لا يهمه شهرة ولا جاه، ولا يهدف للفت الانتباه، الفن له قوت حياة، والإبداع لعطشه أعذب مياه، يواجه الواقع بسخرية القدر، يسعى في الضد نداً للمنتظر، لا يهمه من أحد تقدير، فيكفيه موهبة أهداها له القدير. هذا ببساطة هو تعريف الفنان المغمور، ممن يمتلك بذرة الموهبة، ولايجد ما يرويها من عدسات الإعلام، ليندفن بفنه تحت أرض تشبعت بحمل أقدام غيره من المشاهير أصحاب شباك التذاكر الفنية، ليحمل لقب " الأندرجراوند" . محمود شحاتة، هو ممثل ومخرج مسرحي من سكان عالم الأندرجراوند، في أوائل الثلاثينات من عمره، قضى نصف سنينها سعياً وراء مايبدع فيه، فبدأ مشواره الفني كممثلاً في مراكز الشباب الفنية وقصور الثقافة المختلفة، ومن ثم انتقل لصفوف فريق المسرح بكلية التجارة بجامعة القاهرة، ليلمع بريقه الفني طوال ست سنوات، ليتم اختياره خلالها ضمن صفوف منتخب الجامعة للفنون المسرحية، مشاركاً في عدد كبير من العروض داخل الجامعة وخارجها، ليدخل من بعدها فترة جديدة في مشواره، بانضمامه لفريق مسرح الغد بالبالون والتابع للبيت الفني للمسرح ليكون من أوائل خريجي ورشاتها الفنية، بجانب عمله في عدة فرق مسرحية حرة ومستقلة، بالإضافة لاشتغاله في مجال السينما والدوبلاج الفني، حتى يصطدم بأكبر مفترق طرق في حياته، بتعرضه لحادثة بدراجته النارية، أدت في الأخير لعجزه عن الحركة لمدة 6 أشهر. إلا أن فترة العلاج هذه، أعطته مساحة كبيرة للتفكير في مستقبله وحياة غيره من فناني " الأندرجراوند"، ممن يعانون قلة الامكانيات وعدم توافر أمكنة البروفات والتجمعات لفرقهم الفنية الموسيقية والمسرحية، ما جعله يضع بذرة مشروع شبابي استثنائي، ليقف على قدميه من جديد بفتحه مركزاً خاصاً بالأنشطة الفنية والثقافية، تخدم في الأساس مختلف سكان عالم الأندرجراوند، بجميع فروع الفن والموهبة، ومن هنا ظهر "مركز مصر للفنون" للنور في سبتمبر من العام الماضي. وهو ببساطة مركز ثقافي فني متكامل يقدم العديد من الخدمات الفنية بمختلف صورها من توفير قاعات مجهزة للبروفات، ومواقع خاصة للتصوير الفوتوغرافي والأفلام التسجيلية، بجانب سعيه لرفع الأداء الفني للشباب عن طريق تنظيمه لورش تدريبية متنوعة لتعليم مبادئ التمثيل والإخراج، والرقص والغناء وحتى التدريب على التصوير والرسم وغيره من الفنون. هذا بالإضافة إلى توفيره لحجرات دراسية لعدد من الكورسات المختارة، سواء التنمية البشرية أو اللغات الأجنبية، بجانب تنظيمه لندوات ولقاءات دورية لتبادل الثقافات والخبرات عن طريق " الصالون الثقافي" المفتوح، والذي يوفر أيضاً حفلات توقيع الدواوين والمؤلفات الإبداعية الشبابية، ونقاشات نقدية حول النصوص المسرحية المختلفة. مركز مصر، في بنيته يختلف عن غيره من المراكز الثقافية المعروفة، بأنه مشروع شبابي ذاتي التمويل، يديره في الأساس شخص واحد يتحمل عبئ جميع مسئولياته الضريبية والتنظيمية والمالية، ولا يتلقى أي دعم مادي أو فني من أي كيانات خاصة أو حكومية قد تحيد بشروط الدعم عن الهدف الحقيقي لإنشاء المشروع، هذا ما يجعله أقرب " ستوديو" ثقافي فني للشباب، ويعبر بصورة حقة عن عالم " الأندرجراوند" المعتمد على نفسه ذاتياً في حياته وإبراز موهبته وقدراته. فبينما يهتم المسئولين عن دفة الفن والثقافة في البلاد لمسكهم بؤرة الإضاءة للمشاهير وكبار الفنانين، واهمالهم بذور الفن الحقيقي من شباب هذا العالم المغمور، ولد جنين هذا المشروع الشبابي، من رحم عقلية فنان اندرجراوند، وجد فيه خطوة ولو صغيرة، لتقديم خدمات ومساعدات لزملائه الفنانين، إن كانت في مضمونها بسيطة، ولكنها تمثل أول خطوة في مشوار الألف ميل نحو اكتمال حلمه لتكوين أكبر مركز للثقافة والفنون لسكان عالم الأندرجراوند.