«التأسيسية» تمنح المؤسسة العسكرية صلاحيات غير محدودة.. وتخرج قناة السويس من الرقابة الجهاز المركزى: الجمعية تجاهلت دعاوى قضائية وحصنت مؤسسات لصالح أشخاص بعينها نجاد البرعى: يشتمل على مواد «مفخخة» سيكتشفها الشعب فيما بعد.. وحبيب: يسمح للرئيس بعزل أى موظف فى الدولة منح دستور «الغريانى» بعض مؤسسات الدولة حصانة، تخرجها من دائرة الرقابة، الأمر الذى وصفه خبراء بأنه يمهد لعودة النظام الديكتاتورى، بشكل أسوأ مما كانت عليه فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك. الأمر الذى قلّص الرقابة التى منحها دستور عام 1971 وتعديلاتة للجهاز المركزى للمحاسبات، ما يزيد من تفاقم الفساد فى الدولة، التى قامت بثورة للقضاء عليه. وهاجم خبراء تحصين «دستور الغريانى» لمؤسسات مهمة فى الدولة، وحرمان الجهاز المركزى للمحاسبات من الرقابة عليها. الأمر الذى يضع علامات استفهام حول إصرار الإسلاميين على تمرير «دستور الغريانى» الذى يخلق فراعنة جددًا، لا يقبلون الرقابة على ميزانياتهم، فى الدستور الذى رفضه غالبية القوى السياسية. مطالبين بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع دستور يليق بمصر فى أعقاب الثورة.
المؤسسة العسكرية فى الدستور نص دستور 1971 على أن «الدولة وحدها هى التى تنشئ القوات المسلحة، التى تعتبر ملكية للشعب كله، وتسهر على حماية أمنه وأراضيه، وأنه يحظر على أى جماعة أو هيئة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، وأن مجلس الدفاع الوطنى هو الجهة التى تختص بالنظر فى الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد، وأن القضاء العسكرى قضاء مستقل تحدد اختصاصاته طبقًا لأحكام القانون». غير أن دستور «الغريانى» نص فى مادته «195» على أن: «وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعيّن من بين ضباطها»، وهى المادة التى شهدت الكثير من الاعتراضات للمطالبة بأن يكون وزير الدفاع مدنيّا فى ظل التحوّل الديمقراطى بعد الثورة، وأغفلت مشروع القانون ميزانية القوات المسلحة، حيث اكتفت بوضع جملة: «تدرج ميزانية القوات المسلحة فى ميزانية الدولة، ويأخذ رأيه فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة»، الأمر الذى جعل من ميزانية الجيش «مبهمة». وأغفل الدستور الجديد «إجبار الجنود على العمل فى أعمال لا تتعلق بالجندية»، حيث اكتفى بالنص على: «ينظم القانون التعبئة العامة، ويبيّن شروط الخدمة والترقية والتقاعد فى القوات المسلحة». فيما نصت المادة «197» على: «ينشأ مجلس للدفاع الوطنى، يتولى رئيس الجمهورية رئاسته، ويضم فى عضويته رئيس مجلس الوزراء، ورئيسى مجلسى النواب والشورى، ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية ورئيس المخابرات العامة ورئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوى ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، ويختص بالنظر فى الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، ومناقشة موازنة القوات المسلحة، ويجب أخذ رأيه فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، ولرئيس الجمهورية أن يدعو من يرى من المختصين والخبراء لحضور اجتماع المجلس دون أن يكون لهم صوت معدود»، الأمر الذى يجعل من العسكريين مسيطرين على المجلس: «8» مقابل «6» مدنيين. وأغفل الدستور اختصاص المجلس التشريعى بالاعتراض أو التعديل على موازنة القوات المسلحة، ما يحقق للقوات المسلحة (الحصانة) التى طالب بها العسكريون، فيما نصت المادة «198» على: «ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبيّن اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى». وهو ما يتعارض مع المادة «75» التى نصّت على: «لا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى، وبذلك يكون حصد المجلس العسكرى نصيب الأسد من الدستور». وقال الدكتور يحيى القزاز، أستاذ الجيولوجيا والناشط السياسى بحركة كفاية وحركة 9 مارس: من المفترض أن يكون وزير الدفاع «مدنيّا وليس عسكريّا»، وهذا ما يجب أن يكون فى النظام الديمقراطى. مشيرًا إلى أن وزير الدفاع فى فرنسا «امرأة». مضيفًا: دساتير الثورات لا ترضى جميع الأطراف، الأمر الذى لو كان بمصر يُحدث أزمة ثقة وأزمة مجتمع يبحث عن الاستقرار، إضافة إلى أزمة صنعتها جماعة تحاول أخونة الدولة. وطالبت هالة عبدالقادر، المحامية، بإخضاع ميزانية القوات المسلحة للرقابة من قِبل الجهاز المركزى للمحاسبات. مؤكدة أن «عدم إخضاع المؤسسة العسكرية للرقابة يشير إلى وجود نوايا «غير محمودة» لتوسيع صلاحيات المجلس العسكرى، وعودة هيمنة المؤسسة العسكرية، ما يمهد لحدوث كارثة حقيقية». مؤكدة أن «المؤسسة العسكرية، مؤسسة من مؤسسات الدولة لابد أن تخضع للرقابة دون تمييز، على حد قولها». وقال الدكتور حسين مقداد، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة حلوان: «المؤسسة العسكرية حصلت على نصيبها بالكامل من الدستور الصادر، فيحافظ الدستور على سرية الميزانية الخاصة بها التى ستناقش على نطاق ضيق من مجموعة مصغرة من البرلمانيين».
تحصين حسابات العاملين بقناة السويس ضد الرقابة تتبع قناة السويس قانون المؤسسات العامة رقم 30 لسنة 1975 الذى نص على أن «قناة السويس هيئة عامة تتمتع بالشخصية الاعتبارية، ومستقلة تخضع لأحكام القانون وحده، ولا تسرى فى شأنها أحكام القانون رقم 61 لسنة 1963 الخاص بالهيئات العامة، وتكون للهيئة ميزانية مستقلة تتبع فى وضعها القواعد المعمول بها فى المشروعات التجارية، مع عدم الإخلال برقابة الجهاز المركزى للمحاسبات على الحساب الختامى». معتبرا أن «أموال الهيئة أموال خاصة». وأغفل «دستور الغريانى» مراقبة الجهاز المركزى للمحاسبات لحسابات صندوق العاملين للقناة، ما دفع «المركزى للمحاسبات» لرفع دعوى قضائية طالب فيها بإخضاع الصندوق لرقابة الجهاز، وأغفل «الغريانى» تداول الدعوى بالمحاكم، ولم يتطرق للأمر من قريب أو بعيد. وحذّرت هالة عبدالقادر، المحامية والناشطة الحقوقية، من خطورة عدم إخضاع حسابات قناة السويس لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، قائلة: «كيف تكون قناة السويس واحدة من أهم مصادر الدخل القومى لمصر وتشارك بنصيب كبير فى الاقتصاد، ورغم هذا لا تخضع للرقابة ويتم تجاهلها بهذا الشكل الكبير فى الدستور الأمر الذى ينم عن وجود نية سيئة للتلاعب بدخل قناة السويس؟!»، مطالبة بضرورة إخضاعها لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، نظرًا لأهمية هذا المؤسسة التى تعتبر المصدر الأول للدخل القومى فى مصر. وأكد الدكتور محمود الخيال، أستاذ القانون المدنى بجامعة حلوان، أن «الدستور يضع قواعد عامة باعتبار الدستور مجموعة من القواعد التى تحكم نظام الدولة، وتبيّن السلطات العامة فيها ونظام الحكم وغير ذلك، غير أنه أغفل الهيئات الاعتبارية، وطريقة التعامل معها ورقابة المركزى للمحاسبات عليها، باعتبارها تخضع لقوانين تحدد عملها، والتى من بينها قناة السويس». وقال الدكتورحسين مقداد، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق جامعة حلوان: «قناة السويس لم تدرج فى الدستور، لأنها هيئة تابعة لوزارة المالية، ولا يوجد أمر يدفعنا لإدراجها فى الدستور، لأنه لا يوجد خطر يهددها أو شىء ينتقصها وليست متجاهلة عمدًا، حيث إن الدستور ليس مكانًا لوضع كل المواد المتعلقة بالهيئات، ما يجعلنا نؤكد أن هناك مبادئ كلية يتضمنها الدستور، فيما تتضمن القوانين الأمور الفرعية والتفصيلية التى تصدر عن البرلمان. وقال الدكتور محمد الميرغنى، أستاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة عين شمس: «لم يتعرض الدستور الجديد لقناة السويس»، مؤكدًا أنها لا يجب أن تخضع لرقابة أى هيئة أو جهاز رقابى، ويجب التعامل معها مثل أى مؤسسة أو شركة خاصة». قيود «الغريانى» تغل يد المركزى للمحاسبات وضع دستور «الغريانى» قيودا على الجهاز المركزى للمحاسبات غلت يد أعضائه، بعدما قلّص صلاحياته فى الرقابة على الأموال الخاصة، التى كانت تنص على رقابة الأموال العامة والخاصة، ونصت «المادة 205» فى دستور 1971 على: «يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات الرقابة الشاملة على الأموال العامة للدولة وحمايتها والرقابة المالية على الجهات الأخرى التى يعهد بها إليه، ومراقبة تنفيذ الميزانية العامة والميزانيات المستقلة، وذلك كله على الوجه المبين فى القانون»، وهى المادة التى عدلت إلى: «يتولى الجهاز المركزى للمحاسبات الرقابة على أموال الدولة والجهات الأخرى التى يحددها القانون»، وهو ما دعا موظفين بالجهاز لانتقاد المادة التى أغفلت «الأموال الخاصة» ما يعنى تقليص دور الجهاز المركزى كان يجب أن يكون النص: «الرقابة على الأموال العامة والخاصة». وطالب أعضاء بالجهاز بتعديل «المادة 195» الخاصة بإنشاء مجلس الدفاع الوطنى، والذى أغفل فى تشكيله عضوية رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات رغم اختصاص المجلس بمناقشة ميزانية القوات المسلحة، التى تخضع لرقابة الجهاز. كما طالب بتعديل «المادة 179» الخاصة بهيئة النيابة الإدارية التى قال إنها تثير «اللبس حول الاختصاص الممنوح لها بضبط أداء المرافق العامة وتعارضه مع الاختصاص التاريخى للجهاز المركزى للمحاسبات، بفحص اللوائح المالية والإدارية، ما يعنى تعارضًا بين جهة عمل الهيئة والجهاز». ونصّت «المادة 202» فى دستور 1971 على: «يعين رئيس الجمهورية رؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة بعد موافقة مجلس الشورى، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يعزلون إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس، ويحظر عليهم ما يحظر على الوزراء»، وهو ما لم يبدُ واضحا فى دستور «الغريانى» التى خلت من أى إشارة لتحقيق مطالب الجهاز بمتابعة «ميزانية القوات المسلحة وكذلك النقابات، بالإضافة إلى إلغاء الرقابة على قناة السويس والبنك المركزى، والصحف، والأحزاب». وأكد نجاد البرعى المحامى والناشط الحقوقى، أن دستور الغريانى وضع عدة مواد «مفخخة» تمثل خطرًا على المواطن العادى والمجتمع بشكل عام، سيتضح أثرها فيما بعد، مطالبا بضرورة تعديل هذه المواد بشكل يمكن قبولها. وأوضح «البرعى»: «إذا اشتمل الدستور على مادة واحدة معيبة أو لا تصلح، فيجب عدم قبوله، لأنه دستور الدولة الذى يجب أن يكون كاملا وصحيحا دون نقص أو خطأ». وطالب الدكتور محمد الميرغنى، أستاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة عين شمس، بضرورة خضوع جميع مؤسسات الدولة للرقابة، مضيفا: «لكن يجوز تخفيف الرقابة على بعض مؤسسات الدولة خاصة