بابتسامة طفل يأسرك، بعقل ناضج وعيون لامعة يسحرك، دمعته أقرب إليه من أنفاسه، كلماته طلقات تخترق صدور كل بليد، يسخر من المشاكل لتهون، يحادث المارة، يداعب الأطفال.. يكتب شعرا، يكتب وطنا، يكتب كل رسائل الحب إليها وحين تركته.. يموت إنه الرجل المشاكس.. الراحل جلال عامر. أعده - سيد بشير هكذا تحدث جلال عامر 24 يناير 2011 ماذا تفعل عندما تعثر على شعب فجأة؟ هل تسلمه أم تسجله باسمك فى الشهر العقارى؟ فمن غرائب الطبيعة أن الحكام العرب اكتشفوا أن بلادهم فيها «بترول» فى الثلاثينيات من القرن الماضى ثم اكتشفوا أن بلادهم فيها «شعوب» الأسبوع الماضى فقط. 25 يناير 2011 ولو كنت أؤذن فى مالطة لامتلأ المسجد بالمصلين.. هل ستنقلب الدنيا إذا أصبح «إبراهيم عيسى» رئيسا لتحرير الأهرام و«عمرو أديب» رئيسا للقناة الأولى و«بلال فضل» وزيرا للثقافة وأنا مديرا لمصلحة السجون وتنتقلون أنتم مؤقتا إلى المعارضة وتتخانقون على «المقر» وتعملون محاضر ضد بعض وفى الآخر تبيعون «المقر».. 26 يناير 2011 ما أشبه الليلة بالبارحة وكأن انتخابات أكتوبر 2010 هى اعتقالات سبتمبر 1981.. فمن صنع المظاهرات شخص متخصص فى تعبئة البرلمانات ومن انتحر أعطاه القاتل سكين البطالة.. 2 فبراير 2011 (موقعة الجمل) عزيزى أحمد عز.. مبروك.. العملية نجحت والمريض مات. 3 فبراير 2011 الغريب أن ينال «المساجين» حريتهم قبل «المتظاهرين»، وأن تكون آخر مهام السيد عمر سليمان فى منصبه القديم هى الحوار بين «الإسرائيليين» و«الفلسطينيين» وأن تكون أولى المهام فى منصبه الجديد هى الحوار بين «المتظاهرين» و«المسؤولين».. 10 فبراير 2011 (خطاب مبارك الأخير) طول الأجل يبلغ الأمل، وقدظللنا سنوات طويلة نهتف «المنحة ياريس» حتى استجاب الريس لمطالبنا وألغاها، لذلك أتوقع ألا يتنحى الرئيس دستوريا ولا يتنحى سياسيا لكنه قد يتنحى جانبا. 21 مارس 2011(الاستفتاء) الاستفتاء معركة سياسية حوَّلها البعض إلى معركة دينية، وأول الغيث «قطر» وآخره «طيارة»، فالمجتمع الموحد مفتوح للاستثمار والمجتمع المنقسم مفتوح للاستعمار 9 أكتوبر 2011 (أحداث ماسبيرو) مصر لن تنقسم أبدا إلى عدة دول.. إذا كانت مش قادرة تبقى دولة واحدة! 28 نوفمبر 2011 (انتخابات مجلس الشعب) نظام الانتخابات فى مصر وضعته أمى التى قالت لى وهى تحتضر «غطينى وصوت»! 25 يناير 2012 قامت الثورة ضد «محمد حسنى» لكنها أطاحت ب «محمد البرادعى». الجيش وكعادتها الدنيا لا تعطى كل شىء، فالبدايات دوما معقدة، فطفل عمره 9 أعوام يخرج من مدرسته ويذهب الى عمله،يساعد أهله فى النفقات، ومازال يحافظ على بسماته، إلى أن اتجه الى العسكرية وتخرج فى الكلية الحربية، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية، وتلا ذلك التحاقه بكلية الحقوق جامعة الاسكندرية، ولكن نظرا لظروف عمله وتنقلاته الكثيره لم يكملها فتوقف عند الفرقة الثالثة، وأكمل حياته العسكرية التى أثرت على حياته فكبلت فيه الانطلاقة الابداعية لكنها لم تكبل فيه الإنسان، فظل الإنسان قضية أبدية على عاتقه بمحازاة قضية الوطن، فقد شارك الراحل جلال عامر فى 3 حروب تاريخية وهى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، وحرب تحرير الكويت، ولكن تعد ذكريات حرب أكتوبر الأكثر قربا لقلبه