شهادات الأقباط حول لحظات الرعب والمعاناة حنا: شاهدت بعينى مقتل الأب مينا عبود.. وتركت بورسعيد منذ سنوات ثم عدت إليها هاربًا والدة مريم: ابنتى لا تستطيع المذاكرة ونحن أغراب فى المدينة ولا نعرف المدرسين خلافات نشبت بين وزير الشباب ومطران بورسعيد ونواب تدخلوا لاحتواء الأزمة أقباط العريش: لم يأمرنا أحد بترك بيوتنا..والدولة عملت اللي عليها وزيادة خرجوا من ديارهم، لا يعلمون مصيرهم، هرولوا سريعًا هاربين من الإرهاب، بعدما فوجئوا بقلة باغية تطرق أبوابهم، وتقتل أبناءهم، وتحرق منازلهم، بذنب واحد، أنهم أقباط! الرحلة إلى المجهول استمرت نحو 200 كيلو، حتى وصل الهاربون من العريش إلى الإسماعيلية، فى بداية لحياة جديدة، تخلو من الدمار والدماء، ليستقبلهم المسلمون بحفاوة بالغة، ويرافقونهم إلى الكنائس، ويتابعون عمليات تسكينهم فى نزل الشباب ومخيمات الإغاثة، ويلبون كل احتياجاتهم، فى تجسيد حقيقى لوصية الرسول الكريم: «استوصوا بهم خيرًا».
وما بين مصطلحى «النزوح» و«التهجير»، استمر الغموض يسيطر على الساعات الأولى من عملية انتقال أقباط العريش إلى الإسماعيلية، حتى خرج وزير الداخلية، مؤكدًا أنه لم تتم مطالبة أبناء العريش بترك منازلهم، وأن انتقالهم إلى محافظة أخرى، كان ضرورة لتأمينهم، وهو ما أقره الأقباط، حين وصفوا أنفسهم ب«النازحين»، وبين كل هذا شهدت الأيام الماضية الكثير من الأزمات والمشاهد المأساوية، والإنسانية أيضًا.. ترصدها «الصباح» فى هذا التحقيق، ومن قلب الحدث. فى ظل الأوضاع الصعبة، التى عانى منها أقباط العريش، وسعى الدولة لتوفير مأوى لهم، قضت الصباح يومًا معهم بمعسكرالكشافة الدولى للشباب، فى مدينة بورسعيد، ورصدت حياة 14 أسرة تم نقلهم من الإسماعيلية، بعد إعلان مطرانية الإسماعيلية عدم قدرتها على استيعاب المزيد من الأسر القبطية. فى بداية اليوم، اصطحبنا القس «أرميا فهمى»، المتحدث الرسمى لمطرانية بورسعيد، فى جولة داخل المعسكر، لنشاهد كيف يعيش 69 قبطيًا داخل المعسكر. وقال «أرميا»: إن المطرانية استقبلت فى البداية أسرتين، ثم استمرت الأعداد فى التزايد، إلى أن وصلت الآن إلى نحو 14 أسرة، فى مجمع الكشافة الدولى، بالإضافة إلى 6 أسر بمجمع الإغاثة التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، مضيفًا إن الأعداد قابلة للزيادة خلال الأيام المقبلة. وفى حجرة ضيقة مساحتها لا تتجاوز 4 أمتار، بها سريران، جلس عم «حنا» الشهير ب «أبو جورج»، صاحب السبعين عامًا، كان منهمكًا فى قراءة كتاب، وكأنه زاده الوحيد الذى استطاع أن يصطحبه فى رحلة هروبه من الإرهابيين، كان جالسًا على سريره، ويعكس وجه أشعة الشمس التى عبرت الستائر فى محاولة لتوسيه عما حدث. وبمجرد رؤيتنا اعتدل عم «مينا» ليروى لنا ما حدث فى أرض الفيروز، فى البداية أخبرنا أنه ترك بورسعيد منذ مدة طويلة، لكن الظروف اضطرته للعودة مرة أخرى كأحد الهاربين من جحيم الإرهابيين، مضيفًا إنه كان أحد المشاركين فى حرب أكتوبر، وأصيب خلال المعارك، وسافر على نفقة القوات المسلحة للعلاج بالخارج. وعبر «أبو جورج» عن حزنه قائلاً: «لم أكن أتصور وأنا فى السبعين من عمرى أن أصبح مشردًا، أبحث عن مأوى لى فى آخر أيام حياتى، لكن يبدو أن تركه لمنزله ليس فقط ما يحزنه، فبحسب ما قال هناك بعد آخر للقصة، فكونه أحد رجال القوات