أقباط يطالبون بكوتة، وآخرون يطالبون بالاستقلال، وكثيرون منهم يكرسون للمازوخية السياسية فيمتثلون لأوامر قبلية طائفية بصدر رحب فيهجرون ويضربون ويدفعون إتاوات، إعمالا للفهم الخاطئ لقول المسيح: « مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً، وَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضاً، وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِداً فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ»، وفى موضع آخر : «فى العالم سيكون لكم ضيق»، وفى ثالث يقول المسيح : «مملكتى ليست من هذا العالم». ثلاثة حلول فاشلة لحل مشكلة الاقباط؛ فمن يطالبون بالاستقلال عليهم أن يعرفوا أنه جريمة خيانة عظمى، لكنها ليست متكاملة الأركان، فالانفصال والاستقلال حق مشروع ترعاه الأعراف والمواثيق الدولية إن تم استفتاء الشعوب عليه، لكن جريمته العظمى هذه ستنعكس على الاقباط أنفسهم قبل المسلمين والتيارات المدنية والعلمانية ويكتوون بنارها قبل أى فصيل آخر، فالاغلبية العظمى للاقباط أرثوذكس، والأرثوذكسى يصعد رجال الدين والكهنة إلى مرتبة كبيرة مما يؤهلهم مباشرة إلى تدشين دولة الكهنوت أو الدولة الثيوقراطية، ومن يشكون الان من تدخل رجال الدين الارثوذكس فى حياتهم الخاصة والاجتماعية فإن هؤلاء سيقومون بدور أكبر فى الدولة الثيوقراطية ويعانى الاقباط الأمرّين اجتماعيا وسياسيا من رجال الدين، وإن كان حل الانفصال يجىء ردا على الدستور الإخوانى الظلامى الذى يؤهل مصر للتقسيم الطائفى والعرقى . ومن يكرسون للمازوخية السياسية فهى جريمة أكثر بشاعة يمارسها الاقباط على أنفسهم، ويمكن وصفها بالجريمة العرقية التى تفضى إلى إبادة العنصر القبطى شيئا فشيئا عن طريق إقصائه من الحياة السياسية بل من بلاده، استسلاما لما يفرض عليه وينتقص من حقوقه ويضعه فى مرتبة العبد الذليل الذى يرضخ لكل شىء ولا يطلب شيئا واحدا وإن كان حقا مشروعا له. أما الاولى وهى المطالبة بكوتة للأقباط فهى حل جذرى للمشكلة، بل هى الحل السريع لمشكلة الاقباط، لكنها من رابع المستحيلات حتى يتسنى للاقباط فرض كلمتهم على الساسة والمشرعين المصريين بل المتطرفين . لكن هناك ثلاثة اقتراحات ربما هى الأفضل كى يقف الأقباط على الدرج الصحيح، ومن ثم يكملون الصعود للطابق الأعلى الذى يجعل منهم مصريين متساوين فى الحقوق لهم ما للمصريين وعليهم ما علىهم. الاقتراح الأول الانضمام للكنيسة الروسية الأرثوذكسية، وهو حل وطنى من الدرجة الأولى لأنه قبل كل شىء سينجو بالثورة المصرية من التبعية لأمريكا ومن ثم اختيار قيادة شعبية بإرادة مصرية لا أمريكية، فعندما يذهب فصيل مصرى لقوى دولية خارج التوقعات الأمريكية فإنه سيفتح الباب لفصيل أو تيار آخر للذهاب، ومن ثم يقطع الطريق على الإخوان حلفاء أمريكا الأبديين، فتسعى أمريكا لكل الأطراف بدلا من الطرف الاخوانى فقط، أو أضعف الإيمان سيكون هذا الحل بطاقة صفراء فى وجه الولاياتالمتحدة. فعندما ترى أمريكا ورقة الأقباط التى تلعب بها سئمت اللعبة، وذهبت لروسيا بوتين الجديدة التى تبحث عن دور إقليمى ودولى أكبر، فإنها بلا شك ستبحث