وقلمه، حيث كان قائدا لسرية بالفرقة 18 مشاة، التى قامت بتحرير مدينة القنطرة شرق، بقيادة اللواء عزيز غالى فى الثامن من أكتوبر، وهى واحدة من أشهر المعارك فى حرب أكتوبر، ويحكى العقيد جلال عن قائده اللواء فؤاد عزيز غالى: «قال المشير أحمد إسماعيل لقائد فرقتنا الصعيدى القبطى فؤاد عزيز غالى.. أنت يا فؤاد مكتوب على جبينك القنطرة، مضيفا مرة أخرى: فى أكتوبر أتذكر فؤاد عزيز غالى الصعيدى القبطى الذى قادنا لتحرير مدينة القنطرة كلفنى بتسليم إسرائيل 39 جثة من قتلاها ولم يطالبنى بتسليم كاميليا، ونبه علىّ ألا أسلم عليهم، وبعدها رأينا رئيس الدولة يأخذهم بالأحضان، فأصابتنىالدهشة خاصة عندما رأيت سينما شطا فى القنطرة تتحول منمركز قيادة إلى بوتيك.. فاختلطت نيران الحرب بنيران الفتنة وثمار النصر بثمار التنمية، وأصبح علىّ كقائد سرية فى حرب أكتوبر أن أنتظر ثلاثة آلاف عام حتى أصبح رئيسا لمصر»،ويضيف أيضا انهم ارادوا أن يعرف العالم أن الإدارة المدنية قد عادت إلى مدينة «القنطرة»، فتوجهت إلى أقرب محافظة وهى «الشرقية»، وأحضرت من هناك فى سيارتى مقدم شرطة وبضعة جنود ونصبت لهم خيمة أمام المعبر رقم (48) كتبت عليها (نقطة شرطة مدينة القنطرة) وأفهمتهم أننى سأتابع بنفسى وصول الوجبات الثلاث والمياه إليهم واحتفظ حينها باللافتة المعدنية المكتوب عليها اسم مدينة القنطرة بالعربية وبالعبرية كتذكار عقب معركة تحريرها . وأخيرا قرر القدر أن ينهى جلال عامر عقد احترافه مع الجيش المصرى، بالمعاش الطبى، ويقول فى رسالة لضابط جديد دفعة 2011: عزيزى الملازم بعد التحية مبروك أنت فى أول دفعة تتخرج فى كلية الشرطة بعد الثورة فانس تماماً كيف دخلت وتذكر فقط كيف تخرجت، فقد خرجناك قبل الموعد المحدد لأن الوطن يحتاج إليك فثق فى الله وفى شعبك وفى نفسك وارفع رأسك فوق لكن لا ترفعها قوى حتى لا يقع «الكاب».. واعلم أن قلوبنا تحيط بك وآمالنا معلقة عليك وأن فرحة الناس بتخرجك لا تقل عن فرحة أقاربك وأصدقائك وزملائك فأنتم دفعة «الثورة» التى صنعت الأمل.. فلا تخيب الرجاء وقدم لنا صورة مضيئة عن الضابط الجديد الذى يفضل الوقوف فى الشارع على الجلوس فى المكتب ولا يركب «الونش» الذكى الذى يشم عربات الغلابة من مسيرة شهر ويبتعد عن الأرقام المميزة ولا يحول «التخشيبة» حسب الطلب إلى روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ولا يبحث عن «منظر» ولا يتلاعب فى «محضر».. ولا تدخل لجنة انتخابات لأنه ممنوع على الضابط دخول الأماكن المشبوهة ولا تقترب من الصندوق لأن فيه سم قاتل وصوت باطل. واعلم أن المواطن الواقف أمامك هو واحد من الأسماء الخمسة (أبوك وأخوك وحموك وفوك وذو مال)، فلا تجامل الأخير وخذ أقوال الجميع ثم اعرضهم على النيابة وانس جدول الضرب واحفظ جدول «النوبتجية» وغنّى لأدوات التعذيب «أنا لن أعود إليكِ» حتى لا يصبح المواطن مثل «السردين» الذى يسبح آلاف الأميال فى المحيط حتى يصل إلى جزيرة «سردينيا» ليموت داخل القسم.. واحرص أن تكون «حضرة الضابط» الذى نحبه وليس «سعادة الباشا» الذى نكرهه لنصل معا إلى المواطن الصالح الذى يدخل القسم ب«موبايله» ويخرج منه ب«كرامته».. وفقك الله ورعاك وثبت على الطريق الدائرى خطاك وتقبل محبة شعب واحترام وطن وأمل أمة. فطرة الإبداع