جامعة القاهرة تبدأ فعاليات خطتها لتنفيذ المبادرة الرئاسية «تمكين»    أحمد مالك يكشف حقيقة ارتباطه    غدا.. مؤتمر جماهيري للجبهة الوطنية بالبحيرة    وزيرا الزراعة والتنمية المحلية يتفقدان مشروع الإنتاج الحيواني بالوادي الجديد    استقرار اسعار الأسمنت ومواد البناء اليوم السبت 25اكتوبر 2025 فى المنيا    طرح 1128 قطعة أرض صناعية كاملة المرافق في 16 محافظة    تطوير شبكة الطرق لتحقيق نقلة نوعية في البنية التحتية بالبحيرة    الدفاع الروسية: توجيه ضربة مركّبة لمواقع الطاقة ولوجستيات قوات كييف    الهلال الأحمر المصري يواصل تجهيز مئات الأطنان من المساعدات ل غزة    الرئيس السيسي يبحث مع رئيس أركان الجيش الباكستاني تعزيز التعاون العسكري وجهود دعم الاستقرار الإقليمي    منح الصحفية الشهيدة مريم أبو دقة جائزة أبطال الصحافة لعام 2025    مخططات إسرائيلية للاستيلاء على أراضي في الأغوار ومحيط القدس    تشكيل مانشستر يونايتد أمام برايتون في البريميرليج    ماريسكا يعلن تشكيل تشيلسي أمام سندرلاند في البريميرليج    مواعيد مباريات اليوم السبت في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    نجم بتروجت: أتمنى تتويج بطل جديد بالدوري.. والثلاثي الكبار هم الأقرب للقب    قائمة الدمرداش تكتسح المشهد.. ومشاركة قياسية وتجربة إلكترونية تاريخية في الزهور    تأجيل أولى جلسات محاكمة رمضان صبحي في قضية التزوير لجلسة 22 نوفمبر    حبس عاطل ضبط بحوزته 2 كيلو استروكس وسلاح ناري بالمرج    ضبط المتهم بالتعدي على شخص بالسب ودفع فرد شرطة حاول فض المشاجرة بينهما في المنيا    افتتاح المتحف المصري الكبير أول نوفمبر وفتح أبوابه للجمهور بعد 3 أيام    لهذا السبب.. منة شلبي تتصدر تريند "جوجل"    وزير الإسكان يوجه بتسريع وتيرة العمل في مشروع حدائق تلال الفسطاط    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    «الصحة»: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 138 مليونًا و946 ألف خدمة طبية مجانية    وحدة إذابة الجلطات المخية بقصر العيني تحصد شهادتين دوليتين    جامعةُ المنيا تُنظِّمُ قافلةً طُبِّيَّةً لقريةِ الزُّورة بمغاغه    تحرير محضر ضد مدرس وصاحب عقار استخدما سطح مبنى مركزًا للدروس الخصوصية بالشرقية    محافظ أسوان: حل مشكلة تسجيل وتحديث بيانات مواطنين بأبو سمبل في منظومة التأمين الصحي    طريقة التقديم للحج من خلال الجمعيات الأهلية بالخطوات    شاشات عرض فى الجيزة لنقل فعاليات افتتاح المتحف المصرى.. اعرف الأماكن    الأوقاف: المشاركة في الانتخابات واجب وطني.. والمساجد ليست مكانًا للترويج السياسي    الرئيس السيسى يبحث مع رئيس أركان القوات البرية الباكستانية تعزيز الأمن والسلم الإقليمى ويعرب عن تقديره للتطور الملحوظ فى العلاقات المصرية الباكستانية خلال المرحلة الراهنة.. إشادة بدور مصر المحورى    فيلم السادة الأفاضل يتخطى 8.5 مليون جنيه خلال 3 أيام عرض بالسينمات    الحكومة المصرية تدير 7 مراكز لوجستية رئيسية لتعبئة شاحنات المساعدات إلى غزة    تعرف على أسعار تذاكر المتحف المصرى الكبير بعد الافتتاح الرسمى    رئيس الوزراء: 1 نوفمبر إجازة رسمية تزامنا مع افتتاح المتحف المصري الكبير    رئيس اتحاد