و نحن نعيش أجواء الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح يطيب لى الحديث عن الخطاب الدينى بشكل عام والمسيحى بشكل خاص باعتبار حلول المناسبة.. وفى قصة حياة السيد المسيح على الأرض، نلحظ اهتمامًا خاصًا بالمكان الذى عاش فيه؛ فنقرأ عنه « وَلَمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ...» ( متى13: 54 )، وأيضًا «وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى...» ( لوقا4: 16 )... نعم «وطنه» على الأرض. هكذا كان حديث آيات الكتاب المقدس « اطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ... وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ « (إرميا 29: 7).. وعليه فالمسيحى الحقيقى هو شخص سماوى القلب، نزيل وغريب فى الأرض، لا يحب العالم (أى الأمور الأرضية والمبادئ الشريرة والشهوات الردية)، لكنه فى الوقت ذاته مُخْلصٌ لبلاده التى يعيش فيها، طالبًا سلامها. إن إطفاء جذوة الروح والمشاعر الوطنية ومحاولة توجيه الإنسان نحو وطنه السماوى على حساب احتقاره للوطن الأرضى قصور فى فهم النفس البشرية، وإضرار بحركة نموها، فمن المهم أن ندفع البشر فى اتجاه تنمية الاثنين، بموجب روح الإنجيل: «أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله». المسيح لم يقل اكتفوا بإعطاء قيصر ما له، ولا قال اكتفوا بعطاء الله، ولكنه جمع بين الإثنين لكى نعطى قيصر والله كلا منهما ما هو واجب ومطلوب ومستحق. الوطنية دعوة للكل، لأنها انتماء للوطن والمواطنة.. وهى الإحساس بالمسئولية تجاه الوطن..الوطنية لا تتعارض مع روحانيات الإنجيل وتعاليمه فى شىء...السيد المسيح كان مواطن صالح. « الوطنية» هى إدراك واحترام الحقوق والواجبات.. وقد كان بولس الرسول خير مثال على ذلك (أعمال 25، 13). «كُلُّ مَا هُوَ حَقٌ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِى هذِهِ افْتَكِرُوا» (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبى 4: 8). إن قيمة المواطن لا يستمدها من كونه ينتمى إلى الأقلية أو الأكثرية فى المجتمع الذى يعيش فيه، لكنه يسعد ويشعر بمكانه ومكانته فى وطنه بعطائه وتفانيه، بإيجابيته وليس بانطوائه وسلبيته. ينبغى انتظار التقدير الأعظم من الله لا من الناس: الرسول بولس كان يناشد كل من يعمل عملاً ما قائلاً: «... لاَ بِخِدْمَةِ الْعَيْنِ كَمَنْ يُرْضِى النَّاسَ، بَلْ بِبَسَاطَةِ الْقَلْبِ، خَائِفِينَ الرَّبَّ. وَكُلُّ مَا فَعَلْتُمْ، فَاعْمَلُوا مِنَ الْقَلْبِ، كَمَا لِلرَّبِّ لَيْسَ لِلنَّاسِ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ مِنَ الرَّبِّ سَتَأْخُذُونَ جَزَاءَ الْمِيرَاثِ.. وَأَمَّا الظَّالِمُ فَسَينَالُ مَا ظَلَمَ بِهِ، وَلَيْسَ مُحَابَاةٌ» (كولوسى3: 22-24)، وأن كان أحيانا يُظلم المواطن فى التقدير أو الأجر الأرضى، لكن يوجد جزاء وتقدير من الله أكيد ومستحق فهو العادل... وللمقال تتمة فى عدد مقبل.