يعد دكتور نصر حامد أبوزيد واحدا من أشهر رواد تجديد الخطاب الدينى فى مصر والعالم العربى، بما قدمه من كتابات فى الفكر الإسلامى والدينى ومعارضته سلطة النص المطلقة، تلك التى أدت إلى صدور قرار من محكمة الأحوال الشخصية بتطليقه من زوجته الدكتورة ابتهال يونس، أستاذة الأدب الفرنسى فى جامعة القاهرة، بعد أن اعتُبر مرتدا عن الإسلام، فاضطُر للجوء معها إلى هولندا إثر هذا الحكم. على أثر تقديمه أبحاثا بعنوان «نقد الخطاب الدينى» للحصول على درجة الأستاذية تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة أبرزهم رئيسها د. عبدالصبور شاهين، الذى اتهم فى تقريره أبوزيد بالكفر، وحدثت القضية المعروفة التى انتهت بنفيه منذ 1995 بعد حصوله على درجة أستاذ بأسابيع. ظهرت أبحاث أبوزيد فى فترة التسعينيات التى شهدت موجة «أسلمة» مفاجئة اجتاحت المجتمع المصرى؛ فبعد أن قطعت مصر شوطا لا بأس به فى طريق الحداثة، إلا أنها ارتدت على أعقابها فجأة إلى خطاب دينى «وهابى» أجهض كل أشكال التفكير النقدى والتقدمى.
أبوزيد أرجع انتشار تلك الموجة إلى ما أسماه نفوذ «البترو دولار» القادم من الخليج، إذ يقول: «ذهب الكثير من العرب إلى دول الخليج لأسباب اقتصادية ثم عادوا متأثرين بالمذهب الوهابى.. وكانوا يفكرون أن «هؤلاء الناس أثرياء لأنهم مسلمون جيدون».. ومنذ ذلك الوقت أصبح الدين هو الإطار المرجعى الوحيد فى المجتمع المصرى؛ لقد أصبح كل المجتمع أكثر إسلاموية».
مضيفا فى تحليله لوضع المجتمع: «المساجد ممتلئة.. بدأت النساء يتحجبن.. مؤسسات الدولة أصبحت أكثر إسلاما، لكن كل ذلك لا يعدو كونه تدينا يفتقر إلى البعد الروحى، خال من أى روح، فى نفس الفترة استشرى الفساد. يذهب الناس إلى المساجد، لكنهم عندما يغادرونها إلى الشوارع يكذبون ويغشون، ودخلت السلطة والمعارضة فى تنافس حامى الوطيس لإثبات أى منهما أكثر تدينا «إسلاما»، وهو ما ساعد على تفشى ظاهرة تكفير الآخر حتى باتت تلك التهم تظهر بشكل يومى».
يبدو حديث أبوزيد فى التسعينيات وكأنه يصف حال المجتمع فى العقد الثانى من الألفية التى نحياها، لم يتغير الكثير، مازال الناس يذهبون إلى المساجد، ومازال الفساد طاغيا، لكن أبوزيد هو من غاب عن الصورة!.