الإسكواش لليوم السابع: تألق أمينة عرفي دليل تواصل الأجيال    برينتفورد ضد ليفربول.. سلوت يشعل حماس محمد صلاح برسالة غير متوقعة    وزيرا التنمية المحلية والزراعة والمحافظ يتفقدون محطة التقاوي بالخارجة    بحوث الصحراء يواصل لقاءاته الميدانية مع المزارعين بجنوب سيناء لدعم التنمية الزراعية    13 مصابا فى حادث تصادم ميكروباص وملاكى بكفر الشيخ.. الأسماء    جدول امتحان شهر أكتوبر لطلاب الصف السادس الابتدائى فى الجيزة    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في بورصة الدواجن    عشاق الهدوء.. 5 أبراج مش بيحبوا الضوضاء والزحمة    تسليم 14 طفلا لأسر بديلة كافلة في 8 محافظات بحضور وزيرة التضامن    اتهامات تزوير تلاحق رمضان صبحي.. وجنايات الجيزة تؤجل نظر القضية ل22 نوفمبر    اللواء محمد الدويري: أحد قيادات حماس البارزة لجأ لأبو مازن لحمايته من قصف إسرائيلى    التضامن: تحسين منظومة الكفالة وتطبيق إجراءات الحوكمة عند تسليم الأطفال    وزير الرى يتابع حالة المنظومة المائية وإجراءات تطوير منظومة إدارة وتوزيع المياه بزمام ترع الإسماعيلية والسويس وبورسعيد    الشروط والمستندات.. ما هي وظائف البنك الزراعي المصري 2025 للخريجين الجدد؟    المغرب يحقق فوزه الأول في كأس العالم للناشئات تحت 17 سنة    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    تفاصيل اصطدام باخرة سياحية بكوبري كلابشة في أسوان.. ماذا حدث؟    "لا تستمع لأي شخص".. بانزا يوجه رسالة ل محمد السيد بعد انتقادات الجماهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية إسكندرية فى غيمة_الحلقة الرابعة
نشر في الصباح يوم 06 - 10 - 2012


ملخص ما نشر
الاسكندرية تجتاحها عواصف السبعينات ، تراجعت قصص الحب ، حسن ذهب لمعسكر بالجامعة ،حصل على عشرة جنيهات كاملة وتدرب على الكاراتيه ، واستمع مذهولا لمحاضرات ضد اليساريين ، وحضر تدريبا للطلاب على ضرب الشيوعيين ، قرر أن يحتفظ بالجنيهات لينفقها على النساء فى البار الليلى مع الأصدقاء ، كانت الاسكندرية تفقد معالم خصوصيتها القديمة ، هاجر الأرمن واليهود والشوام واليونانين ، لتدخل المدينة زمنا جديدا

كانت كل المحلات حوله مغلقة، ويسأل نفسه ما كل هذا الظلام في الطريق الليلة؟
وحيدا دخل إلى شارع صفية زغلول أيضا . لم ير أحدا في الطريق، وكل المحلات أيضا مغلقة . لم ينتبه إلى أفيشات الأفلام على سينما مترو أوريالتو أو حتى الهمبرا وستراند عند نهاية الشارع . في محطة الرمل كان باعة الكتب جميعا قد لموا فرشهم وأغلقوا أكشاكهم الملحقة بالحائط . لا أحد أيضا. الترام الواقفة مضيئة من الداخل، لكن لا أحد يتجه إليها . تبدو منسية من زمان هنا. وحين تحركت به كان وحده . في محطة الأزاريطة ركب رجل في حوالي الأربعين من العمر، والمدهش أنه ترك عربة الترام الخالية كلها وجلس أمامه ، ثم راح يفرك يديه من البرد وينفخ فيهما , رغم أنه يرتدي بالطو أسود ثقيل , وحول عنقه كوفية من الصوف.
- نوّة المكنسة.
قال الرجل ولم يرد هو. كان يفكر هل أرسل سيد بيه عبدالباري هذا الرجل خلفه. ثم قال الرجل:
- لها نصيب كبير من إسمها. تكنس كل شيء على الأرض.
إبتسم هذه المره. لا يظن أن رئيس مباحث أمن الدولة بهذا الغباء ليرسل شخصا لا يري غيره.
