الخبر المنشور عن قرار إعادة هيكلة وتصنيف مصلحة الضرائب لتصبح هيئة مستقلة عن وزارة المالية، لم يذكر شيئآ عن الهدف من وراء إعادة الهيكلة والتصنيف، ولا عن الهدف من فصلها عن الوزارة ! فكل ما يقوله الخبر أنها ستصبح تابعة لرئاسة مجلس الوزراء، وأن هذه التبعية جرى اقتراحها وقت وجود الدكتور عمرو الجارحى على رأس المالية، ولكنه لم يصادف ترحيبًا فى ذلك الوقت ! وحقيقة الأمر أن القصة ليست فى تبعية المصلحة للوزارة ، ولا فى تبعيتها لمجلس الوزراء، ولا لأي جهة ثالثة، ولكن فى قدرتها على تعظيم العائد الذى يأتى عن طريقها للخزانة العامة فى الدولة .. فلا تزال الضرائب مصدر دخل أساسيًا بالنسبة للدولة -أى دولة- ولا تزال الدول القادرة على الإنفاق العام على الخدمات العامة التى تقدمها لمواطنيها، هى الدول التى تحتفظ بنظام ضريبى منضبط ! وفى وقت من الأوقات كان مساعد وزير المالية السابق، قد قال فى حوار منشور فى جريدة الأخبار أن حجم التهرب الضريبى وصل إلى 300 مليار جنيه ! ولم يذكر الخبر المنشور عن استقلالية المصلحة، ما إذا كانت استقلاليتها سوف تنجح فى إعادة مثل هذا المبلغ إلى خزانة الدولة أم لا ؟!.. فهذا هو الهدف الذى لا يجب أن يغيب عن أعيننا، كحكومة، ووزارة مالية، ومصلحة ضرائب، ولا يهم بعد ذلك ما إذا كانت المصلحة ستبقى على تبعيتها لوزارة المالية، أم ستكون تابعة لجهة أخرى من جهات الدولة ! فما ينطبق عليها، هو ما ينطبق بالضبط على القط الذى قيل عنه أن لونه ليس مهمًا، وأن المهم فيه هو قدرته على اصطياد الفئران ! ولا أعرف كيف يمكن أن نستفيد من الحملة التى كان الدكتور يوسف بطرس غالى، قد أعدها وراح يُروج لها، وقت أن كان وزيرًا للمالية آخر سنوات مبارك .. فالحملة التى كان الوزير يخاطب بها كل ممول، كانت تحمل عنوانًا من ثلاث كلمات يقول: الضرائب مصلحتك أولاً! ولم تكن القضية قضية عنوان طبعًا، ولكنها كانت قضية مضمون فى هذا العنوان، وكانت قدرة على ترويج هذا المضمون بين الناس ! وكان التحدى الذى قرر الوزير أن يدخل فى رهان معه، هوقدرته على أن يقنع كل ممول.. أى كل صاحب دخل يخضع للضريبة.. بأن مبادرته بسداد ما عليه من ضرائب للدولة، ليست جباية عليه، وليست أمواً ل ضائعة، ولكنها تصب فى النهاية فى مصلحته هو، كمواطن قبل أن يكون ممولاً ! فالخدمات العامة التى على الدولة أن تقدمها لرعاياها بدرجة معينة من الكفاءة، وبالذات خدمة الصحة وخدمة التعليم، فى حاجة إلى أموال للإنفاق عليها، وفى حاجة إلى أموال لتقديمها على المستوى الذى يجب أن يتم تقديمها عليه، وهى لن تكون كذلك ما لم يكن لدى الدولة دخل عام، تستطيع به الإنفاق العام على الخدمات العامة كما يقول الكتاب ! ويقع على الحكومة جزء مهم من العملية، وهو إشعار المواطنين طول الوقت بأن مستوى الخدمات العامة يتحسن، وبأن هذا التحسن راجع إلى تعاظم دخل الضرائب عامًا بعد عام.. وفى حالة كهذه، سوف يقتنع المواطن الممول بأن الضرائب مصلحته فعلاً، وأن سداد مستحقات مصلحة الضرائب لديه، هو أمر فى مصلحته أولاً، قبل أن يكون وفاءً بحق الدولة فى دخله وفى أرباحه !