مع حلول فصل الشتاء وسقوط "أمطار الخير" بغزارة ، تبرز من باطن الصحراء فطريات لذيذة الطعم يغرم بها اهل الخليج بصفة عامة والكويت بصفة خاصة ، ويكون البحث عنها من البرنامج الاساسى لرحلاتهم التى يخرجون الى البر "الصحراء " الذى يعيدون فيه ذكريات الماضى وينعمون بالحياة البسيطة والهادئة ، وينتظر الجميع بدء موسم الامطار" الوسم "المرتبط بالرعد والبرق ، ليحصوا خمسين يوما قبل أن يبدأوا فى جمع ذلك الفطر . وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم " الكمأة من المن الذي انزله الله على بني اسرائيل وماؤها شفاء للعين " ، والكمأة أو الفقع تكون في الارض من غير ان تزرع ، وسميت كمأة لاستتارها ، ومنه فى اللغة كمأ الشهادة اذ سترها واخفاها ، وهو اسم لعائلة من الفطريات تسمى الترفزية ، وهو فطر بري موسمي ينمو في الصحراء بعد سقوط الأمطار بعمق من 5 إلى 15 سنتيمتر تحت الأرض ، ويستخدم كطعام ، وعادة ما يتراوح وزن الكمأة من 30 إلى 300 جرام ، ويعتبر من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية. ينمو الفقع أو الكمأ على شكل درنة البطاطا في الصحاري ، فهو ينمو بالقرب من نوع من النباتات الصحراوية قريبا من جذور الأشجار الضخمة ، كشجر البلوط على سبيل المثال ، شكله كروي لحمي رخو منتظم ، وسطحه أملس أو درني ، ويختلف لونه من الأبيض إلى الأسود ، ويكون في احجام تتفاوت وتختلف وقد يصغر بعضُها حتى يكونَ في حجم حبَّة البندق ، أو يكبُر ليصلَ حجم البرتقالة. وتسمى الفطريات من هذه العائلة بعدة أسماء منها الكماه أو الكمأة أو الترفاس أو الفقع ، ويسمى أيضا نبات الرعد ، لقناعة البعض أنه من فعل الرعد في أرض الصحراء ، عقب شتاء ممطر، لهذا يشيع موسمه في نهاية فصل الشتاء ، أو بداية فصل الربيع ، وعليه فقد تعارفوا على تسميته باسم نبات الرعد ، ويشتهر باسم الفقع في الدول الخليجية ، وخاصة السعودية ، وفي بعض البلاد بشجرة الأرض ، أو بيضة الأرض ، أو بيضة البلد ، أو العسقل ، أو بيضة النعامة. ويصف الحاج حمد الفهد الفقع فيقول إن منه عدة أنواع مثل الزبيدي ولونه يميل إلى البياض وحجمه كبير قد يصل إلى حجم البرتقالة الكبيرة ، والخلاسي ولونه أحمر وهو أصغر من الزبيدي ، وهو في بعض المناطق ألذ وأغلى في القيمة من الزبيدي ، والجبي ولونه أسود إلى محمرة وهو صغير جدا ، ومنه الأحمرُ وهو فقعٌ نادرٌ مرتفعُ الثمن ، وهناك نوع من الفقع قد يكون ساماً لمن يتناوله ، والتفريقَ بين السام وغير السام يُتقنه أصحاب الخبرة في الأمر ، ومنه الهوبر ولونه أسود وداخله أبيض وهو أردأ انواع الكمأ ، ويظهر قبل ظهور الكمأة الأصلية وهو يدل على أن الكمأة ستظهر قريبا . ويتواجد الفقع أو الكمأ عادة في المناطق الصحراوية أو شبه الصحراوية في منطقة البحر المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، وينمو بكثرة في السعودية والكويت ، الأنبار غرب العراق ، وبلاد الشام (البادية السورية، مدينة السخنة تحديدا) وشمال أفريقيا ، وفرنسا وإيطاليا ، ويعرف مكان الكمأة إما بتشقق سطح الأرض التي فوقها أو بتطاير الحشرات فوق الموقع ، تتكون من مستعمرات قوام كل مجموعة من عشر إلى عشرين حبة ، ويوجد على سطح الكمأة تشققات تمتلئ عادة بالتراب ، وإذا لم يجمع الفقع فإنه يتحول إلى تراب. وأفضل وقت للبحث عنه هو عند الفجر أو الأصيل حين تكشف أشعة الشمس الخفيفة أي تغير بسيط يعتري سطح الرمال ، وينمو تحت سطح الأرض على أعماق متفاوتة تصل ما بين 2 سم إلى 50 سم ، ولا تظهر له أجزاء فوق سطح الأرض على الإطلاق ، فلا ورق ، ولا زهر، ولا جذر له ، وعند العثور عليه يجب حفظه في مكان مظلم وبارد ، والأفضل وضعه في سلة وعدم وضعه في كيس بلاستيكي لتجنب فساده وتغير مذاقه. وعن مكونات الفقع او الكمأ يشير الباحث والاستاذ في علم التغذية الدكتور محمد سالم الى أنه تبين من تحليل الكمأة احتواؤها على البروتين بنسبة 9% ، ومواد نشويه