اختلاط رمال الصحراء، ودماء الحروب، وموج البحر، ودوى القنابل، وهدير الموج، شكلت مجتمعة حالة من الإبداع لن تعوض، فخطت يداه القصة القصيرة وفاز بجائزة القصة القصيرة عن قصته «مشوار» التى قدمها فى مسابقة نجيب محفوظ لأدب الحرب عام 1998، والتى كان قد كتبها بمناسبة مرور 25 عاما على حرب أكتوبر، وكان مواظبا على حضور ندوات نادى القصة وقتها وقاده قلمه لأن يكتب الشعر على استحياء، كتب المسرح وبرع فيه، وله عديد من المسرحيات التى لم تنشر ولم تتم إذاعتها، وقد صرح من قبل رامى جلال عامر بأن والده كتب مسلسلا إذاعيا منذ أكثر من 15 عاما بعنوان «الثور والخزف» إلا أن كتابة المقال هى التى ظلمته، فجعلته مرابطا لها وأبعدته عن كل الفنون ولكن رغم هذا ظل الملمح الأدبى يشكل عمودا أساسيا من أعمدة بناء مقالاته فها هو يجيد استخدام الحوار فى مقالاته بشكل يرتقى إلى اللغة المسرحية الأدبية، وربما كان كل هذا الفيض من الإبداع هو السبب الرئيسى فى براعته فى كتابة المقال بكل أشكاله، فكتب المقال الساخر، والفلسفى، والأدبى، دون الإخلال ببراعة المستوى وروعته، لقد كان الملمح الانسانى هو المسيطر عليه، فلم يكن يكتب المقال الطويل، ولم يكن يكتب كل المقال فى فكرة واحدة، ولم يستخدم الألفاظ والمصطلحات والتراكيبب الصعبة على القارىء، كان يعتمد على المزج بين الأفكار والمحاور، والجمع بينها فى سياق ساخر وبسيط، فيقول: «لازم نبقى خفاف شوية على القارئ، فكنت أكتب فى عمودى من خمس إلى ثمانى أفكار فلن أكتب فى موضوع واحد حتى لايموت القارىء منى»، فكان يكتب بالتداعى، مثل كل المصريين، يتحدثون بالتداعى الحر وبخفة ظل، حيث دوما كان يرى أن الضحك عمل إنسانى. فتجده يقول: غريب أن يدفع الشعب مرتبات من يعذبه، والأغرب أن يدفع مرتبات من ينافق حكامه، ولكل إنسان درجة انصهار ترتفع وتنخفض من شخص لآخر، فهناك من يبيع بسيجارة ومن يبيع بعمارة، وقليلون من الأحجار تعرف الاحتراق ولا تعرف الانصهار، ومع قلة الأحجار وارتفاع الأسعار لم يعد هناك من يقبل أن يكتب مقالة فى نفاق مسئول بعشرة جنيهات، وقتها سوف يدعى الشرف، فى إحدى الحفلات جلست امرأة على المائدة بجوار برنارد شو فسألها بهدوء: هل تقبلى أن تقضى معى ليلة بمليون جنيه إسترلينى؟ فابتسمت المرأة وقالت: طبعاً بكل سرور، فعاد وسألها هل من الممكن أن نخفض المبلغ لعشرة جنيهات فقط؟ فغضبت المرأة وصرخت فى وجهه قائلة: من تظننى أكون؟ فقال لها بهدوء: سيدتى نحن عرفنا من تكونين، نحن فقط نختلف على الأجر. ولم يذكر التاريخ اسم المرأة التى جلست على مائدة برنارد شو، لكن ذكر أسماء كثيرة جلست على مائدة الحكام. وأخشى لو خفضنا المليون التى يحصل عليها بعض كتاب ومسئولى الصحف أن يغادروا مائدة الحكومة ويتجهوا الى المعارضة. الصحافة بدأ جلال عامر الكتابة بشكل منتظم واحترافى عام 1999، حيث أن انتماءه للجيش أو المؤسسة العسكرية كان يقف حائلا دون الكتابة والتعبير عن رأيه، فما أن خرج على المعاش إلا وأمسك بأقلامه وأخذ يخط بها خطوطا لاذعة تعبر عن اشتياق للكتابة ونهم لها، بدأ فى جريدة التجمع التى تصدر بالاسكندرية وهى جريدة حزبية تابعة لحزب التجمع أصدرت عام 2000 وقامت بجهود بعض الكتاب أمثال إبراهيم السايح، وجلال عامر ومجدى الصيرفى، وأحمد