بسرعة وصل الترام إلي محطة كامب شيزار، وبسرعة غادر هو الترام، وبسرعة صعد السلم الصغير للمحطة ليجد الشارع خاليا، والمحلات أيضا مغلقة، والريح اشتدت وصارت تطير الأوراق على الأرض، ولا تزال المياه تجرى إلى البالوعات رغم أن المطر صار خفيفا جدا. بسرعة دخل أحد الأزقة. سمع صوت الموج وقابله الهواء وهو يتجه إلي شارع تانيس. المسافة قصيرة لا تزيد عن عشرين مترا, ثم دخل الشارع والهواء يتحرك حوله . صعد سلم البيت وراح يدق جرس الباب أكثر من مرة . تأخّر الرد عليه حتى سمع صوت أحمد باسم الخشن.
- الصبر يا بني آدمين .
إبتسم. فتح أحمد الباب، كالعادة رآه يسد الطريق بقامته الفارعة وصدره العريض. لكن أحمد اندهش من مرآه وقال:
- أدخل بسرعة. أنت غرقان.
دخل ليرى حسن حافظ جالسا في الصالة، ومعه بشر زهران، بينما أغلق أحمد الباب وعاد إليهم يقول:
- شكلك يا نادر هربان من كارثة..
كان نادر مندهشا من عودة حسن بسرعة من المنصورة التي سافر إليها منذ أسبوع. تساءل :
- عدت يا حسن؟ . قلت أنك ستمضي أسبوعين.
وتصافحا. لكن أحمد الذي بدا يستكمل حديثا سابقا اندفع يقول :
- لعلمكم نسوان القرية عندنا جميلة جدا لكن العيب في الكيلوتات.
ضحك بشر وابتسم حسن أبتسامته التي لا تكتمل، وبدا لنادر أنه لن يحكي لهم ما جرى معه لأن أحمد أنطلق يتحدث:
- الكيلوتات كلها إما"عبك" أو"تيل نادية"
وجد نادر نفسه يكاد ينسى ما كان فيه. ويندهش لإنه أتى هنا ليحكي ولم يتوقع أبدا هذا الحديث. وجد نفسه يضحك مع بشر، ولا تزيد إبتسامة حسن, بينما أحمد يواصل الحديث:
- يا أخي اليوم رأيت في محل"برستيج" بشارع سعد زغلول , في الفاترينة أقصد، كليوتات عبارة عن فتلة. وأي فتلة ؟ وبكم الكيلوت ؟ جنيهان مرة واحدة. قلت للبائع لماذا جنيهان. لومليمان ممكن. دا حتي البضاعة يمكن أن تقع منه.
لم يستطيعوا التوقف عن الضحك، وأرتفع صوت حسن وهو يضحك هذه المرة , لكن بشر قال:
- اسكت يا أحمد لو سمحت . نريد أن نعرف لماذا جاء نادر في هذا الجو.
وكان نادرقد قرر أن يقطع الطريق على كلام أحمد فقال:
- أنا قادم من أمن الدولة.
حط عليهم الصمت والدهشة. تبادل بشر وحسن النظرات في انزعاج , لكن أحمد قال:
- سأدخل أنا إلى سعدية. خليكم في أمن الدولة. لن ترتاحوا إلا إذا قبض عليكم جميعا.
وتحرك ناحية حجرته .
نادر يعرف أسماء النساء اللاتي يأتي بهن أحمد إلى الشقة، ويعرف أيضا أسماء الطالبات اللاتي يأتي بهن ، ويحرص هو وبشر وحسن أن لا يكونوا موجودين وقت حضورالطالبات حتى لا يسببوا لهن أي حرج . وجد نفسه يسأل في ارتياب :
- من سعدية هذه؟
قال بشر:
- لا تقلق , بائعة السوداني على محطة الشاطبي. فوجئنا به يدخل وهي معه وفي يده علبة رابسو قال إنها ستستحم بها.
لم يستطع نادر أن يضحك , وظل الذهول على وجهه. عاد إليهم أحمد قبل أن يدخل الغرفة ليقول:
- وطي صوتك. تسمعك تزعل وتمشى.
ثم قال لنادر:
- وحياتك استحمت بالرابسو وصارت بيضا قشطة. ماذا أفعل ؟ زهقت من النسوان الحلوة.