المؤسسة العسكرية، وألا تكون الرقابة عليها مطلقة، باعتبار أن ميزانيتها تكون خفية بعض الشىء، مثلها مثل جهاز المخابرات، ومؤسسة الرئاسة، واللتان لا تخضعان للرقابة المطلقة». وأكد أن رقابة الأموال التى تنفق فى الدولة واجبة لأنها تعتبر أموالا للشعب، مشيرا إلى أن الوضع الحالى فى البلاد يسمح بقبول بعض المواد فى الدستور، التى تمنح بعض الهيئات مرونة فى الرقابة على ميزانيتها مثل المؤسسة العسكرية، مشددًا على أن يكون ذلك بشكل مؤقت، للخروج من الأزمة الحالية. حصانة ظاهرية للجهاز اتهم ياسر حبيب، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، واضعى الدستور، بوضع مواد تسمح لرئيس الجمهورية، بعزل أى شخص لا يروق له، مؤكدًا أن الجمعية التأسيسية منحت الجهاز استقلالا ظاهريا ومقيدا للهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، وفى مقدمتها الجهاز المركزى للمحاسبات، حيث نصّت «الماده 200» من باب الأجهزه الرقابية على: «تتمتع الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بالحياد والاستقلال الفنى والإدارى والمالى». فيما نصّت «المادة 202» على «تعيين رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الشورى لهم ويعزلون بموافقته»، ما يجعل رقابة الجهاز على مؤسسة الرئاسة ومجلس الشورى، مقيدًا وغير محايد، وسيتم حجب التقارير المحرجة لها عن المخالفات المالية، التى ارتكبتها فى حق مال الشعب فضلا على إمكانية عدم فحصها أصلا ورقابة تصرفات الرئيس والمجلس فى إدارة أموال الدولة. وأرجع السبب إلى أن المادة 202 تجعل ولاء رئيس الجهاز يكون للسلطه التى تعينه وتعزله طمعا فى الاستمرار فى المنصب، طبقا لنصوص الدستور، الذى من المفترض أن يستمر لمدة طويلة، ما يمثل خطورة كبيرة على سير العمل بالجهاز. وأكد أن تبعية الجهاز لرئيس الجمهورية وفقا للقانون الحالى، الذى مازال معمولًا به رقم 144 لسنة 1988 خلقت تلك الأخطاء، فلم يتم فحص مؤسسة الرئاسة فى العهد السابق ومجلس الوزراء، وحجبت تقارير الجهاز المحرجة لرئيس الجمهورية السابق. مضيفا أن أصدق دليل إخطار الجهاز للسلطات المعنية بعد الثورة عن هذه الأخطاء، لكنها مازالت محل تحقيق، من قبل النائب العام والنيابة الإدارية والرقابة الإدارية. موضحا: «من غير المنطقى أن يأتى دستور الثورة يدعم ويساند هذه الأخطاء بدلا من معالجتها». وقال إن «الضروره تقتضى أن يتم تعيين رئيس الجهاز بمنأى عن السلطات التى يراقب عليها، وبما أن الجهاز يراقب على كل سلطات الدولة الثلاث من حيث تحصيل وإنفاق أموال الدولة التى هى ملك الشعب، والصحيح أن يتم تعيينه وفقا لآلية المادة 173 من الدستور مثل النائب العام». وأكد «حبيب» أن الأمر لم يقتصر على ضرب استقلال الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة، وعلى رأسها الجهاز المركزى للمحاسبات، باعتباره الجهاز الأعلى للرقابة والمحاسبة، حيث طالت المادة «204» استقلال الجهاز بإنشاء «المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد للإشراف على الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة رغم مخالفة ذلك لاتفاقية الأممالمتحدة والتى وقّعت عليها مصر فى 2006». وطالب بخضوع أموال المفوضية لمكافحة الفساد لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات عملا بنص المادة 205، منعا للتداخل. مضيفا: «كيف يراقب الجهاز على المفوضية وهى التى تشرف عليه؟ وكيف يراقب الجهاز على رئيس الجمهورية ومجلس الشورى؟ رغم تعيين رئيس وأعضاء المجلس من قبلهم؟».