الحصرى، وأمنية فهمى، وأحمد جودة، ودينا قدرى، وإلهام رفعت، وأحمد مجدى، وغيرهم الكثيرين وقد تميزت الجريدة بجرأتها ولهجتها الساخرة ونقدها اللاذع للحكومة وقتها، فقد كان يكتب بها صفحة كاملة كل اسبوع، تلى ذلك انضمامه الى جريدة الأهالى الشقيقة الكبرى للتجمع، والتى كان يكتب بها عمودا اسبوعيا تحت اسم تخاريف، وظل عامين يكتب على أوراقه، لتنتقل الى صفحات الجريدة دون مقابل، الى ان نال بعدها ما يقارب المائة وخمسين جنيه فى الشهر، ثم ذاع اسمه وتهافت الناس على موهبته، فكتبه فى جريدة البديل التى استمرت ما يقارب الثلاثة أعوام، وكان له عمود يومى تحت اسم الركن البعيد، وكأنه يقول للناس انى كائن منعزل، وللدستور نصيب من موهبته، فهاهى الدستور تحتضن الراحل جلال عامر، ويقوم الصحفى ابراهيم عيسى بأول تقدير معنوى لجلال عامر، فيقوم بالاشارة لما يكتبه الراحل فى الصفحة الأولى، ولا تنسى جريدة الأهرام أنها تشرفت بوجوده بها ولمدة اسبوع واحد ثم تركها، واستقرت رحال رحالة الكتابة الساخرة فى جريدة المصرى اليوم، وهى أول جريدة تقدر موهبته ماديا، وأثناء ذلك كتب جلال عامر فى جريدة الشرق السعودية اليومية، والعرب القطرية الاسبوعية، والطريق الفلسطينية. كتبه مصر على كف عفريت، كتاب صادر عام 2009، وصدرت منه طبعات عديدة، وهو محاولة لبحث حالة وطن كان يملك غطاء ذهب فأصبح من دون غطاء بلاعة. لماذا وكيف؟ فقد بدأت مصر «بحفظ الموتى، وانتهت بحفظ الأناشيد، لأن كل مسئول يتولى منصبه يقسم بأنّه سوف يسهر على راحة الشعب، من دون أن يحدد أين سيسهر وللساعة كام؟ فى مصر لا يمشى الحاكم بأمر الدستور، بل بأمر الدكتور، ولم يعد أحد فى مصر يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا أنبوبة البوتاجاز، فهل مصر فى يد أمينة أم فى إصبع أميركا أم على كف عفريت»؟ صفحات الكتاب محاولة للإجابة عن هذا السؤال الذى يفجر الضحكات على واقعنا المر، والمؤلم . كما صدر بعد وفاته كتاب «قصر الكلام» الذى كان قد بدأ الراحل جلال عامر الاعداد له الا ان القدر لم يمهله الوقت لاتمامه، يقع الكتاب، الذى اشرف على طريقه اخراجه جلال عامر قبل وفاته، فى نحو 500 صفحة، ويتضمن مجموعة من مقالاته، اضافه الى تغريداته الشهيره على موقع «تويتر»، وقد عكف ابنه رامى على الانتهاء من اعداد الكتاب، بعد رحيله مباشرة. السياسة برغم أنها كانت همه الأزلى، فإن المناصب لم تشغله، فلم يكن يحمل بين طيات محفظته إلا البطاقة، فلم يشترك فى حزب أو حركة أو جماعة أو نقابة، حتى أنه لم يدخل بقدميه إلى مبنى نقابة الصحفيين، إلا ان المشاركة الوحيدة له فى السياسة أو الحياة السياسية، كانت فور قراره بالترشح فى انتخابات برلمانية تكميلية عن دائرة الجمرك والمنشية بالإسكندرية عام 2008، ولم تكن نتائجها متوقعة بهذا الشكل، فقد حصل المرشح المغوار على ستة أصوات فقط مقارنة ب32500 صوت صحيح، والأنكى أن صوته لم يكن له، فلم يحصل على صوته شخصيا فقد استوقفه الأمن ومنعه من دخول لجنته الانتخابية، وبرغم هذه التجربة المريرة، فإنه أعاد الترشح مرة أخرى فى عام 2010، لكنهم أسقطوه مرة أخرى. كان وقت حملته الانتخابية يوزع أفكاره مكتوبة، وليست شعارات أو برامج، وكان يوزعها بنفسه، وكان يرفض كل فعل مشين، يقلل من قيمة الرجل المصرى، فكان