أشعل الصراع الدائر على السلطة فى فنزويلا، أزمة أخرى بين القطبين الأكبر فى العالم «أمريكاوروسيا». الأزمة فى فنزويلا، بدأت بعد إعلان عزل الرئيس نيكولاس مادورو على يد المعارضة المتمثلة فى رئيس البرلمان الفنزويلى خوان جوايدو، والذى نصب نفسه رئيسًا مؤقتًا لفنزويلا. سرعان ما أصدرت إدارة ترامب بيانًا تعترف فيه بجوايدو رئيسًا مؤقتًا للبلاد، وتبعتها فى ذلك فرنسا، ولكن هذه المرة ليست فى بيان عبر الإذاعة أو التلفزيون الفرنسى، لكنه عن طريق تغريدة للرئيس ماكرون عبر حسابه الشخصى على موقع تويتر قال فيها: «بعد انتخاب نيكولاس مادورو بشكل غير شرعى فى مايو 2018، فإن أوروبا تدعم استعادة الديمقراطية، ونحيى شجاعة مئات الآلاف من الفنزويليين السائرين نحو الحرية». وفى هذا الوقت تدخل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وقال فى اتصال هاتفى لنظيره الفنزويلى نيكولاس مادورو: «ندعم السلطة الشرعية فى فنزويلا فى ظروف تفاقم الأزمة السياسية الداخلية المستفزة من الخارج»، بينما أكد وزير دفاع فنزويلا، فلاديمير بادرينو، عن طريق تغريدة أطلقها عبر حسابه الشخصى على موقع تويتر إن ما حدث يعد انقلابًا ضد الرئيس، قائلًا: «جنود الوطن لا يقبلون برئيس مفروض فى ظل مصالح غامضة، والقوات المسلحة الفنزويلية تدافع عن دستورنا وتضمن السيادة الوطنية». التدخل الأمريكى لتغيير الأنظمة التى لا ترضى عنها هو منهج اعتادت عليه السلطات الأمريكية على اختلاف من هم فى سدة الحكم بالمكتب البيضاوى بالبيت الأبيض، وهو ما حدث سابقًا عند عزل الرئيس الأوكرانى السابق فيكتور يانكوفيتش، والمعروف بموالاته لروسيا، والاعتراف بالنظام الجديد، وهو ما جعل روسيا ترد بضم شبه جزيرة القرم، وإعلان دعمها الكامل لاستقلال الجزيرة عن السيادة الأوكرانية، اعتقادًا من الروس أن تلك الخطوة من جانب الولاياتالمتحدة هى تهديد واضح فى المنطقة التى تمثل نقطة فاصلة للنفوذ الروسى، مع ذكر أن أوكرانيا ذاتها كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتى. وهو ما يفسر الاعتراف الأمريكى السريع بالرئيس الجديد لفنزويلا، وبالتعمق فى رؤية تلك الخطوة نجد أن الدولة الفنزويلية كموقع جغرافى تقع فى منطقة مهمة فى البعد الجغرافى للولايات المتحدة، فكانت مسرحًا للصراع الدائم بين قطبى العالم، فتلك الدولة لم يكف بوتين محاولاته فيها عن زرع أنظمة موالية له ليزاحم بل ويكسر شوكة النفوذ الأمريكى هناك، ومن أوضح تلك الأنظمة الموالية لروسيا ومعادية للولايات المتحدة هو نظام نيكولاس مادورو، الذى اتخذت روسيا من الدفاع عنه قضية لا تقبل المساس بها، وتحاول بشتى الطرق تثبيت دعائم حكمه خوفًا من خسارته وتثبيت الولاياتالمتحدة لنظام جديد هناك موالٍ لها، وبذلك تلوح فى الأفق تجربة جديدة تشبه ما حدث فى أوكرانيا. فور إعلان زعيم المعارضة خوان جوايدو نفسه رئيسًا لفنزويلا، تحرك كل طرف من الأطراف لشحن أنصاره، ذهبت روسيا إلى الجيش الفنزويلى ذاته، والذى يعد شريكًا مهمًا لها، ففى الآونة الأخيرة ظهر التعاون الروسى الفنزويلى عسكريًا، وهو ما شكل قلقًا للولايات المتحدة، لاسيما مع اقتراب اللحظة التى ينفذ فيها القرار الأمريكى بالانسحاب من معاهدة القوى النووية التى أبرمتها واشنطن مع الاتحاد السوفيتى فى الثمانينيات من القرن الماضى، وبذلك كانت خطوة إبعاد مادورو هى خطوة مهمة على رقعة الشطرنج من قبل الولاياتالمتحدة، ردًا على أى فكر عدائى قد يلجأ إليه بوتين. التاريخ يمتلأ بتلك الخطوات المتبادلة بين الولاياتالمتحدةوروسيا، مثلما حدث عندما قدمت الولاياتالمتحدة الدعم لجورجيا إبان أزمة انفصال إقليم أوسيتيا الجنوبية، فكان الرد الروسى عن طريق الرئيس الفنزويلى السابق هوجو تشافيز، الذى أعلن استعداده لإقامة قواعد عسكرية فى بلاده تخدم روسيا. فى الجهة المقابلة استدعت الولاياتالمتحدة أنصارها للاعتراف بالنظام الجديد فى فنزويلا، فاعترف البرلمان الأوروبى، يوم الخميس الماضى، بالمعارض الفنزويلى، خوان جوايدو، رئيسًا شرعيًا لبلاده، ووجه الدعوة لدول الاتحاد ليحذوا حذوه، عبر موقف موحد، كما اعترفت معظم دول أمريكا اللاتينية والدول الأوروبية وكندا بجوايدو. تتبقى الآن القوة الأكبر فى فنزويلا التى ترفض التغيير الذى حدث وهو الجيش الفنزويلى، ففكر جوايدو باستمالته عبر تظاهرات شعبية دعا إليها الشعب، للإطاحة بكل أركان حكم مادورو ومنهم النائب العام. يبدو أن قائمة الموالين للرئيس الفنزويلى الجديد تطول، والمصالح الأمريكية المشتركة مع العديد من البلدان فى أمريكا الجنوبية كان لها الكلمة الأعلى هذه المرة بالضغط عليهم للاعتراف بجوايدو، لكن تبقى الحركة القادمة للنظام الروسى التى ستحمل الرد.