجرة ينتظره فيها نحات ورسام، ما إن يرونه يبدأون فى التقاط ملامحه فى حركة سريعة ولكنه سرعان ما يغادر الغرفة من جديد، ليتركهم فى قنوط وانتظار طلة اخرى من طلاته العزيزة.
_ ظهر شابلن فى فيلمه A Countess from Hong Kong ، مشهدين بالتمام والكمال، وقد بدا عليه الشيب فى رصانة مقبولة أضفت عليه جمالا وهيبة مع ابتسامة ظلت كما هى منذ سنوات الفتاوة، تماما كما تبدى فى وقت تكريمه فى الأوسكار عام 1972، وقت ذرف دمعه المشوب بذات الإبتسامة فأبكى الملايين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.