يرفض وجود عربات تحمل صورته أو تردد شعارات عنه، فكان حريصا على مخاطبة عقول المصريين، والجدير بالذكر أنه رفض وجود أى بلطجى على باب اللجان الانتخابية حتى ولو على سبيل الحماية، فقد انسحب من انتخابات 2008 دون أن يقدم جواب انسحاب، وكان ذلك اعتراضا على ظهور البلطجية وقتها. الوصية أوصى جلال عامر قبل وفاته، بالتبرع بقرنيته كصدقة جارية عنه، وكان يتمنى أن تمنح قرنيته فرصة إعادة البصر لإنسان آخر، وخصوصا بعد أن رأى العديد من الشباب الذين فقدوا أعينهم بالميدان، وفى يوم وفاته وكعادة بلادنا، الإسعاف متأخر، الطرق شديدة الزحام، المراكز الطبية ضعيفة المستوى وقليلة الإمكانيات، وخصوصا فى طب وجراحة العيون، الأمر الذى حال دون تنفيذ وصيته. د. رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع اكتشفناه واكتشف نفسه فى الأيام الأخيرة من عمره، وهو الذى لم يكن يوما طالبا للشهرة، وكان يسخر دوما من نفسه قبل الآخرين ومن الواقع المظلم، وكان مرشحا نفسه فى انتخابات برلمان 2000 وكان على قائمة حزب التجمع، وأصدر بيانا قال فيه «لا تنتخبوا جلال عامر لأنه ضابط سابق ولا يمتلك سيارة وسيطلب منكم توصيله».. الأمر الذى تطلب منى أن أحدثه فى الهاتف لأستفسر عن البيان هل يقصده، فكان رده «وإيه فى البلد دى جد». وكرر ترشيح نفسه فى عام 2010 وكان مرشحا منافسا له أحد الوزراء السابقين وأصدر بيانا قال فيه «لا تنتخبوا جلال عامر وانتخبوا الوزير فجلال عامر ليس وزيرا ولا يمتلك نقودا مثله». «عامر» أثناء عمله مع جريدة الأهالى كان القراء دوما يقولون إنهم يقرأون الأهالى من صفحتها الأخيرة بسبب جلال عامر، حتى أن جريدة تناهض حزب التجمع عرضت عليه أن يكتب معها فرفض رغم أن المبلغ الذى كان معروضا عليه كبيرا وقال «لن أكون فى مقبرة تعادى حزب التجمع». وقبل يومين من وفاته اتصل عامر بى أثناء المعارك والاشتباكات التى حدثت بالإسكندرية مستنكرا إياها، وقال «مصر بقت وحشة أوى، المصريين بيموِّتوا بعض».. وتوفى بعدها عامر وتركنا نصارع العبث دون سخريته. د. سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية كل من كان يقرأ لعامر ويعرفه جيدا يفتقده فى هذا الوقت، خاصة أن الثورة المصرية تعيد ذكراها بعد أن اختطفت. كان قلمه وصوته جريئا جدا، ونحن الآن أحوج إليه من أى وقت مضى؛ لكننا على ثقة أن مصر ولادة، وفى القريب العاجل ستنجب من هو مثله. د. أحمد دراج القيادى بحزب الدستور كان كلمة صدق حقيقية من كاتب يرى أبعد من الجميع، لديه حس يتوقع به ما يحدث فى مصر، كان يملك حسا مرهفا لم يتحمل به ما حدث مع الشباب وإسالة هذه الدماء، رغم الغياب لا يمكن أن يمر يوم دون أن أقرأ له، ونأمل أن يكون نجله رامى خير خلف لخير سلف. حسام الحداد، ناشط سياسى سكندرى كان ابن الحارة المصرية بفقرها وطموحها ورقة قلبها. محاربا من الطراز الأول سواء كان بالكلمة أو البندقية. كان يعلمنا الحب والحياة فى مقهى الكريستال البسيط على شاطئ البحر، وكان دائما ما يقارن بين جالسى مقهى الكريستال ونزلاء فندق وندسور الفخم المجاور لها ويؤكد لنا أن من يحمل هَم هذا البلد هُم الجالسون على الكريستال لأنهم لا يملكون غيره، بينما الآخرون لديهم بدائل فى بلاد أخرى. كان واحة حب وثورة، وكان دوما ما يقرن بين