"مِن أولها يُهمني توضيح أن هذا وما سيليه في أسابيعٍ قادمة تحت عُنوان "إتفرج يا سلام" ليس بتحليلٍ علمي مُتقن لدارسٍ، بل هي مزمزة بصرية لمُشاهد يُملس على ذقنه -النابتة معظم الأحيان- كثيراً أثناء عملية المُشاهدة". يبدأ المشهد بلقطة دخول مُنتصر إلى حارة ضيقة كأنها تحويلة تنقلنا إلى وسعاية مُقام فيها صوانٍ لفرح، مع دخوله يخرج رجل بحصانه وكأنها نهاية ليلة بالنسبة لهذا الرجل، وبداية ليلٍ طويل بالنسبة لمنتصر لا ينتهي إلا بنهايته.. تستمر الكاميرا في تتبع منتصر بالزووم، وليس بالحركة، يستقبله قريبه الصعيدي بحضن أهل قبلي الخالي من قبلات الوجنات، تقطع الكامير على وجه مُنتصر؛ فنرى ملامح وجه لرجل كأنه برأ لتوه من علاقة عاطفية ممتدة في زمنه الداخلي، ومبتورة في الزمن الخارجي.. رجل فعلاً منتصر لشيئ يخصه، رجل قتل في المشهد السابق شريكاً له قد خانه، وأدخله السجن. يدخل منتصر صوان الفرح أولاً يتبعه قريبه الصعيدي، تُثبت الكاميرا قليلاً؛ لتنقل إجمالاً ولثوانٍ جو الفرح الصعيدي في قلب القاهرة، جو مغبش من دخان الحشيشة، وهذا جيد بصرياً، شاب المشهد حركات شديدة الإفتعال في حركة المجاميع وهي تصفق، وتشرب زجاجات بيرة فارغة -لاحظ يمين المشهد- يحتضن منتصر العريس، المُفارق لعروسته، التي تجلس بالضرورة في مكان آخر مع -الحريم- تقطع الكاميرا على منتصر، يقدم للعريس نُقوط فرحه، يعتلي خشبة المسرح مُباشرة كأنه يريد أن يُعلن عن روقان وخلو البال بعد مدة طويلة من الكدر؛ يحيي أهله، تناغشه المرأة التي تخلع قناع الراقصة الحامي من رذالة الناس، المرأة التي تميل للرجل ذو الحكاية، الغويط والواضح حاد الوضوح: رجل مش مرقع كما نقول؛ فتقول له وهو مبتسم"ديهدي مالك واخدها جد كده"؛ فيناغشها هو أيضاً بمزاجية وشقاوة، تُرمى له عصا؛ فتتحرك شفتيه بشكل أعطاني إنطباع أول مرة شاهدت فيها الفيلم بأن هذا الرجل قد هاج باطنه، وفعلاً كان المشهد التالي مشهد ممارسة الجنس بينهما، بعد ثوانٍ من إلتقاطه العصا يتدروش منتصر وهو يرقص؛ يغيب في سكرته عن المزيكا والراقصة وأهل الحاجر ورجالة الجبل، الذين وقفوا على حيلهم إثر إنتشار خبر أخذه بالتار، لكنه يغيب ويغيب ويغيب. Cut يلاحظ: 1- إهتمام "الطيب" ببروزة منتصر، بروزة هذا الذي لا يتغاضى ولا ينسى ولا يمل من مراقبة الصقور، حتى ويديه مكبلتين بالكلابشات، وقدميه مكبلتين بالجاذبية، التي كان يتغلب عليها بأرجوحته المرتفعة عن الأرض، إرتفاع لا يجعل هامته تلاقي الصقور، ولكن أهو إرتفاع وخلاص: طيران ولو بالخيال. 2- حركة الكاميرا في المشهد جيدة ومعبرة، وكذلك الإضاءة، وتكوين الكادرات، والملابس، والديكور وتنسيق المناظر، رغم شعوري الشخصي بأنني داخل بلاتوه، وليس في مكانٍ حي. 3- المونتاج غير جيد -فصيل- بلغتنا.. تشعر به، يفقدك التتابع، يشعرك بفواصل زمنية بين كل لقطة وأخرى داخل المشهد. 4- وأخيراً يلاحظ أن أحمد زكي يكثف لك الشخصية، ويعطيها لك دفعة واحدة كاملة معتقة في كل إلتفاتة، في كل لقطة، في كل مشهد، كأنه جملة مودي الإمام الموسيقية، لكن بتوزيعات عدة تبدأ، ولا تتوقف إلا في آخر لقطة في الفيلم.. كل سنة وأنت طيب يا أستاذ. الفيلم: الهروب الصنف: روائي طويل المخرج: عاطف الطيب الإنتاج: إبراهيم المشنب الكاتب: مصطفى محرم (قصة وسيناريو وحوار) البطولة: أحمد زكي - هالة صدقي - عبد العزيز مخيون- محمد وفيق- حسن حسني- أبو بكر عزت تصوير سينمائي: محسن نصر الموسيقى: مودى الامام التركيب: نادية شكرى توزيع: تاميدو للإنتاج والتوزيع تاريخ الصدور: 16 إبريل 1991 م البلد: مصر اللغة الأصلية: عربية أعتذر عن عدم جودة المشهد على الرابط المتاح. الهروب Video of الهروب