«رامى الكلاب».. أول انتحارى «داعشى» ينفذ عملية لاستهداف قيادات حماس ما زال الكثير من المصريين يتساءلون عن سر تراجع العمليات الإرهابية فى الآونة الأخيرة، الإجابة تقدمها «الصباح» بعد تقصى الحقائق والتواصل مع مصادر أمنية رفيعة وشخصيات تركت العمل الجهادى ونبذت العنف، لا سيما أنهم كانوا جزءًا من معارك دامية قديمة. البداية كانت بصدور حكم القضاء المصرى فى يوليو 2017 فى قضية اغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات، بإحالة أوراق 31 متهمًا إلى مفتى الجمهورية، وذلك بعد أن ثبت تورط ما يسمى ب«تنظيم بلا اسم» بحصولهم على تدريبات عسكرية وتركيب وتكوين المتفجرات فى غزة، وبالتحديد على أيدى عناصر من حركة حماس. ورغم إدراج حركة حماس على قائمة الجماعات المحظورة، منذ عام 2015 بتهمة اختراق سجن وادى النطرون، إلا أن تحركات ووساطات فى الفترة الأخيرة تمت فى محاولة للتقريب بين حماس والسلطات المصرية بعد مصرع خمسة فلسطينيين، من قطاع غزة، كانوا يقاتلون فى صفوف «داعش» فى سيناء. وبحسب مصادر مطلعة ل«الصباح» فإن القيادى الفلسطينى محمد دحلان قاد فى الأيام الماضية الوساطات للتقارب بين الجانبين، ووافقت عليها السلطات المصرية بشرط أن ترضخ حماس لكل الشروط التى تضمن سيطرتها على الجماعات والفصائل المتورطة فى تنفيذ عمليات إرهابية داخل سيناء، وإقامة منطقة عازلة على الحدود لمنع تسلل عناصر داعش. بداية العام الحالى 2017 بدأت حماس تطبق بقبضتها الحديدية على قطاع غزة وحدودها مع سيناء، وألقت القبض على نحو 300 فرد من المنتمين لداعش ولمجموعات السلفية الجهادية ممن يتحركون بين سيناءوغزة، وأودعتهم فى سجونها المشددة. مصادر غزاوية مقربة من حماس، قالت ل«الصباح»، إن الحركة اعتقلت كل من له علاقة بالعمليات الإرهابية ممن ينتمون لداعش، وأمر خطباء المساجد بإطلاق حملة ضد «الفكر المتطرف». وطلبت حماس من الأئمة التركيز فى خطبة الجمعة، على حرمة دم المسلم، وخطورة الانحراف الفكرى على الإنسان والمجتمع. وعلى الفور وقعت «معركة» كبرى بين داعش سيناء، وحركة حماس فى غزة كرد فعل على الاعتقالات والحملة ضد عناصرها، ووصل الأمر بينهما أن قامت عناصر من داعش بالوقوف أمام فتحات الأنفاق السرية الممتدة من غزة إلى داخل سيناء، لإيقاف كل البضائع وأنواع الوقود التى يتم التجارة بها وتهريبها بين مصر وفلسطين. وهدد عدد من المنتمين للتنظيم الإرهابى بغلق الأنفاق «تأديبًا لحماس»، وهو ما تسبب فى حدوث أزمة لرواتب موظفى حماس فى القطاع. جهاديون سابقون أوضحوا ل«الصباح» أن حماس أقامت تحالفًا اقتصاديًا مع الجماعات فى سيناء، وكانت تؤوى بعض الهاربين منهم، وكان لديهم تبادل تجارى، لا سيما أنه من المعروف أن جماعة أنصار بيت المقدس كانت المسئولة عن تهريب المواد البترولية من بنزين وسولار. وطالب التنظيم مرارًا بحسب المصادر قيادات حماس بالإفراج عن عناصره