المسلحة، وشارك فى تحرير الأرض، لم تهن عليه أن يترك الأرض التى قاتل دفاعًا عنها. كما روى «حنا» واقعة قتل الأب مينا عبود، إذ كان أحد الشهود العيان على تلك العملية الإرهابية، وقال إنه كان يقف مع الأب مينا بجوار سيارته، وفوجئ بشاب لم يبلغ العشرين من عمره يهددهم بسلاحه الآلى، صائحًا: «لستم المقصودين»، وأخذ الأب مينا، وأطلق عليه النار من الخلف ليسقط قتيلاً. وأضاف «أبو جورج» أن أقباط العريش لم يتم تهجيرهم، ولم تطلب أى جهة أو شخص منهم أن يتركوا المدينة، لكنهم فضلوا ترك المدينة خوفًا على حياتهم، مضيفًا أن القيادات الأمنية بشمال سيناء تتواصل معهم بصفة دائمة، مشيرًا إلى أن أقباط العريش يصل عددهم إلى نحو 550 أسرة، تضم نحو 2500 فرد. فيما قالت «أم جورج» زوجة «حنا» إن الدولة وفرت لهم أماكن إيواء ببيوت الشباب والكنائس، كما سارعت أجهزة الدولة بتوفير بطاطين ومواد غذائية، وحاولت التخفيف عنهم وطمأنتهم، وتراعى الكنيسة المشرفة على معيشتهم، أن تكون الوجبات «صيامى» تتكون من البقوليات وخالية من اللحوم والألبان نظرًا لأنهم فى فترة الصوم الكبير. فيما سخرت «مريم» طالبة الصف الثالث الثانوى، من الأوضاع، وقالت إنها اضطرت لترك العريش، ولم تستطع حمل جميع كتبها معها، مضيفة أنه لم يتبقى سوى أقل من شهرين على الامتحانات ولا تستطيع المذاكرة نتيجة الأوضاع الحالية. وأوضحت مريم، أنها التحقت بإحدى مدارس بورسعيد ووعدها المسئولون بتوفير الكتب التى تحتاجها. واستكملت والدة مريم الحديث قائلة: «الظروف غير ملائمة لابنتى لتستطيع المذاكرة، فنحن أغراب هنا، ولا نعرف مدرسى المواد، الذين يمكنهم مساعدة ابنتى. ونفى «مجدى» الشائعات التى أطلقها بعض دعاة الفتنة، والتى ادعوا فيها أن المسلمين استقبلوا خبر قتل الأقباط ب«الزغاريد»، مؤكدًا أن هناك تعاونًا ومحبة بين مسلمى مصر وأقباطها، مشددًا على أن المسلمين قدموا الدعم والمساعدات للأقباط خلال الأزمة. فيما شرح القس «أرميا فهمى» لنا طبيعة الاستهدافات التى تحدث فى سيناء من واقع الحصر الذى أعده، وأقوال الشهود العيان، إذ قال إن استهداف الأقباط لا يتم عشوائيًا، ويتم انتقاء الرموز الدينية للأقباط فى سيناء، فقد تم استهداف أبونا مينا عبود رغم وجود عدد من الأقباط حوله، موضحًا أنه ليس رجل الدين الأول فقد سبقه ثلاثة آخرين، منهم القس رافائيل موسى. وأشار إلى أن الأسر التى استطاعت أن تصل إلى مدينة بورسعيد عانت كثيرًا، كما تسببت الأوضاع السيئة فى إصابة البعض بحالات نفسية خاصة الأطفال، وحتى الكبار أنفسهم لم يسلموا من ذلك، مثل «حنا» الذى شاهد مقتل رمز الكنيسة أمام عينيه، لذا حرصت الكنيسة على وجود عدد كبير من الأخصائيين الاجتماعيين، وسنقدم لهم برامج توعوية ونفسية وترفيهية، مؤكدًا أن الأمور فاقت حمل الرجال، وهناك رب أسرة بكى أمام زوجته. ونفى المتحدث الرسمى لمطرانية بورسعيد، هروب أو اختفاء الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء، خاصة بعد تداول البعض بعض الشائعات التى تفيد بتهرب الأسقف عن متابعة أمور أقباط العريش، مؤكدًا أن الأنبا قزمان أسقف شمال سيناء، تلقى تهديدات صريحة بالقتل، وهذه المعلومات يعلمها الأمن جيدًا، لذلك فكل تحركاته تتم بعلم الأجهزة الأمنية، فقبل أن يزور الأقباط فى الإسماعيلية كانت هناك تأمينات شديدة