وتركهم بسرعة ضاحكا هذه المرة ودخل غرفته. قال بشرلنادر :
- حسن لم يكن بالمنصورة. ذهب عن طريق مكتب رعاية الطلبة إلى معسكر في العامرية. طبعا كان معه طلاب من أكثر من كلية. دربوهم على الكاراتيه، وأعطوهم محاضرات ضد اليساريين، وآخر الأسبوع أعطوا كل طالب عشرة جنيهات.
بدا نادر مذهولا جدا. قال حسن:
- لقد وافقت مدير المكتب لأعرف ماذا يحدث حولنا. طبعا لن أستمر معهم. والعشرة جنيهات سأحتفظ بها حتى نذهب إلى نوال بوت لنصرفها هناك. ليس معقولا أن تعزمنا نوال فى كل مرة . الأيام القادمة صعبة. مصر تتغير ولابد أن ننتبه. كانت المحاضرات كلها في المعسكر عن الرأسمالية والحرية التي تنتظر مصر في كل شيء، وضد الشيوعية باعتبارها فكرا شموليا .
ثم ابتسم الابتسامة التي لا تكتمل وقال:
- ولاد قحبة.
حط عليهم الصمت لحظات فقال بشر لنادر:
- والأن إحك لنا ماذا دار معك.
كان نادر يفكر هل هي صدفة أن يتم إستدعائه إلى أمن الدولة في الوقت الذي يتم فيه تدريب طلاب على ضرب الشيوعيين ؟
-----------
كان دفئ كبير قد شمل غرفة يارا الآن والوقت يقترب من الفجر. سكت المطر ولم يعد إلا صوت النخيل الملكي يحركه الهواء في الخارج، وصوت الموج صار أكثر هدوءا. كل شيء نائم في الكون حول يارا وكاريمان اللتين لا زالتا يقظتين. كاريمان جالسة مربعة فوق السرير ترتكن بظهرها إلى الحائط ، ويارا ممددة تستند بظهرها إلى ظهر السرير. قالت يارا وقد تألقت عيناها:
- هذه موسيقى دكتور زيفاجو. أعرفها أيضا. سأقرأ الرواية قريبا. نادر كان يقرأها وحدثني عنها كثيرا.
ثم ضحكت وقالت :
- المشكلة أني لم أتعود قراءة الروايات , وهو يقول أنها ضخمة جدا.
هزت كاريمان كتفها ضاحكة وقالت:
- لا تقرأيها.
- أخاف يزعل.
- إذا اقرأيها.
ضحكت يارا ضحكة قصيرة مبهجة أرتفع فيها صوتها ثم قالت:
- كان نفسي أشوف الفيلم مع نادر. الفيلم كان ممنوع في مصر بعد النكسة. الحكومة كانت محتجة على عمر الشريف. قالوا أنه بعد النكسة عام 1967 قال كلاما في هوليود في صالح إسرائيل .عنما جاء السادات الي الحكم عرضوا الفيلم . لم أره . كنت في السنة الإعدادية .من شهر كان في سينما فؤاد. قلت لنادر أخاف أدخل سينما درجة ثانية. أخاف من الجمهور . ليتني ذهبت معه..
وبدت يارا متألمة بطريقة أدهشت كاريمان , التي أقتربت منها وقبلتها ثم قالت:
- انت رقيقة جدا يا يارا. كيف تعيشين بيننا؟ له الحق نادر أن يكتب فيك الشعر.
تألقت عينا يارا وقالت:
- تسمعي شعره الجديد؟
قالت كاريمان:
- شعر وموسيقى ويارا. ليس هناك أجمل من ذلك.
مدت يارا يدها تحت الوسادة فأخرجت كراسة. ضحكت كاريمان. قالت يارا بفخر:
- أضعها تحت رأسي دائما..
وفتحت الكراسة وكاريمان تضحك . أغمضت عينيها لحظات , ثم بدأت تقرأ..
"تهفو روحي إلي أنامل حبيبتي
أسبح بشفتي فوقها
ينبض قلبي بصوت قبلاتي"
إتسعت عينا كاريمان، وكادت تعبر عن إعجابها ودهشتها، لكنها آثرت الصمت لتستمر يارا.
"أنامل حبيبتي شمع أثيري
ضوء كالماء
ونور كالهواء
كنورالعذراء
حين تتجلى بالليل
لراهب وحيد
في دير بعيد
في صحراء"
وأغمضت يارا عينيها من جديد. قالت كاريمان:
- الله على الجمال..
