تجربتى مع الحجاب بدأت مع الاختلاف والرغبة فى التميز التى تتكون لدى الشباب فى سن المراهقة، يوجد نوعان من الأشخاص، أحدهما يحب أن يكون متميزًا جدًا لدرجة كسر التقاليد والأعراف، والآخر يكون منطويّا جدًا، يشبه الجميع كى لا يكون شاذًا عن المجموعة. كنت من النوع الثانى فارتديت الحجاب فى المرحلة الثانوية، لأن معظم بنات مدرستى ارتدين الحجاب بسبب موجة الدعاة فى التليفزيون ممن كانوا يتحدثون عن الموت والعذاب فى القبر، بالإضافة إلى أننى رأيت فى الحجاب توفيرًا لمجهود الاهتمام بشعرى كل يوم فى وقت أردت تركيز كل طاقتى فى الثانوية العامة، وحينما التحقت بإحدى الكليات بمحافظة أخرى غير محافظتى، راودتنى فكرة خلع الحجاب، لكنى لم أستطع لأنى خفت من الناس يقولوا علىّ إنى لما سافرت بعيداً عن أهلى عيارى فلت وقلعت الحجاب. وككل البنات فى الوقت ده كان يهمنى جدا الناس بتقول علىّ إيه لأنى كنت متخيلة إن كلمة واحدة علىّ ممكن توقف سوقى وما اتجوزش.
فترة الكلية كنت أحيانًا ألبس واسع وطويل لأنى محجبة وشوية أشتاق ألبس جينز وتى شيرتات مع الحجاب وأحس إنى بألبس ع الموضة.
إلى أن بدأت موضة الإسدال – الجلباب - وانسقت وراءها لأنها كانت محببة إلى فتيات كثيرات فى هذا الوقت ولم يتبق لى سوى خطوة واحدة على النقاب وهى فقط أن أغطى وجهى، ومع أول عريس طلب منى تغطية وجهى وافقت على الفور.
ولم يمر وقت طويل وانفصلت عن زوجى لاختلاف وجهات النظر بيننا واضطررت للنزول إلى ساحة العمل ولأن مهنتى تعتمد فى الأصل على التواصل بين البشر فكان يجب على الأقل أن يرى الناس وجهى وأنا أتعامل معهم فبادرت بخلع النقاب.
هنا قابلت انتقادات صارخة من بعض أقاربى، أتذكر حين قابلتنى إحدى قريباتى وأنا متوجهة إلى عملى فى الصباح وقالت لى:ايه اللى انتى عملتيه فى نفسك ده؟ هو اللى يتطلق يمشى على حل شعره؟ وهى لم تكن منتقبة فرددت عليها بكل ثقة: اللى أنا عملته فى نفسى زى اللى انتى عاملاه فى نفسك. وقتها كانت فكرة خلع الحجاب قد بدأت تتكون فى عقلى، واديتها كام تعليق من دول: بعد الثورة تعلمت أن الأخلاق ليست بالمظاهر ولا بالشكل، وتعلمت أن من يحكم على الناس بالظاهر هم فعلا قليلون، ولا نحتاجهم داخل حياتنا، فبادرت بخلع الحجاب تدريجيا متحسسة ردود فعل من حولى، وفى الحقيقة وجدت كثيرين شجعونى على هذه الخطوة التى ساعدتنى فى التواصل أكثر فى عملى وزادتنى ثقة فى نفسى ومنحتنى قدرة على التمييز بين الأشخاص الأسوياء الذين يحكمون على الناس من قلوبهم وعقولهم وليس من غطاء رأسهم أو وجههم، أما من رفضونى فقد تعمدت تجاهلهم.
أكثر ما يضايقنى هو اتجاه البعض للانتقاص من قيمتى الدينية أو الأخلاقية لمجرد أنه لا يوجد إيشارب على رأسى، مع أننى نفس الفتاة ومن الممكن جدًا أن أعاود ارتداء الحجاب فى يوم من الأيام.