الثورة والحب، فمن لا يعترف بالحب لن يعرف معنى الثورة. لم يرض عن وضع قط ولا عن حزب سياسى وكان يراهم محلات لبيع السياسة وليس لممارستها، وكان دائما ما يحذرنا من النخب وحساباتها، فكان إيمانه بالشباب وبالشارع أعمق من إيمانه بممارسى السياسة، لم يكن يقبل أو يجيد حسابات المكسب والخسارة فكان مثالا للتواضع والحب. محمد أبوالنصر، ناشط سياسى أعترف بأنى لم أكن من القارئين المتابعين لكتباته قبل الثورة، ولا بعدها إلا ما تيسر من مقالات وقعت تحت نظرى، لكننى أعترف له بالعبقرية، ومدى استطاعته توصيل الفكرة بجملة موجزة توضح الحال. وكم من مرة قرأت كلمات تسخر من مواقف تحدث أمامى وأكتشف أنه قالها منذ سنوات. رحم الله جراح الكتابة المصرية. محمد أبوعوف، روائى وكاتب سياسى سكندرى عم جلال عامر الغائب الحاضر دائما وأبدا اختزل العالم فى كلماته الموجزة وفى عباراته الملخصة لكل ما يدور من حولنا، كلماته تصلح لكل زمان ومكان، امتاز بقدرته الفائقة على رسم الابتسامة من قلب الحزن وأن يريك الضوء داخل الظلام، هو ذلك السكندرى الأب الروحى لكل شاب ثورى رأى فى كلماته معبرا حقيقيا عن آلامه وآماله، ولكل شخص أراد أن يعبر عما بداخله ولم يعرف كيف يعبر سيجد هذا فى كلماته التى تتداول الآن كأقوال الحكماء الخالدين. فاطمة ناعوت عن جلال عامر أوحشتنا «تخاريفك» أيها الفيلسوف هل مرّ عام على طيرانك أيها الكاتب المُلهَم، إلى حيث يطير المبدعون ولا يعودون أبدًا؟ ربما لأنهم يجدون أحلامهم ويوتوبياهم حيث يحطّون رحالهم فى أعلى العلا، فلا يفكرون مجددًا فى العودة إلى كوكبنا هذا المنذور للوجع والظلم والعنصرية والأنانية والحروب. هل وجدت يا عم «جلال» ذلك العالم الجميل الذى رسمتَه بقلمك وأحلامك وفرشاتك المرحة، فكان يرسم على وجوهنا البسمة الممزوجة بالوجع؟ أرقى البسمات وأطيبها، هى تلك المجدولة بخيوط الألم، لأنها تخزُ عقولنا بشوكة السؤال، مثلما تُطعم قلوبنا بثمرة الفرح. قتلك الهم والقلق على حبيبتك مصر، وأنت تنادى بسقوط العسكر فى مظاهرة غاضبة، فهل تعلم يا عمى أن العسكر قد سقط، وجاءنا من هو أسوأ منه؟ هل أتاك نبأ مصر الحزينة بحكم بشر لم يتعلموا حبّها؟ هل أخبرك الملائكة الطيبون الذين يحيطون بك الآن، عن عدد الشهداء الذين أسقطهم حكم المرشد الذى لا يقلّ سفكًا للدماء وظلما وفاشية وبطشًا واستهانةً بالوطن والمواطن من حكم العسكر، إن لم يزد؟ هل التقيتَ بهم؟ بتلك الأرواح التى صعدت للسماء بغدّارات النظام الحالى؟ التق بهم لينبئوك بالخبر. أوحشتنى كثيرًا يا عم جلال، وأوحشت قلب مصر الذى أحبّك وأحببته. أوحشت قراءك ومحبيك الذين مازالوا، وسيظلون، يضعون صورتك أفاتارًا لهم على صفحاتهم بتويتر وفيس بوك. أوحشتنا «تخاريفك» وقفشاتك الذكية. لكنك تركت لنا إرثك الثرى الذى سيظلّ يذكرنا بك ويربطنا بأفكارك وبقلبك بخيط متينة عُراه، لا ينفصم. كما تركت لنا قطعة منك. ابنك الكاتب الجميل رامى جلال عامر، الذى نهل قلمه المثقف من مدادك ومن مداد مصر. طوبى لك أيها المعلّم. فنمْ مستريحًا حيث أنت، ونحن نكمل المسيرة حاملين مشعلك. د. أشرف السويسى يكتب: إلى روح الكاتب «الساخن» العظيم ياعم «جلال».. يجعله «عامر» رحلت عمى الساخر.. ولم ترحل المسخرة بعد.. وحشتنى يا أستاذى العظيم.. وما هو أوحش