المعتقلة لدى الحركة بسجون غزة، وذلك للسماح لهم بالعبور ببضائعهم عبر الأنفاق. وكشفت جماعة «أنصار الخلافة» السلفية التابعة لتنظيم داعش الإرهابى عبر صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعى، عن اتفاق زعمت إبرامه بين الأجهزة الأمنية المصرية وحركة «حماس» الفلسطينية بموجبه يتم تسليم «حماس» للعناصر الإرهابية المتطرفة من عناصر أنصار بيت المقدس الإرهابى ومحاصرتها وتقديم كل المعلومات عن أماكن تواجد العناصر التكفيرية بسيناء. وأوضحت أن الاتفاق جاء بعد رفع الحكومة المصرية اسم «حماس» من لائحة التنظيمات الإرهابية، مؤكدة أن حماس شنت حملة على عناصر السلفية الجهادية للبحث عن مصالحها الشخصية، واستعادة سيطرتها على قطاع غزة بعد انتشار عدد كبير ممن وصفتهم بالمجاهدين من عناصر تنظيم الدولة فى القطاع. فى الإطار نفسه أعلن قائد داعش فى سيناء، ويدعى أبوهاجر الهاشمى، عن هويته، ونشر بمجلة «نبأ» التابعة لإعلام التنظيم الإرهابى، فتوى بتكفير قيادات حماس، ودعا أعضاء التنظيم لشن حرب وتنفيذ عمليات ضدها. وبرر الهاشمى ذلك بأن حماس تلاحقهم، لأنهم يطلقون الصواريخ على إسرائيل، قائلًا: «ألا تعلمون أن من حكم بغير شريعة الله فهو كافر ولو صلى وصام وقاتل اليهود». ودعا شباب غزة إلى الهجرة إلى ما أسماه «ولاية سيناء»، ونشر التنظيم صورًا لنشطاء وقادة سابقين فى حركة حماس، انضموا لصفوفه، أو قتلوا فى الحرب إلى جانبه، الأمر الذى سبب إحراجًا للحركة التى تحاول تحسين علاقتها بمصر، وإظهار التزامها بالحرب ضد داعش وملاحقة نشطائه فى القطاع. لم تتوقف الخلافات عند التصريحات الإعلامية ومحاولة غلق الأنفاق والملاحقات ففى أغسطس الماضى خرج الانتحارى مصطفى جمال كلاب، ومعه عنصر آخر ينتمى لتنظيم داعش الإرهابى بعدما تلقى تعليمات وتدريبات عبر الإنترنت لتنفيذ عملية إرهابية داخل صفوف حماس على الحدود الفاصلة بين سيناءوغزة لإحداث ضجة إعلامية كبرى، وتوجيه صفعة لحماس ردًا عما تفعله ضدهم. «الكلاب» وهو أحد الغزاويين المنتسبين لأحد أكبر العائلات بالقطاع، وصل إلى الجانب الشرقى للمعبر فى جنوب القطاع ومعه العنصر الآخر، وحاولت قوة من أجهزة الأمن التابعة لحماس، تفتيش الانتحاريين بعد اقترابهما من الحدود، وقاموا بتوقيفهما، وعندما اقتربت منهما القوات فجر أحدهما نفسه. وتعد هذه هى المرة الأولى التى ينفذ فيها حادث انتحارى من قطاع غزة ضد حماس، وراح ضحية العملية الإرهابية القيادى الحمساوى بكتائب عز الدين القسام نضال الجعفرى ومعه 5 أفراد آخرون. وكان رد فعل أسرة الانتحارى التكفيرى مصطفى كلاب، مستنكرًا لما قام به ابنها، وتدينه بشدة، وأنها لم تقم بدفنه فى مقابر العائلة، كما زعمت الأسرة بأن ابنهم الانتحارى كان هو ومن معه يحاولون التسلل إلى مصر، وعندما تم توقيفهم قاموا بتفجير أنفسهم، فيما كشفت مصادر فلسطينية إن شقيق منفذ التفجير الإرهابى، ما زال يقاتل فى صفوف داعش فى الرقة بسوريا. بعدها أعلن «داعش» تبنيه العملية مبررًا ذلك فى بيان له بأن حركة حماس تحصد ثمار قتلها ومطاردتها وتدميرها للمساجد فى قطاع غزة. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وتطورت الأمور بين حماس وداعش، وأعلنت كتائب القسام الجناح المسلح للحركة سيطرتها على موقعين عسكريين تابعين لعناصر سلفية متشددة فى قطاع غزة، فى إطار حملة أمنية تستهدف مناصرى تنظيم داعش فى القطاع. وأعلنت بعض الصفحات المنتمية لحماس أن الموقعين هما «جيش الإسلام، ولواء التوحيد» اللذان كانا تحت سيطرة عدد من العناصر السلفية فى غزة، وتستخدمها لإجراء تدريبات عسكرية، كما شنت الأجهزة الأمنية التابعة لحماس، حملة ملاحقات أمنية واسعة، لمناصرى تنظيم داعش الإرهابى فى غزة. وفى مايو من العام الحالى 2017، أعدمت حماس فى قطاع غزة ثلاثة أشخاص من عناصرها، قالت إنهم متهمون بتسريب معلومات عن نشطاء، وعن المواقع العسكرية وتورطهم فى اغتيال القيادى فى كتائب القسام مازن فقهاء، الذى تم اغتياله فى مارس الماضى، والذى تم إطلاق سراحه فى صفقة الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط عام 2011، لكنه أبعد إلى قطاع غزة بموجب شروط الصفقة، وزعمت حماس أنها فتحت باب التوبة لمدة أسبوع واحد، وذلك لتسمح لهم بتسليم أنفسهم إلى الأجهزة الأمنية، إلا أنه لم يحدث، واستطاعت الإمساك بهم وإعدامهم. تم تنفيذ الإعدام فى مقر الجوازات غرب مدينة غزة بحضور عدد من قادة الحركة وممثلين عن الفصائل الفلسطينية، وعلى الملأ فى ميدان عام ألبسوهم «زيًا أحمر» وغطوا وجوههم وتم تكبيل أيديهم وأرجلهم، وتم تنفيذ الإعدام بهم، كما لم تسمح حماس لأى أحد بتصوير الإعدام، أما عن أسماء من تم إعدامهم، فهم ع.م وعمره (55عامًا) و(ا.ش) والبالغ من العمر ( 32عامًا)، وهما من سكان مدينة غزة و(و.أ) البالغ (42عامًا)» وهو من سكان خان يونس فى جنوب قطاع غزة. لكن بالعودة قليلًا للوراء تبين أن المعركة بين التنظيم والحركة ليست وليدة الأحداث الأخيرة، ففى 2009 أعلن قائد تنظيم «أنصار الله» السلفى الجهادى، إمارة إسلامية من داخل مسجد «ابن تيمية» فى مدينة رفح الفلسطينية، وحينها حاصرت حماس المسجد ودارت اشتباكات بينهم وبين السلفيين الجهاديين ووصل الأمر إلى تفجير المسجد وطرد كل تلك العناصر المتشددة من غزة. وانضم عدد كبير من الجهاديين الفارين بعد هذه الواقعة إلى تنظيم «أكناف بيت المقدس»، ومن بعدها إلى «أنصار بيت المقدس» الذين تبنوا عمليات إرهابية كبرى فى مصر أبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية المصرى السابق اللواء محمد إبراهيم، وتفجير مبنى المخابرات فى الإسماعيليةوسيناء، ومديريات الأمن فيما بعد. وتحول «أنصار بيت المقدس» فيما بعد إلى ما أسموه ب«ولاية داعش» فى سيناء بعدما بايعوا أبوبكر البغدادى زعيم داعش فى سوريا والعراق.