بنسبة 13% ، ودهن بنسبة 1% ، ولهذا فهو ذو مردود حراري متواضع ، وثلاثة أرباعه (75%) من الماء ، وتحتوي على معادن مشابهة لتلك التي يحتويها جسم الإنسان مثل الفوسفور والصوديوم والكالسيوم والبوتاسيوم ، كما تحتوي على فيتامين "ب1، ب2" وهي غنية بفيتامين أ ، كما تحتوي على كمية من النيتروجين بجانب الكربون والأكسجين والهيدروجين ، وهذا ما يجعل تركيبها شبيها بتركيب اللحم ، وطعم المطبوخ منها مثل طعم كلى الضأن ، أضفْ إلى هذا رائحةَ الفقع المحببةَ وطعمَه الأشهى ، مما يغري الكثيرين بالإقبال عليه مهما غلا الثمنُ وارتفع. والكثير من الناس يهوون التهامه ويستطيعون تعاطيه ، وينتظرون موسمه بشغف مميز ، لا بل إن بعضاً منهم قد يَختزِنُه لأيام لا فقعَ فيها ، وقد تفنَّنوا في طهيه وإعداده أشكالا وأصنافا ، ويعد الفقعُ طعاماً معروفاً مألوفاً ، بل إنه طعامٌ شهيٌّ مرغوب في كثير من بلدان العالم الشرقي ، والعالم الغربي معا ، إذ نجد أنهم في فرنسا يجمعونه ويفخرون أن فطرَهم من أجود أنواع الفطريات ، لهذا فهم يجمعونه ويستهلكونه وقد يصدرون منه ، وتقول أرقام الإحصائيات عندهم إن إنتاجهم من الفقع يتراوح بين مئتي طن وثلاثمئة ، كما يشتهر الفرنسيون بجمعه ، ودربوا لجمعه كلاباً خاصَّةً تتعرف عليه من رائحته المميزة ، ويرجع البعض انتشاره في قارة أوروبا منذ القرن الرابع عشر للميلاد إلى الاسبان أولاً ، في ما يخُصُّ آخر الطليانَ بهذا الفضل ، فهم يألفون نوعاً من الفقع أبيض اللون ولكنَّه فقعٌ أدنى قيمة غذائية من سواه. وللفقع أو الكمأة فائدة غذائية عالية تبعث على النشاط والحيوية لدى الرجال والنساء كونه غذاء مفيدا ويحتوي على مضادة الاكسدة التي تقاوم اتلاف غشاء خلايا انسجة اجهزة الجسم ودخول السموم الى داخل الخلايا ، التى تؤدى الى اضعاف عمل جهاز المناعة فتضعف مقاومة أجهزته للأمراض ، وهو غني بالألياف النباتية والتي تجعله يساعد في تخفيض الكوليسترول المرتفع في الدم وفي جسم الانسان فتحميه من الاصابة بتصلب الشرايين الذي يتسبب في ارتفاع ضغط الدم والاصابة بأمراض الشريان التاجي مثل الذبحة الصدرية والأزمات القلبية . ويؤكد الباحث والاستاذ في علم التغذية الدكتور محمد سالم القيمة الغذائية العالية للفقع لاحتوائه 20 في المئة بروتينا من الاحماض الأمينية الاساسية التي لا يستطيع الجسم ان يصنعها وذات القيمة الحيوية العالية ، ومحتوى الدهون في الفقع قليل وهي من الاحماض الدهنية غير المشبعة التي لها دور حيوي في تحسين الصحة ونشاط الجسم وتعمل علي ليونة الشرايين والمفاصل وزيادة مناعة الجسم ، اضافة الى غناه بالميلاتونين المسؤول عن رفع كفاءة النشاطات الحيوية للجسم ويزيد من قدرته على مقاومة الامراض ونشوء الاورام والسرطان ، ويحمي الحمض النووي من التلف وبذلك يحمي الجينات الوراثية من ان تشذ وتمنع الانقسام الشاذ غير الطبيعي للخلايا. والامر المدهش ان المعادن الموجودة في الفقع هي نفس المعادن الموجودة في جسم الانسان اللازمة للصحة والنشاط والحيوية والنمو وصيانة اجهزته ومنها البوتاسيوم والكاليسوم والفسفور والحديد والزنك والنحاس ، ويحتوى على البروتينات ذات القيمة الغذائية العالية ، والكالسيوم والفسفور يمنع الاصابة بهشاشة العظام ، ويحمي من تشقق الشفتين واضطراب الرؤية وسقوط الشعر، واستخدم قشره بعد التجفيف في الشمس لمدة عشرة ايام لإزالة الحروق وندبها. اما ماء الفقع فأكد الطب الحديث انه شفاء للعين كما جاء في الحديث الشريف ، فقد اجريت دراسة اكلينيكية على مرضى مصابين بالتراكوما الذي يصيب العين وكان مرضا منتشرا في المنطقة العربية ومضاعفاته كانت خطيرة جدا في مراحلها المختلفة ، مستخدمين ماء الكمأة في نصف المرضى والمضادات الحيوية في النصف الآخر، وقد تبين ان ماء الكمأة ادى الى نقص شديد في الخلايا الليمفاوية وندرة في تكوين الألياف بعكس الحالات الاخرى التي استخدمت فيها المضادات الحيوية.