قال قضاة تيار الإستقلال، في بيان، منذ وقائع الثلاثين من يونيو الماضي وما تلاها من إجراءات تداعى قضاة تيار استقلال القضاء الموقعون على هذا البيان إلى المداولة في شأنها ومستجداتها، وبرغم من وضوح الحقيقة وجلاء الأمر وسطوع البيانات والإحاطة بالأحداث عن بصر وبصيرة آثروا نزولًا على ما يتصف به القضاة من صبر وطول آناة التريُث في إصدار بيانهم هذا استكمالًا للمداولة وصولًا لأقى درجات الصحة فيما تنتهي إليه ، وهذا بيانهم الذي أولوني شرف إلقائه عليكم. إن قضاة تيار استقلال القضاء الموقعين على هذا البيان وهم يرقبون ما يقع بمصر من أحداث جسام منذ تظاهرات الثلاثين من يونيو سنة 2013، وما سبقها ورافقها ولحق بها من تظاهرات مضادة، وما خرج من رحمها - برعاية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة - من إجراءات شملت عزل الرئيس المنتخب لمصر، وتعطيل العمل بالدستور الذي أقره الشعب المصري في استفتاء حاشد نزيه، وحل المجلس النيابي المنتخب - بالمخالفة للحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا - وإغلاق لمنابر إعلامية بغير أحكام قضائية، وما أفضت إليه من سقوط العديد من الشهداء والآلاف من المصابين بميادين مصر وشوارعها. وتابع القضاة، وهم يرقبون هذا كله يستحضرون جملة من القيم والمعاني النبيلة التي أُشرِبَت بها نفوسُهم،وتعلقت بها أرواحُهم،واطمأنت لها قلوبُهم، من أخصها: الحرص على الجهر بكلمة الحق حتى في أشد الأوقات وأقساها وأعنف الملمات وأعتاها، مهما لابس هذا الجهر من تخوفات أو تحسبات؛ ذلك أنهم يؤمنون بأن الحق فوق القوة ، وللقضاة الأسوة الحسنة في بيان شيخهم المستشار ممتاز نصار في مارس 1968، وجهر شيخهم يحي الرفاعي برفض إعلان حالة الطوارئ أو مدها في مؤتمر العدالة الأول في عام 1986، وفي رفضهم تزوير إرادة الأمة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إبان عامي 2005، 2006 . ومن أخص تلك القيم والمعاني الحرص على حماية الشرعية الدستورية والمشروعية القانونية التي هي عماد بقائهم، وهدف ما أوتوا من سلطان، ورهين ثقة الناس في عدلهم واستقامة قضائهم وبعده عن أي مظنة للميل أو الهوى أو الانتقام، إعلاءً لإنفاذ إرادة الأمة فوق كل إرادة . ومن أخصها أيضًا الزود عن حريات وحقوق المواطنين، وصونها، وحمايتها من كل بغي يحيق بها أو اعتداء ينال منها، وهو ما أفنى القضاة - على مر تاريخهم المجيد- حياتهم في الوفاء به حتى أن مطالبتهم الدائمة باستقلال القضاء ما كانت إلا فرعًا على أصل تلك الحماية المنشودة للشرعية والمشروعية وهذه المدافعة المشهودة بين الحقوق والحريات. لما كان كل ذلك، أعلن قضاة تيار الإستقلال في إطار كل تلك القيم والمعاني : أولًا: إن القضاة لا يعملون بالسياسة ولا يشتغلون بها ولا ينحازون إلى أحد أيا كانت صفته أو انتماؤه ، وإن انحيازهم الوحيد والمشروع إنما هو للشرعية والحق والعدل وهو عماد سلطانهم ، وعلة وجودهم إذ بغير هذا الانحياز تنتفي علة وجود القضاء من الأساس . ثانيًا: إن ما أنجزته ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011 بدماء شهدائها وكفاح وتضحية أبنائها وكلفة اقتصادها وطوال عامين أو يزيد من بناء لدولة القانون بإصدار الدستور المصري الجديد في استفتاء حاشد نزيه، وانتخاب أول رئيس مدني لمصر وفق قواعد انتخابية كفلت فيها المساواة والعدالة والإنصاف، وفي اقتراع - تحت إشراف قضائي مشهود- توافر له الحرية والنزاهة والشفافية: لا يقبل بحال أن يُهدر بمجرد جرة قلم أو هوى لبعض القوى السياسية، بل يجب البناء عليه والإضافة إليه استكمالاً للدولة الدستورية والقانونية، ونبذًا لمنهج تغيير السلطة الشرعية جبرًا أو استقواءً بما يُفضي إما إلى الاضطراب والفوضى أو إلى القمع الأمني المُفرط، ومن ثمَّ فإننا نرفض الاعتداء على الشرعية الدستورية وإقصاء الرئيس الشرعي المنتخب ونطالب بتفعيل الدستور ليعود ساريًا ليحكم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية في مصر بأسرها وإتمام البناء الديمقراطي وفقًا لقواعده وأصوله. ثالثًا: إن القضاة يُناشدون كل أعمدة الدولة المصرية والتيارات السياسية والقوى الثورية أن يتواصلوا في حوار وصولًا إلى توافق في إطار الشرعية الدستورية ويعبر بالبلاد من هذه الأزمة بما يُرضي أبناء هذا الوطن . رابعًا: إنهم يُؤكدون على وجوب احترام وحماية حق التظاهر السلمي إعمالًا لحكم القانون ، مع التأكيد على رفض استخدام العنف بكافة صوره وأشكاله ، ووجوب حقن دماء المصريين جميعًا.