عيد أحمد خليفة إسماعيل 90 سنة بالتمام والكمال، وكل تجعيدة فى وجهه تحكى قصص وحكايات معظمها مع المواقف التي تعرض لها قبل وأثناء دفن الموتى، ومع ذلك فهو أمين للسر ولا يبوح لأحد بعلامات الغضب التي تظهر على وجه متوفى، ولكنه إذا رأى السرور والبشاشة فى وجه آخرين أثناء اللحد فإنه يحذر بعدم البكاء لأنه رأى نور يشع من وجه المتوفى . ويقول عم عيد، بدأت العمل فى هذه المهنة منذ 50 عاماَ ابتغاء وجه الله، وحصلت على تصريح لإقامة هذه الجبانة على مساحة 17 فدان وتقع أسفل منطقة جبلية بعزبة السنية بمنطقة كيما فى مدينة أسوان . وهذه المهنة تعب ومسئولية حيث أنني لا أستطيع قبول أي جثة إلا بعد الحصول على تصريح الدفن، وهناك ناس تنسى إحضار التصريح وآخرين يتأخروا فى اجراءات استخراجه ولكنى أصر الحصول على التصريح، وهذا يغضب بعض الناس من أهالي المتوفى الذين يريدون سرعة دفن الميت ومعهم حق ولكنى لا أريد أن أعرض نفسى للمساءلة القانونية ولا أقوم بدفن أي جثة إلا بالتصريح . ويأتي إلى بعض الناس ومعهم قدم أو زراع بترت فى حادث أو فى العمليات الجراحية لدفنها وأيضاَ يتم ذلك بتصريح رسمي . ويضيف هذه المهنة أعتبرها انسانية فى المقام الأول والمفروض على صاحبها أن يكون أمين لأسرار الموتى، فقد حدثت أمامي أشياء كثيرة ومع ذلك لا أبوح بها لأحد حتى أولادي وزوجتي لأنى أعتبرها أسرار ربانية ومعها القلب يحزن ولا أستطيع أن أمنع دموعي وهى تتساقط من عيني حين أقوم بدفن شباب فى مقتبل العمر أو أم تركت أطفالها الصغار أو من تركت الدنيا وهى ترتدى فستان زفافها الذى حل محله كفن الموت وكل هذا حدث بالفعل . ويتابع بيتي يبعد عن المقابر حوالى 100 متر ولذلك فأنا أقوم باستقبال جثث الموتى طوال 24 ساعة، وهناك ناس يستعجلون دفن الميت حتى ولو وصل الأمر فى منتصف الليل أو الساعات الأولى من الصباح، ويساعدنا على ذلك وجود عدد من أعمدة الإنارة داخل الجبانة وخارجها . عم عيد تمنى أن يخلفه فى هذه المهنة أحد أولاده، وبالفعل فابنه طارق الذى يعمل موظفاَ فى أوقاف أسوان يساعده فى الفترة ما بعد الظهيرة وأوقات الإجازات الرسمية فهو على خلق ومتدين وأمين على الأسرار . وعن المواقف التي لم ينساها عم عيد، يقول منذ 25 سنة حضر إلى الجبانة عدد كبير من المشيعين لجثة امرأة مضى على زواجها سنة واحدة، وعندما نزلت المقبرة الخاصة بها لدفنها وبدأت أكشف وجهها لكى أديرها ناحية القبلة واضع يدها الشمال فوق جانبها الأيسر شعرت أن هناك نبض فى يديها فقمت بزيادة التأكيد من اليد اليمنى ووجدت أن النبض يعمل وأخذت أكرر ذلك مرات عديدة وهناك قام أهل السيدة بالتحدث إلىًّ بصوت مرتفع ويستعجلونني فى إنهاء الدفن فقلت لهم انتظروا قليلاَ، وعادوا مرة أخرى يسألوني عن سبب التأخير فقام واحد منهم بتوجيه الشتائم واللعنات فقلت لهم هل تعرفون بيتي فرد أحدهم نعم، وهنا طلبت أن يذهب ويحضر عباية حريمي سوداء الخاصة بزوجتي فاعترضوا وقالوا كيف ستلبسها الأسود وأين الكفن الأبيض فقلت لهم أن هذه السيدة على قيد الحياة ففوجئت باثنين ينزلان القبر لكى يتأكدا وبالفعل فتحت عينيها وقالت "أنا فين" وقامت بارتداء العباية السوداء فى القبر المغطى ببطانية، وتبين بعد ذلك أنها كانت تعانى من غيبوبة سكر والعجيب أن الطبيب استخرج تصريح بالدفن، وهذه السيدة رزقها الله بطفلين بعد ذلك وهى كانت دائمة الحضور لهذا المكان لزيارتي ..