من افتقادك الواقع الذى نعيشه الآن.. هذا الواقع «أوحش».. لا أقول لك ارجع إلينا وإنما أقول لك احمد ربك أنك لم تر أسوأ مما رأيته يوم قهرك الواقع الردىء فانفجر شريانك.. فعشت ساخرا ورحلت غاضبا. الواقع الذى نعيشه الآن كفيل بأن يميتك عشرات المرات.. أنت الآن فى «دار الحق» .. ونحن فى «دار حول نفسه» نلف مرة أخرى لنستعيد الثورة ونخترع العجلة من جديد. انتخب الشعب مندوبا من الجماعة «المحظوظة» بعد ما أيده 8 ملايين من الجماعة «المعصورة» وهى التى «عصرت» ليمونا على نفسها لتفاضل بينه وبين مندوب النظام السابق فلم نحصد سوى النظام السابق بلحية. من حسن حظك أنك لن ترى مندوب الجماعة فى الرئاسة فى جنة الخلد التى تسكنها، فقد حجز لنفسه بما خالف ونكث ونكص وكذب مكانا «فرست كلاس» فى جهنم، وهذا أيضا مصير كل من ضل من رفاقه فى الجماعة، وكما قيل فى سورة الكهف «ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا»، شوفت المرشد مذكور فى القرآن قبل كده؟ واقعنا يفوق سخريتك.. سبقت سخائم ومصائب مندوب الجماعة فى الرئاسة وأفرادها ومرشدها ورئيس وزرائهم ونائبهم الخاص- أقول سبقت كل ما كتبته أنت من سخرية لاذعة تصل حد اللا معقول والعبث.. لو كنت بيننا اليوم ما كنت تحتاج لتكتب السخرية وإنما كنت ستتحول إلى محرر إخبارى عادى فما تكتبه من أخبار محايدة عن هؤلاء هو عين الكوميديا التى تلامس حد المسخرة.. كل محرر أخبار الآن دون أن يقصد هذه الأيام هو كاتب ساخر لمجرد نقل الواقع غير الواقعى ودون جهد منه. ياعم جلال اكتشفنا أن معظم قضاة تيار الاستقلال وقت مبارك ما كانوا إلا خلايا نائمة للإخوان، بعضهم الآن فى الوزارات وآخرون من نال منصب نائب مندوب الجماعة فى الرئاسة، وبعضهم «شقلط» الدستور فى ليلة واحدة وقدم لنا نسخة «لجلج»، بعيد عنك وعن السامعين. مقام الرئاسة انتهى ياعم جلال وأصبح منصب الرئيس بفضل مندوب الجماعة الذى احتله بأصوات من عاندوا أنفسهم فى انحطاط وأصبح كل من هب ودب يعتلى سور القصر حتى هرب «المندوب» ذات مرة من الباب الخلفى.. والغريب أن موكب مندوب الرئاسة فاق موكب مبارك فى زمانه ياعم جلال، إن موكبه يبدأ من عند القصر الرئاسى وينتهى عندك ولا يستطيع أحد أن يحصى عدد مركباته المتعددة من كل الأنواع، حتى «التوك توك» الذى يعشقه مندوب الرئاسة والذى ناله منه التحية والإعزاز فور توليه الرئاسة «أقصد مندوب الرئاسة وليس التوك توك». عندنا الآن «جبهة إنقاذ» معظمهم ممن ضحك عليهم وخدعهم مسيلمة الكذاب حين وعدهم فى فندق «فيرمونت» وقال لهم أحلامكم أوامر بعد أن تنتخبونى وتساعدونى فى الوصول للقصر، فلما وصل قال لهم «أمكم فى العش ولا طارت؟». والآن يريد أن يلعب معهم لعبة الحوار فلم يجد «حوار حصاوى» يقبل اللعبة لأنه لن يجد من ينفذ ما تم الاتفاق عليه، مع أنى ياعم جلال أتذكر أن كفار قريش التزموا بصلح الحديبية ولم يخونوا العهد، ذاك لأنهم لم يسعدهم القدر بتقبيل يد المرشد من قبل، وهذا من حسن حظهم بالطبع، فعلى الأقل كفار قريش سوف يدخلون النار فقط ولن يوردهم الله مورد «جماعة المقطم» فى سقر والعياذ بالله. ولو رأيت «مقادير» صناعة الدستور المصرى بعد الثورة ياعم جلال لتوقفت عن الكتابة الساخرة، وكان يكفيك نقل فقرات منه فقط دون تعليق، وما نقص ذلك من قدرك