وليس محاباة ... يا غبطة البطرك الموقر ..! لا يزال تصريح غبطة البطرك الماروني في لبنان و سائر المشرق (مار بشارة الراعي ) الذي أكد من خلاله مخاوفه من مستقبل المسيحيين في الشرق إذا ما زال حكم الرئيس بشار الأسد في سوريا و انتقلت السلطة من بعده إلى قوى المعارضة السورية .... محط اهتمام الإعلاميين و الصحفيين و النقاد و المحللين السياسيين عبر كبرى المحطات الفضائية العربية .... و في الحقيقة إن غبطة البطرك ، قد أطّر بهذه التصريحات موقفه من الثورة السورية ، و حدد رأيه حيال المعارضة السورية كذلك ..! و حزم أمره على تأييده لكل ما قد يصدر عن السلطة في سوريا و لو على حساب دماء الأبرياء و الضحايا الذين يقضون مضاجعهم كل يوم و ليلة بالعشرات . و بغض النظر عن انتقادنا للنظام في سوريا أو تأييده ، و بعيدا عن كلا الطرفين المتضادين في سوريا ( النظام الحاكم و قوى المعارضة ) نريد هذه المرة أن نقف وقفة حياد و إنصاف ، واضعين نصب أعيننا مصلحة الشعب السوري و سلامته فوق كل اعتبار ، و قبل كل منفعة شخصية أو ذاتية ، مذكرين غبطة البطرياك العظيم الذي هانت عليه دماء السوريين بما قدمه الشعب السوري من تضحيات في سبيل نصرة أشقائه في لبنان طيلة الفترة التي تواجد فيها الجيش السوري في لبنان ، فكم نزفت دماء الجنود السوريين في لبنان و هم يذبون عن أشقائهم اللبنانيين شبح الحروب الأهلية و الطائفية و التكتلات و الميلشيات الحزبية هناك ..! هذه الدماء التي استخدمها و سخرها النظام السوري كوقود و مطية من أجل تقوية نفوذه في لبنان و تثبيت أقدامه فيها ..! و تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من خمسة آلاف جندي سوري سقطوا فوق الأراضي اللبنانية منذ أول دخول للجيش السوري إلى لبنان و حتى خروجه منها ... و كان أكثرهم قد استشهدوا في الحرب الأخيرة التي خاضها الجبش السوري في مطلع التسعينات من القرن الفائت ضد مليشيات قوات الجنرال عون قبل خروجه و لجوءه السياسي إلى فرنسا ..! و كان عون أثنائها قد انشق عن الحكومة اللبنانية و أراد استئثار السلطة و الحكم لنفسه و إخضاع كل القوى السياسية في لبنان لإرادته متجاوزا كل الأعراف و القوانين ، حيث اعتبره أغلب الشعب اللبناني وقتها جنرالا متمردا مع قواته عن الدولة اللبنانية الشرعية و خارجا على القانون و العرف السياسي و العسكري ..! بيد أن غبطة البطرياك قد نسي أو تناسى عن عمد و إصرار التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري من أجل توفير أمن و استقرار أشقائه في لبنان الحبيب فآثر أن يقف إلى جانب من يقهرون هذا الشعب البطل الأشم و يذلونه و يقتلونه و يشردونه .... و كان الأولى في غبطة البطرياك أن يكون حياديا على الأقل في موقفه و في تصريحاته ، و أن لا يميل كل هذا الميل المجحف بحق الشعب السوري و بحق كل المسيحيين في الشرق .. هذا إلى جانب إجحافه و تهاونه بحق الشعب اللبناني كذلك ...! لقد كان لزاما على غبطة البطرياك أن يدع ما لقيصر لقيصر ...! و ما لله لله ..! و أن لا يبعد ( مع تقديرنا لمكانته ) عن تعاليم السيد المسيح ، و أن يحرص كل الحرص على مصلحة الشعوب و الأفراد المدنيين قبل حرصه على مصلحة السلطة و الحكام أو الأفراد الذين بات وجودهم على كراسيهم و في مناصبهم عبء على الأمة العربية مسلميها و مسيحيها على السواء ، و خطر على الإنسانية في الشرق (الشرق الأوسط ) ...و لكنه أصر على إعطاء ما لقيصر لله ..! وما لله لقيصر ...! و ضرب غبطته صفحا عن تعاليم الإنجيل السمحة و التي تدعو إلى المحبة و التآلف بين الناس جميعا ، و تنبذ كل ما من شأنه أن يحط من قيمة الفضيلة و التسامح بين البشر ... و حتما أن غبطة البطرياك وقع في مصيدة السياسة هذه المرة و فضلها عن تعاليم السيد المسيح ، أو أنه تعرض للسبي من قبل الهراطقة السياسيين فأخذ يرى الأمور من خلال منظارهم المعوج و المناقض لتعاليم الإنجيل ..! و إن كان لا بد من التقويم و التوجيه في هذا المقام فنذكر غبطته و جنابه الموقر بما جاء في آي الإنجيل من تعاليم تدحض هذا النهج الذي انتهجه غبطته و هو في هذا المركز الديني المرموق الذي يتماشى مع أهواء الدنيا أكثر مما يتماشى أو يحاكي تعاليم السيد المسيح أو مبادئ الإنجيل : " انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة و بغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم و ليس حسب المسيح " ( رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي 2 / 8 ) " أيها العبيد أطيعوا في كل شيء سادتكم حسب الجسد لا بخدمة العين كمن يرضي الناس بل ببساطة القلب خائفين الرب ، و كل ما فعلتم فاعلموا من القلب كما للرب ليس للناس ، عالمين أنكم من الرب ستأخذون جزاء الميراث ، لأنكم تخدمون الرب المسيح ، و أما الظالم فسينال ما ظلم به و ليس محاباة " ... (رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي 3 / 22 25 ) و أخيرا لا آخرا نتمنى من صميم قلوبنا أن نرزق التوفيق إلى طريق خدمة المبادئ المثلى ، و القيم السامية..! و أن نطيع ساداتنا حسب الجسد لا بخدمة العين فنكون كالمسبيين بالفلسفة و بالغرور الباطل ...! لأن الظالم سينال جزاء ما ظلم به ... و ليس محاباة ..!