توقفنا فى المقال السابق عند استضافة مصر ثلاثة اجتماعات فى الفترة من 2012 إلى 2015 لمجموعة العمل الخاصة بضع مسودة لسياسة الفضاء الإفريقية،التىتم عرضها على مجلس وزراء البحث العلمى الأفارقة. وقد حدث أن تقدمت مصر خلال القمة الإفريقية فى يناير 2015، بطلب استضافة وكالة الفضاء الإفريقية، وقد لاقى هذا الطلب ترحيب المفوضية الإفريقية، إلى أن يتم الانتهاء من وضع السياسات والاستراتيجيات الخاصة بالفضاء فى إفريقيا. ثم جددت مصر طلبها مرة أخرى فى القمة الإفريقية التى عُقدت فى يناير 2016، وقد جاء الطلب هذه المرة بعد إقرار سياسة واستراتيجية الفضاء الإفريقية من جانب اللجنة الوزارية الفنية المتخصصة للتعليم والعلوم والتكنولوجيا. وبناء عليه، أصدرت المفوضية قرارًا بتكليف قسم الموارد البشرية والعلوم والتكنولوجيا بالاتحاد الأفريقي بالعمل مع مصر، من أجل دراسة الجوانب القانونية والمالية الخاصة بتنفيذ سياسة واستراتيجية الفضاء بإفريقيا وإنشاء وكالة فضاء إفريقية. ومن ثم، دعت مصر مفوض قسم الموارد البشرية والعلوم والتكنولوجيا بالاتحاد الإفريقي مرتين، وعقدت عدة اجتماعات تختص بهذا الأمر،انتهت بإعداد مسودة الإطار القانوني لوكالة الفضاء الإفريقية. في أكتوبر 2017، انعقدت اللجنة الوزارية المتخصصة لإقرار الإطار القانونى لوكالة الفضاء الإفريقية، الذى تم اعتماده فى يناير 2018. إذن، يتضح أن هناك إصرارًا من مصر وجهودًا واضحة من جانبها بخصوص استضافة الوكالة، وقد تمثلت تلك الجهود فى إعداد ملف عن المقومات الفنية والتقنية المصرية،إذ تم تشكيل مجموعة عمل للإشراف على متابعة وإعداد ملف شاركت فيه عدة جهات معنية ومختصة، هى: وزارة التعليم العالى والبحث العلمى، الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء، وزارة الدفاع، وزارة الخارجية، وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، هيئة الرقابة الإدارية، قطاع الأمن الوطني. وعليه، استضافت مصر خلال يومى 21 و22 أكتوبر 2018، لجنة فنية رفيعة المستوى من مفوضية العلوم والتكنولوجيا، من أجل الاطلاعوالوقوف على إمكانيات مصر العلمية والفنية والتقنية والماليةلاستضافة مقر وكالة الفضاء الإفريقية. نجحت مصرفى إعداد برنامج زيارة للجنة، شمل لقاء بمعالى دولة رئيس الوزراء، ومعالى وزير التعليم العالى والبحث العلمى، ولقاءات أخرىبأساتذة وخبراء مختصين من الجامعات والمراكز البحثية المصرية، من أجل إبراز القدرات العلمية والبحثية، وترتيب زيارات لبرامج الفضاء المصرية، إضافة إلى زيارة عدد من المصانع المرتبطة بتكنولوجيا الفضاء. وبالتالى، تم إعداد ملف فنى جيد يحاكى جميع المعاييرالتىوردت من مفوضية الاتحاد الإفريقى بشأن الزيارة، وقد تضمن الملف القدرات العلمية والفنية لمصر، وكذلك حرص واهتمام القيادة السياسية المصرية على استضافة مقر وكالة الفضاء، من خلال تخصيص قطعة أرض لبناء مبنى مقر وكالة الفضاء الإفريقية، إضافة إلى تخصيص مبلغ 10 ملايين دولار لإنشاء الوكالة، ومصاريف تشغيل لفترة 5 سنوات على الأقل. ومن ثم، كانت النتيجة الطبيعية لكل هذه الجهود، هى موافقة المجلس التنفيذى للاتحاد الإفريقىفى8 فبراير 2019 على استضافة مصر لوكالة الفضاء الإفريقية،لتصبح هذه الموافقة تتويجًا لجهود علمية وفنية قام بها فريق العمل المصرى. ولا شك أن هذا القرار يعكس ثقة تامة فىقدرة مصر على توظيف الوكالة لخدمة القارة فى مجال تكنولوجيا الاستشعار عن بُعد وعلوم الفضاء، ودفع جهود التنمية الوطنية والإقليمية الإفريقية، وفقًا لأجندة إفريقيا 2063. وقد خصصت مصر قطعة أرض بمنطقة القاهرة الجديدة شرقى العاصمة، لبناء المقر الدائم لوكالة الفضاءالتىتؤسسها القارة الإفريقية، وإلى أن يتم الانتهاء من أبنية المقر، تستضيف مصر وكالة الفضاء الإفريقية بمقر "الهيئة القومية للاستشعار من البُعد وعلوم الفضاء". إن تأسيس هذه الوكالة الفضائية، ليس من باب الرفاهية بالتأكيد، وإنما هو محاولة للحاق بعصر التكنولوجيا ومسارها المتسارع، تستعد من خلاله القارة للدخول فى سباق الفضاء، بما يخدم خطط التنمية والكشف عن ثرواتها المختلفة. ويضاف إلى ذلك هدف آخر، وهو حماية الأقمار الاصطناعية لدول القارة، وكذلك استحداث ونقل وتوطينوتطويرعلوم وتكنولوجيا الفضاء، وأيضًا امتلاك القدرات الذاتية لبناء وإطلاق الأقمار الصناعية. ولم يعد خافيًا أن علوم الفضاء أصبحت متداخلةفىمجالات كثيرة لم نكن نحسب لها حسابا يومًا، منها:التنمية المستدامة، الأمنالغذائي، الأمن القومى، وتنسيق وتوحيد الجهود البحثية المعنية بالفضاء بين دول القارة جميعًا. ومن تلك المجالات كذلك الاتصالات، واستكشاف مصادر المياه الجوفية فى ظل الصراع على المياه فى مناطق كثيرة من العالم، بخلاف الرصد السلبي للمخاطر الطبيعية خصوصا تغيرات المناخ والاحتباس الحرارى إضافة إلى الكشف عن الثروات والمعادن. ويعد التقليل من ازدواجية الموارد والجهود، واحدًا من أهم أهداف الاتحاد الإفريقىالتىدفعته لإنشاء وكالة الفضاء،ومن ثم تعظيممنافع الأنشطة الفضائية الحالية والمخططة لدول قارتنا الخضراء.