السامق شيئا فقد شارك فى صياغته العديد من عباقرة الكوميديا والمسخرة فى زماننا. ولعلك لم تسمع عن الوقفات الموجهة المشحونة بالاوتوبيس إلى الميادين والتى سميناها بوحى سخريتك الجميلة «مليونية قندهار».. هؤلاء هم جماعة آمين ياريس.. هم المؤيديون دائما، هولاء ياعم جلال من صنعوا إله العجوة ولم يحن الوقت بعد ليأكلوه.. وهم أنفسهم من نهوا أنفسهم ونهونا أو حاولوا نهينا عن الخروج على الحاكم.. أىّ حاكم.. بموجب نصوص الأمويين فى كتب الدين.. تقديس المتغلب وكل من نال العرش سواء بالسيف أو بتزييف الإرادة بالصندوق.. نحن الآن فى مسخرة عافاك الله منها ياعم جلال وابتلانا نحن بها.. والان أيها العبقرى الساخر الفلسفى اسمح لى أن أحسدك لأول مرة فى حياتى؟ وهو حسد محمود.. هو أنك لم تر ما رأيناه بعد غيابك.. والآن أسألك بما أصبح لك من نفوذ فى العالم الآخر: أليس لديك واسطة لوسيلة تنقلنى إليك فى عالمك؟ فأنت تعرف أن الانتحار حرام.. والاتفاق مع قاتل محترف هو مشروع «فاكس»- بكس الكاف- يجعل المرء يموت نفسيا بل أن ينفذ القاتل مهمته. على العموم لدينا فتاوى إهدار دم المعارضين التى يصدرها أحفاد أبوجهل هذه الأيام، لعل لو نالنى منها نصيب يكون فيها الراحة من الواقع الصعب الذى نعيشه ويمنحنى ومتعه الصحبة معك. سلام ياعم جلال.. أرى الآن وأنا فى إحدى المظاهرات أحد ضباط الداخلية يوجه بندقيته ناحيتى.. يبدو أن قدومى إليك أصبح قريبا جدا.. آآآه. رسالة إلى زوجة شهيد زوجتى الحبيبة ...بعد السلام أكتب إليكى هذا الكلام ... لقد مر عام من بعد عام والان عرفتى بأن الجنود ... عادوا جميعا ولم أعود .. لنجلس سويا نعد النقود ... لفستان أميرة .. وبدلة هشام .. سافرت ياروحى .. روحى لبعيد .. وصارت حبيبتى .. زوجة شهيد .. طارت بدمه ..جنود الظلام لتلبس أميرة .. توبها الجديد .. وتلهو البراءة ببرج الحمام .. ووجه الشهيد يعود من جديد يمر ف زحام باب الحديد .. ودمع الشهيد .. نقطة مياه تمشى الهوين لتعطى الحياة .. لطفل مريض ... جلال عامر شعر - أكتوبر 2001 الوصية أوصى جلال عامر قبل وفاته، بالتبرع بقرنيته كصدقة جارية عنه، وكان يتمنى أن تمنح قرنيته فرصة إعادة البصر لإنسان آخر، وخصوصا بعد أن رأى العديد من الشباب الذين فقدوا أعينهم بالميدان، وفى يوم وفاته وكعادة ب ادنا، الإسعاف متأخر، الطرق شديدة الزحام، المراكز الطبية ضعيفة المستوى وقليلة الإمكانيات، وخصوصا فى طب وجراحة العيون، الأمر الذى حال دون تنفيذ وصيته. الوفاة الجمعة 10 من فبراير العام الماضى، خرج كعادته فى زمرة من خرجوا إلى ميادين وشوارع الإسكندرية، وصل إلى منطقة السيالة بالإسكندرية، ونشبت اشتباكات بين مؤيدى المجلس العسكرى وعدد من المتظاهرين، ورأى الرجل الذى كان يهتم بأمر الوطن والإنسانية، أبناء وطنه يتقاتلون، فلم يستطع قلبه احتمال هذا، فبعد أن كان الوطن يجتمع على قلب رجل واحد، تم تفتيت الناس، وإرساء العداوة بينهم، الأمر الذى جعله يعجل بترك الساحة، فتنحى جانبا وسقط على الأرض فى حالة إعياء شديد، أزمة قلبية نتيجة تقاتل المصريين، وفى 12 فبراير لم يستطع عم جلال مقاومة إحساسه بفشل الثورة، فقد كان يردد حينها، «حرام المصريين بيقتلوا بعض»، واستسلمت روحه لأمر خالقها، وغابت الضحكة عن أمواج الإسكندرية.