عن حل جذرى للمشكلة القبطية بدلا من استعمال الأقباط كورقة للعبة السياسية، ولا سيما أنها دخلت فى يد الند التقليدى روسيا التى وجدت العون من فصيل مصرى طالبها بدعم لوجستى بعدما فقدت هذا الفصيل منذ 40 عاما بعد طرد السادات للخبراء السوفيت وتحجيم دور روسيا بعد حرب أكتوبر. وقد تكرر الطلب الروسى مرتين لحماية أقباط مصر الذين هم من نفس مذهب روسيا الارثوذكسى، الاولى عندما أرسل قيصر روسيا مندوبا أيام محمد على عام 1805 وقابل البابا بطرس السابع الشهير بالجاولى 1809- 1852 وهو البطريرك ال 109 من بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية، وعرض على البطريرك أن يتولى قيصر روسيا حماية الأقباط، فى محاولة لتمزيق الدولة العثمانية آنذاك، ولكن بطرس السابع رفض هذا العرض، أما الثانية فكانت قبيل ثورة 25 يناير بيوم واحد، ففى 24 يناير 2011 عقب انفجار كنيسة القديسين بالاسكندرية، فقد دعت وكالة نوفوستى الشهيرة المسئولين الروس لعقد مؤتمر موسع حول أوضاع مسيحيى مصر، وكان منهم: سيمون باغدا ساروف النائب المتحمس للمسيحيين دائما فى مجلس الدوما، وديميترى سيزونينكو ممثلا عن بطريركية موسكو، وحسّان نصر الله رئيس الجاليات العربية فى روسيا، وفريد أسدولين من دار الإفتاء الإسلامية بموسكو. إلا أن المؤتمر تم تأجيله لقيام الثورة وانتظر المسئولون نتائجها أملا فى وضع أفضل للأقباط . الاقتراح الثانى اقتراح تكتيكى من الدرجة الاولى وهو الانضمام إداريا إلى بطريرك الموارنة ومن ثم سياسييها الذين لهم باع طويل فى العمل السياسى فمنهم رئيس الجمهورية وقائد الجيش ووزراء كثيرون يحملون حقائب سيادية، ومدربون على استعادة حقوقهم السياسية كاملة بل المساواة مع الطرف الإسلامى وتقاسم السلطة معهم من أيام الميثاق الوطنى الشفهى 1943 لقيام دولة لبنان مرورا بالحرب الأهلية، وهذا الانضمام سيحمل بين طياته تمردا قبطيا على دولة البابا، ولهم فى التجربة اللبنانية أسوة حسنة فلنذكر أخريات الحرب الأهلية فى أوائل التسعينيات عندما وافق البطريرك المارونى نصر الله بطرس صفير على اتفاق الطائف متمردا على سلطة العماد ميشيل عون وحكومته الانتقالية فقام أنصار الجنرال باقتحام البطريركية فى بكركى وأجبروا البطريرك صفير على تقبيل صورة عون، وربما زيارة أمين الجميل للبابا شنودة عقيب أحداث ماسبيرو كانت تحمل شيئا من هذا المقترح لم يفصحا عنه . الاقتراح الثالث يبدأ من حيث ينتهى الاقتراح الثانى ويتمثل فى استنساخ التجربة اللبنانية بعمل تحالف يمثل كل الأقليات الدينية المصرية من أقباط وشيعة وبهائيين، ونسبة نجاحه كبيرة لما لاقاه نجاح نظيره اللبنانى فمثلا حركة أمل الشيعية تحالفت مع فصيل مارونى وهو القوات اللبنانية المارونية وعزز الطرفان مواقعهما على خريطة لبنان أيام الحرب الأهلية فى الثمانينيات، وتكرر الامر ثانية على يد التيار الوطنى الحر بزعامة الجنرال ميشيل عون مع حزب الله الشيعى، وخلاصة القول أن تحالف ثلاثة مذاهب مصرية لا يمثل خطرا على الإسلام السنى وإنما يمثل إضافة وتعددية ثقافية من شأنها أن تلحق مصر بركب الدولة التى تحترم الأقليات والأديان.