تراهم مترجلين فى عدد من شوارع وسط البلد، حاملين آلات موسيقية ليست بالثقيلة، الابتسامة لا تفارق وجوههم، يرفضون أخذ أى مبالغ مالية تمامًا، رغم ما يقومون به من عمل وجهد وما يهدروه من وقت فى إسعاد المارة، إلا أنهم يفعلون ذلك دون تكلف، ودون البحث عن مقابل، صنعتهم الظروف الصعبة، اتخذوا من انتقادات المجتمع درجات صعدوا عليها حتى ذاع صيتهم، وأصبحوا فريق الفرحة أو «س» كما يطلقون على أنفسهم. 4 شباب احترفوا العزف على الآلات الموسيقية عن طريق التعلم الذاتى، دون أن يدرس أى منهم أى نوع من أنواع الموسيقى، يمرون فى الميادين العامة يعزفون وتتجمع حولهم العشرات فى كل ميدان، يستمعون لهم ويصفقون ويضحكون، ويرفضون أخذ أى مقابل لذلك. البداية «مشاكلى الأسرية سبب نجاحى» قالها عمر شريف عازف الهارمونيكا البالغ من العمر 20 عامًا، موضحًا أنه مر بعدد من المشكلات مع عائلته خلال السنوات الماضية، مما جعله يخرج كثيرًا فى وقت متأخر من الليل، ووجد نفسه يجلس فى الطرقات ذات يوم وبجواره رجل كبير فى السن يعزف على آلة الكمانجة، فنمت الفكرة فى عقل عمر، وتذكر أن لديه مهارة العزف على الهارمونيكا، وبدأ بالفعل ينزل على مقاهى وسط البلد وانضم له أصدقاؤه الذين لم يكملوا عقدهم الثانى بعد، وهم «عماد عصام» عازف بونجز، ونديم محمد عازف الطرمبة، وسيف عز عازف الطبلة الشرقى «الدربُكة». موضحًا أن كل ما يهمهم هو أن يسعدوا الآخرين، وأن يكونوا سببًا فى إدخال الفرحة على قلوب المارة بأقل الإمكانيات خاصة وأنهم لم يتعلموا العزف بشكل محترف بل تعلموه بشكل تلقائى من خلال تعاملهم مع الآلات، واستماعهم لأنفسهم خلال العزف. مواهب متعددة لم تكن موهبة عمر فى العزف على آلة الهارمونيكا هى الموهبة الوحيدة، فهو رسام جرافيتى، ويعمل فى مجال تصميم عروض الأزياء الرجالى وتصميمها كذلك، هذا بخلاف موهبته فى الرقص، وقد فعلها منذ عدة سنوات ونزل ليرقص على كورنيش المعادى رقصة شهيرة تسمى «بوبينج ودابستيب»، إلا أنه لم يكررها ثانية بسبب ما تلقاه من سُباب وشتائم من المارة. توفيت والدته وهو صغير حتى أنه لم يرها، وتوفى والده منذ 5 أعوام، عمر مسئول عن تربية أخوته ويعول الأسرة، وينفق عليهم من خلال عمله فى مجال تصميم الإكسسوارات المصنوعة من الفضة والأحجار الكريمة والتجارة فى بعض الأنتيكات، بالرغم من ذلك لم تسعفه جميع تلك المواهب والإمكانيات من تحقيق حلمه بسبب مسئولية المنزل التى وقعت على عاتقه. مجتمع ظالم قالها عمر وهو يؤكد عليها بعد أن أفصح عن كره عائلته والمحيطين به بسبب اتجاهه للعزف والرقص أحيانًا، فحتى طريقة لبسه وأسلوبه فى اختيار قصات الشعر لا تعجبهم على الإطلاق، فينعتوه ببعض الألفاظ التى تؤذيه أحيانًا سواء فى وجهه أو سرًا فى عدم وجوده، فهم عادة ما يتهمونى بالفشل، حتى أن أصدقاء والدى قاطعونى بعد أن عرض عليه العمل معه، وبعد رفضى لذلك بدأ بتوبيخى والتقليل من عملى وهوايتى. رغبة فى السفر لم يتمكن عمر من تحديد شكل مستقبله بشكل واضح إلا أنه يُدرك تمام الإدراك أنه يريد الخروج من مصر، ويرى أنه لم ينتفع من التعليم بأى حال من الأحوال، خاصة وأنه لم يختار دراسته للحقوق بإرادته، حيث كان يريد فى البداية أن يدرس فى كلية الفنون الجميلة، إلا أنه لم يتمكن دخولها بسبب المجموع، كما لم يتمكن دخول إحدى كليات الفنون الجميلة التابعة لأى من الجامعات الخاصة بسبب سوء الأحوال الاقتصادية لأسرته، حتى اختار دخول كلية التجارة إلا أنها هى الأخرى رفضته بسبب المجموع، واضطر آسفًا لدخول كلية الحقوق، التى لا يحبها على الإطلاق، قائلاً «التعليم فى مصر لا يساعد على تنمية المواهب إطلاقًا، ولا يساعد الشباب للوصول لأحلامهم». جمهور الصينيين من أبرز المواقف النادرة التى تعرضت لها فرقة «س» خلال جولاتهم فى الميادين، عندما كانوا يعزفون أمام أحد المحال التجارية الشهيرة بميدان طلعت حرب، وصادف ذلك وجود عدد من الصينيين مارين فى الشارع ما يقرب من 20 صينيًا، حتى خرج عليهم صاحب المتجر وحاول طردهم من أمام متجره وبدأت مشاجرة عنيفة انتهت بالاتصال بالشرطة التى أخبرتهم بضرورة رحيلهم من المكان وتوخى الحظر حتى لا تكون تجمعاتهم سببًا فى اندساس النشالين واللصوص. قرر شباب «س» تحديد يوم الخميس من كل أسبوع ليكون اليوم الأساسى لنزولهم لممارسة هوايتهم، والبحث عن يوم آخر خلال الأسبوع يتم تغييره والاتفاق عليه كل أسبوع وفقًا لظروف عملهم ودراستهم.