قالت يارا:
- اسمعي للنهاية .
وعادت تقرأ:
"هنا الإسكندرية
على شاطئها بكى العشاق
حملت أمواج البحر كل قصص الحب الضائعة
وعادت بها أحزانا.
في سحب خريفية"
"هنا الإسكندرية
قصص الحب قد يحملها الموج
لكن لا يطويها النسيان"
"هنا الإسكندرية
لن أودعها
لن تضيع قصة حبي
ستحملها كل الجدران
في قلبي تصميم
وفي روحي شجاعة
حتى لو تخلت الآلهة عني
سآخذ حبيبتي معي
وأذهب مع السمّان
حين ينتهي الشتاء
إلى بلاد لا أعرفها
لكنى على يقين
إنها ستستقبلنى
بالنساء يغنين
فوق أسطح المنازل
وبالرجال يعزفن
على الجيتار في الطرقات
وستظل قصة حبي خلفي
أغنية فوق الاسكندرية
حتى أعود إليها من جديد
وقد صارت قصتي أشجارا
تملأ فضائها "
-2-
لم يكن الصباح دافئا لتجلس روايح وغادة في البلكونة الكبيرة كما تفعلان دائما في الصباحات المشمسة. تعودان متعبتين قبل الفجر من ملهى
اللؤلؤة الزرقاء. تستيقظان عادة في الحادية عشر. تستحمان وتجلسان في البلكونة تشربان في فخر, النسكافيه التي لم تكن معروفة في البلاد من قبل ممزوجة بالحليب , ثم تمشط كلاهما شعرها.
جلستا اليوم في الصالة . روايح وغادة تسكنان شقة الدور الثاني منذ أربع سنوات . بالكاد في الثلاثين من العمر , وإن بدتا أكبر من ذلك. أحيانا تنضم إليهما أخريات , لكن سرعان ما تختفين . الدور الأول للبيت شقة مهجورة , لا يعرف أحد لماذا يغلقها صاحب البيت. البيت محاط بسور تفصله عنه مسافة صغيرة خالية من الورود والأشجار التي يبدو أن صاحب البيت القديم بناه على هذا النحو كي يزرعها. بقيت الأرض متربة . والرجل الخمسيني العمر الذي يأتي كل شهر لتحصيل الإيجار، قال عنه أبو الحسن المكوجي، وسمسار الشقق أيضا، أنه اشتراه من صاحبه اليوناني الذي غادر مصر عام 1962. بيوت الشارع كان أصحابها يونانيين أو شوام أو يهود ، أو مصريين موسرين . سكان البيوت كانوا كذلك، والبيوت في معظمها بنيت قبل ثورة 1952، أقلها بنى في الخمسينات. التزم أصحابها بقوانين البناء , فلا يرتفع البيت عن عرض الشارع مره ونصف ، لذلك كلها تقريبا لا ترتفع عن ثلاثة أدوار, أو أربعة إذا كان البيت يقع على ناصيتين ، على شارع تانيس وأحد الأزقة المؤدية إلى الكورنيش أو شارع بور سعيد .
حين أقيمت جامعة الإسكندرية مع بداية الأربعينات ، بدأت بكليات قليلة. كان طلابها سكندريون، لديهم عائلاتهم وبيوتهم . إزدادت الكليات في الخمسينات، وبدأ توافد الطلاب من الريف عليها. كانت المدينة الجامعية لإسكان الطلبة المغتربين، التي تم بناؤها في منطقة سموحة بين المزارع والأشجار, كافية لاستيعابهم . لكن لم يكن ممكنا أن يستمر ذلك ، خاصة بعد أن أعلن جمال عبدالناصر مجانية التعليم عام 1961. إزدادت أعداد الطلاب المغتربين ، وبدأ بعض أصحاب البيوت القدامي من المصريين , أو الجدد الذين يشترون بيوت الشارع من أصحابها الأجانب الذين يرحلون عن الاسكندرية بسبب سياسة التأميم للمصانع والبنوك الأجنبية ، يستثمرون بعض الشقق في إسكان الطلاب الغرباء. هكذا عرف الطلاب الطريق إلى شارع تانيس، وكذلك شارع طيبة على الناحية الأخرى من شارع بورسعيد ، أكثر من غيرهما من شوارع الإسكندرية ، لقربهما من أكثر الكليات ازدحاما، الآداب والحقوق والتجارة والتربية ، التي تتجاور كلها في منطقة واحدة . كذلك عرف الطريق إلى الشارعين، طلاب الكليات الأبعد ، مثل الهندسة والزراعة والطب والصيدلة. في هذين الشارعين حرية يفتقدها الطلاب ساكني المدينة الجامعية في سموحة، التي بدورها لم تعد تكفي الغرباء.
