رغم أن الفضاءات الإعلامية لم تعد تقبل فكرة المنع أو حظر النشر، إلا أن بعض الجهات ما زالت تعمل بشكل يثير علامات الاستفهام بشأن منع بعض الكتب من المعارض الدولية، مما يؤدى فى النهاية إلى زيادة التوزيع وانتشارها بشكل أكبر. الأزمة أثيرت مجددًا فى معرض الخرطوم الدولى، بعد التحفظ على رواية «سقوط الإمام»، للكاتبة نوال السعداوى، وذلك فى أول أيام معرض الكتاب بعد افتتاحه الأربعاء الماضى، والتى تعرضت لهجوم شرس على مدار السنوات الماضية منذ صدورها عام 1987، ورغم ذلك ترجمت إلى 24 لغة، وأعيد نشرها فى دور نشر مختلفة. أحداث الرواية تدور حول رئيس فى بلد ما يتقمص شخصية الإله، وهو مستبد ويحكم الشعب بقبضة من حديد، ولكن يتم اغتياله فى لحظة احتفاله بعيد نصره، وتتعامل الرواية مع كل السلطات الذكورية القاهرة للمرأة ومع الأئمة الذين يعتبرون أنفسهم ظل الإله على الأرض، ويتصرفون من هذا المنطلق ويستبيحون لأنفسهم ما لا يباح لغيرهم. وحملت الرواية إسقاطات سياسية أيضًا على الرؤساء، وعلى كل صاحب سلطة دينية أو سياسية أو اجتماعية فى الحياة البشرية، حتى ذهبت فى إحدى مقاطعها للدلالة على علاقة الرجل بجسد المرأة كاشفة عن أزمة فى التعامل مع المرأة بهذا الوصف الدقيق «إذ ينادى الرئيس الإمام مسئول الأمن ويأمره أن يحضر له جارية عذراء يحدد له أوصافها. «سقوط الإمام» لم يكن الكتاب الممنوع الوحيد لنوال السعداوى، حيث تم منع كتاب «أوراق من حياتى»، وكذلك «موت الرجل الوحيد على الأرض»، وأغنية الأطفال الدائرية، وامرأة عند نقطة الصفر. لكن الأمر لم يقف عند رواية «السعداوى»، ففى الفترة الأخيرة منعت بعض الكتب من التداول فى المعارض العربية، وعلى رأسها كتاب «الملفات السرية للحكام العرب» الصادر عن مكتبة النافذة للكاتبة الأمريكية ساندرا مكى، ويتحدث عن عدة من أبرز الحكام العرب فى القرن العشرين، وحياتهم وأسرارهم التى لم تُكشف وطرق حكمهم للعالم العربى، وشمل عددًا من الرؤساء الذين تم الإطاحة بهم فى 2011، بينهم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وكذلك كتاب «فرسان بلا معركة» لكاتبه الصادق نيهوم، وفيه نقد مباشر للحكام على مستوى العالم فى مطلع الستينيات، وكذلك نقد لظواهر اجتماعية وعربية عدة، أبرزها أحوال المرأة فى ليبيا، ويتطرق فيه إلى مسألة المساواة بين الرجل والمرأة بشكل عميق يناقش باطن الأمر من المنطلق الدينى إلى الفكر المجتمعى. يضاف إلى ذلك أيضًا رواية «وليمة لأعشاب البحر» الصادرة فى لبنان عام 1983، للكاتب السورى حيدر حيدر، والتى منعت فى مصر، ويعتبرها البعض تطاولًا على الذات الإلهية، خاصة أن بعض الآراء تقول إنه ادعى على القرآن ما ليس فيه، ورغم استخدام حيدر حيدر عبارات لا يمكن تقبلها فى المجتمع الدينى، إلا أن مصادرة الرواية زادت من انتشارها، وتتناول الرواية شخصية «مهدى جواد» وهو الشخصية المحورية العراقية قبل رحيله إلى الجزائر، ووصفه بأنه شيوعى رغم أنه من سلالة الحسين بن على. كان أيضًا لكتاب «الحرب القذرة» حظًا من الحظر، وهو للكاتب حبيب سويديّة ضابط المظلات السابق فى القوات الخاصة الجزائرية، حيث يتحدث فيه عن الفظائع التى شهدتها البلاد من حرب أهلية وما عرف بالعشرية السوداء «1992-2002»، وتناول الكتاب الدور الذى قام به الجيش الجزائرى فى تلك الفترة من جرائم ومخالفات كبيرة، وكذلك ما قامت به الحكومة الفرنسية فى ذلك الوقت. يضاف إلى ذلك رواية «بنات الرياض» للكاتبة رجاء الصانع، وهى صادرة فى عام 2005، ومنعت فى السعودية بتهمة «تشويه صورة المجتمع السعودى» والحديث عن أمور خاصة بمجتمع النساء فى السعودية تعلقت بمستوى الحرية والحب وما إلى ذلك، وقد تناولت الرواية تفاصيل عن قصص أربع فتيات سعوديات هنّ قمرة، سديم، لميس، مشاعل، ولم يسمح للرواية بالمشاركة فى المعارض العربية. ويدخل كتاب «لعبة الأمم» لمؤلفه مايلز كوبلاند، ضمن الكتب الممنوعة أيضًا، ويتناول الكثير من كواليس اختراق أنظمة الحكم العربية،، ودور المخابرات الأمريكية فى تجنيد بعض الجواسيس لاختراق انظمة الحكم، والعديد من التفاصيل والكواليس الخاصة ببعض الفترات والأزمات الهامة فى مراحل مختلفة وأنظمة مختلفة فى الوطن العربى. وتتضمن قائمة الكتب الممنوعة رواية «العدامة» لكاتبها تركى الحمد، والذى تم منع العديد من كتبه الأخرى, وهى قصة شاب سعودى ينفتح على العالم فى مرحلة أساسية من حياة المملكة السعودية, وتحديدًا بين 1967- 1975، ومدى تأثر هذا الجيل بشعارات القومية العربية فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ويبحث بطل الرواية عن الحرية ويرتبط بجماعات ضد الحكومة وتجهز للثورة، وغيرها من الأحداث التى تقوده إلى رحلة اليقين من الذات الإلهية، وخلال تلك الرحلة تعارضت الكثير من المناطق السردية مع الثوابت الدينية، إلا أن الرواية تعد علامة فى رحلة البحث عن الله. كما تم منع رواية المحاكمة للروائية الكويتية ليلى العثمان، والتى تتضمن أحداث 4 سنوات من عام 1996 وحتى 2000، اتخذت شكل اليوميات ووثقت فيها تفاصيل الأزمة التى تعرضت لها بدايةً من استدعاء أمن الدولة لها واتهامها، كما تحدثت عن كواليس عمليات التحقيق معها حتى صدور الحكم، ومن المدهش جدًا أن تهدى الروائية العمل إلى من رفعوا الدعوة عليها بشكل يحمل السخرية، قائلة «إلى الأخوة الذين رفعوا الدعوى ضد كتاباتى، وأدانوا أدبى، إليهم مع الشكر الجزيل، فقد كانت حافزًا لولادة هذا العمل الأدبى».