من قبل الأجهزة الأمنية، كما استنكر دعوات أقباط المهجر التى دعوا فيها لتدويل القضية، مؤكدًا أن هذا الأمر لا يعبر عن الكنيسة. وردًا على ما تدواله الإعلام حول دور الكنيسة الإنجيلية، والتأكيد أنها لعبت الدور الأبرز فى الأزمة، قال القس أرميا فهمى، إن هذا الأمر أخذ بعدًا طائفيًا، مؤكدًا أن هذا الكلام ليس صحيحًا، فالكنيسة الأرثوذكسية قامت برعاية أبنائها على أكمل وجه، ودور الكنيسة الإنجيلية ضخمه الإعلام، لكن الحقيقة أن وفدًا من الكنيسة الإنجيلية جاء وعرض المساعدة وفتحوا أبواب مدارسهم الخاصة، والأنبا تادروس يتواصل باستمرار مع الأنبا بيمن وقداسة البابا تواضروس فى حال وجود أزمات. وشدد المتحدث باسم المطرانية، على أن الكنيسة لم تقم باحتكار المساعدة، لأن الدولة منوط بها مساعدة تلك الأسر، واحتكار الكنيسة للمساعدة سيكون مبنى على أساس طائفى، مؤكدًا أن الدور الرئيسى لتقديم المساعدات للدولة ونحن نساعد فقط. وعن بداية الأزمة، قال: «فى البداية وردت إلينا أخبار عن نزوح عائلات قبطية من العريش، ولم تكن تلك المعلومات مؤكدة، لكن بعد تداول وسائل الإعلام للواقعة، وورود أخبار تفيد بتكدس الأقباط أمام الكنائس، وجه الأنبا تادروس مطران بورسعيد بمساعدة الأقباط النازحين إلى الإسماعيلية، وتوفير أماكن إيواء لهم ببورسعيد، وقمنا بتسكين الأسر، ووفرنا لهم سبل الإعاشة، كما قمنا بزيارة الأنبا «سارافيم»، أسقف الإسماعيلية، وعرضنا مساعدة الأعداد التى تزيد عن قدرة استيعاب المطرانية بالإسماعيلية». ولفت إلى أن المشكلة الحقيقة ليست فى توفير السكن أو الطعام، لكن المشكلة الحقيقة تكمن فى وجود العديد من الطلاب الذين لا يستطيعون استكمال دراستهم، والموظفين الذين لا يقدرون على التوجه لعملهم، بالإضافة لوجود بعض أصحاب المهن الحرة، وهم عمال على باب الله. وأضاف: «انتظم طلاب الثانوية فى مدارسهم، وتم توزيعهم على الفصول، ونتواصل الآن مع مدرسين لتوفير قاعات مناسبة لمذاكرة الطلاب، كما واجهتنا أزمة لأن هؤلاء الشباب ليسوا من المحافظة والأطفال ليس لديهم القدرة على التوجه إلى المدارس واستكشاف الطريق وحدهم فتطوع بعض الشباب لاصطحابهم إلى المدارس والدروس». وأشار المتحدث الرسمى للمطرانية إلى أن الأنبا تادروس عندما كان فى زيارتهم ترك مبلغًا رمزيًا، لتلبية احتياجات الأسر الضرورية. وردًا على هجوم البعض على الكنيسة لجمعها تبرعات، قال: لا ننكر أن مساعدة الأسر مسئولية الدولة، لكننا قدمنا مساعدات لأن هذا طبيعى، ونشكر كل من ساعدنا، وحتى الإخوة المسلمين، قدموا مساعدات، ولدينا الآن ما يكفى لسد احتياجات الأسر لمدة ثلاثة أيام، ونحن نرفض جمع التبرعات، لكن المطرانية فتحت حسابًا باسم الأنبا سارافيم بعد أن طلب المحبون أن يقدموا مساعدات فى ظل تدهور الأوضاع وزيادة الأعداد. وأوضح أن هناك أوامر سيادية، صدرت بالتسكين والإعالة الفورية لجميع الأسر، لكن البيروقراطية عطلت القرارات، فنحن نستغرق وقت حتى نتواصل مع مسئولى التموين لحصر الأعداد لصرف مستحقاتهم من الخبز، ومع مسئولى التربية والتعليم لحصر عدد الطلاب وتوزيعهم على المدارس، حتى وإن كانت الأجهزة التنفيذية متجاوبة، لكن ترتيب الأمور استغرق وقتًا، ولذلك تصرفنا ووفرنا الاحتياجات حتى تقوم الدولة بواجبها. فيما رصدت «الصباح» وجود عدد كبير من الحرفيين