كان من الطبيعي أن تعرف نساء الملاهي الليلية على الكورنيش، الموازي تماما لشارع تانيس، الطريق إلى كثير من الشقق أيضا لتسكنها، ومن ثم الطريق إلى شقق الطلاب .هكذا بدأ السكان الأصليون من أهل الإسكندرية هجرة الشارعين ، والفرار منهما، كذلك السكان الجدد الذين سكنوا الشقق التي خلت برحيل الأجانب من قبل. لم يكن ذالك صعبا، فالشقق كثيرة ومتوفرة في كامب شيزار وسبورتنج وكليوباترا، وأصحابها يطلقون فيها البخور متمنين أن يسكنها أحد . صارشارعا طيبة وتانيس دون غيرهما مدرسة لتعليم الحب والجنس. فاقت شهرة شارع تانيس شارع طيبة، ومشى في المدينة المثل القائل "عايز تهيص روح شارع تانيس" شيئا فشيئا هجرت كل العائلات الشقق، وصارت الشقق كلها تقريبا للطلاب ونساء الليل.
أختفى معظم البوابين، ولم يتبق منهم إلا القليل، الذين بدورهم صاروا يسهلون القوادة . تماما كما يفعل بعض المكوجية، الذين يضعون دائما ستارة خلف ترابيزة المكواة وخلفهم وهم يعملون ، فإذا سأله الزبون رفع الستارة ليجد خلفها امرأتين أو ثلاث يختار بينهن.
روائح وغادة تسكنان تحت الشقة التي يسكنها حسن حافظ وأحمد باسم، اللذان يشترك معهما في السكن بشر زهران ونادرسعيد .
كانت روائح تقلّب في مجلة"البلاي بوي" التي أعطاها لها أحد رواد الملهي من العاملين على السفن التجارية، وكانت لا تكف عن فتح عينيها على آخرهما دهشة ، وتهز رأسها، فقالت غادة:
- هل ستظلين كثيرا تقلبين هذه المجلة؟
- لا أصدق أن هناك مجلات على هذا النحو. كل حاجة باينة. ما رأيك لو أقطع صفحاتها وأعلقها على الحائط .
صرخت غادة:
- مجنونة!. هذه مجلة ممنوعة. تودينا في داهية.
ثم ضحكت وقالت :
- إعطها للجماعة فوق يلصقون صورهاعلي الجدران . هم على الأقل رجال ولن يؤذيهم أحد مثلنا. كذلك يسخنوا أكثر.
ضحكتا وقالت روائح:
- انتهي من شرب النسكافيه وأصعد إليهم بالمجلة، وبالمرة أهزأ سي أحمد بسبب المرأة التي كانت معه منذ أيام.
قالت غادة مندهشة:
- إمرأه غيرنا!؟
- شفتها وهي تصعد معه بعد المغرب في عز الشتا . استغل الظلام ولونها الأسود وتصور أن لن يراهما أحد .
ضحكتا أكثر. شردت غادة قليلا ثم قالت:
- لا أعرف لماذا لا يتجاوب معنا نادرولا حسن أبدا. يجلسان معنا ويأكلان معنا ويتكلمان معنا، ولكن لا ينامان معنا أبدا.
- خائب.
قالت روائح ذالك لكن غادة قالت:
- يبدو أنهما يحبان.
نظرت إليها روائح في استغراب.
- يحب ! ماذا يعني الحب؟
ثم طوت المجلة ونهضت لتصعد بها إلى الدور التالي. لكن غادة قالت:
- إرتاحي ولا تصعدي الآن. لا أحد هناك. رأيتهم جميعا وأنا أقف في البلكونة يخرجون إلى الكلية.
شردت روائح وبدا عليها الضيق ثم قالت:
- وأنا التي كنت أريد أن يكتب لي نادر خطابا اليوم.
نظرت إليها غادة في دهشة ومطت شفتيها ولم تعلق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.