الذين لا يجدون عملًا، وعلق «فهمى» على ذلك: «تواصلنا مع وكيل وزارة القوى العاملة، ووفر بعض الوظائف للشباب بمرتبات جيدة، لكن هناك شباب لم يستطع تغيير مهنته، فلدينا بناء ونقاش نحاول أن نوفر لهم فرص عمل». وعلى صعيد آخر، نشبت أزمة بين وزير الشباب المهندس خالد عبد العزيز والأنبا تادروس، مطران بورسعيد، حول تسكين عدد من الأسر بنزل الشباب ببورسعيد، إذ كانت مدن القناة «الإسماعيلية وبورسعيد»، قد استقبلت أقباط العريش، وبعد تزايد العدد بالإسماعيلية، توجهت14 أسرة إلى بورسعيد، وقامت مطرانية بورسعيد بتسكينهم فى معسكر الكشافة الدولى بالتنسيق مع المحافظة، لكن مع تزايد العدد لم تجد 6 أسر، بالإضافة إلى 22 شخصًا آخر مكان لهم بالمعسكر، فتوجه مسئولو الكنيسة بهم إلى نزل الشباب بالمحافظة، لكن مسئولى الكنيسة فوجئوا بإغلاق أبواب النزل فى وجوههم. وحاول مطران بورسعيد، الاتصال بوزير الشباب والرياضة، المهندس خالد عبد العزيز، لكنه لم يرد على الهاتف، كما حاول النائب محمود حسين عضو لجنة الشباب والرياضة بالبرلمان، الاتصال بالوزير أكثر من مرة إلى أن رد على هاتفه. وأكدت مصادر، أن الوزير تحدث مع الأنبا تادروس، مطران بورسعيد، بصورة حادة وغير لائقة، وأمره بالابتعاد عن نزل الشباب، وأخبره أن المقرات التى وفرتها الوزارة تكفى لاستيعاب جميع الأسر التى تركت العريش. وأضافت المصادر، أن أحد الحاضرين أخبر المطران بعدم صحة تلك المعلومات، وأن هناك عددًا كبيرًا من الأسر لم تجد مأوى بالإسماعيلية، ما جعلهم يأتون إلى بورسعيد، ما أغضب المطران، مضيفة أن الأنبا تادروس، أخبر وزير الشباب أنه لا يتلقى أوامره سوى من قياداته الدينية وليس منه. وكان القس «أرميا فهمى» من الحضور وقت الأزمة وعلق عليها قائلًا: «لم نكن مستعدين لاستقبال تلك الأسر، فحاول الأنبا تادروس مطران بورسعيد، التواصل مع وزير الشباب والرياضة المهندس خالد عبد العزيز، لتوفير أماكن لهم فى مقرات نزل الشباب التابعة للوزارة، لكن حدث سوء تفاهم بينهما، وكان الخلاف قائمًا على طبيعة المعلومات التى يمتلكها الوزير وبين الواقع الذى نعيشه هنا وفى محافظة الإسماعيلية. والأمر انتهى، وتدخل أعضاء مجلس النواب، والدكتورة سوسن حبيشى وكيل مديرية التضامن الاجتماعى، إذ قامت باحتواء الموقف، ووفرت أماكن للأسر القبطية». وقال أرميا: إن البابا تواضروس يتابع أدق التفاصيل، وهو على اتصال دائم معانا، وأبلغنا بأن الأزمة فى طريقها للانفراج. وأشار إلى أن الانفراجة التى تحدث عنها البابا تواضروس، تعنى أنه سيتم إعادة الأسر إلى العريش مرة أخرى، وتوفير مناخ آمن لهم، وحتى يتم ذلك سيتم تسكينهم فى بورسعيد والإسماعيلية وتوفير الخدمات ونقل الموظفين إلى هنا. فيما كانت القناة الرسمية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، «مارمرقس» أو «مى سات»، وصفت ما حدث لأقباط العريش ب«التهجير»، وهو ما ظهر فى تناولها للأزمة وعنونتها للفقرات على شاشتها التلفزيونية، رغم أن العظة المسجلة للبابا تواضروس، رفض خلالها إطلاق مصطلح التهجير حول أزمة أقباط العريش، وأكد أنهم مواطنون مصريون نازحون بسبب أزمة سيتم حلها فى القريب العاجل. لكن تناول الفضائية الرسمية للكنيسة بخلاف ما يراه البابا تواضروس يكشف عن وجود خلاف حاد داخل الكاتدرائية حول أزمة أقباط العريش.