علاقاتنا متميزة مع المصريين شعبًا ونظامًا.. وبيننا مشروعات مشتركة فى «جوبا» منذ أن اختار شعب جنوب السودان أن يستقل وينفصل عن شماله عام 2011، بعد أن عانى لعقود متوالية من حروب وصراعات حتى أصبح دولة حرة مستقلة، وكان يعتقد أنه سينعم بخيرات الانفصال والحرية والرفاهية، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، واستمر الشعب يعانى وتمثل ذلك هذه المرة فى صراعات داخلية قبلية. وفى ظل وجود أحد أهم رموز النظام السياسى الحكومى بجنوب السودان فى استضافة رجل الأعمال المعروف أحمد بهجت، استغلت «الصباح» الفرصة بإجراء حوار مع الفريق «أوجاستينو جاد الله»، حاكم ولاية «جوبيك» بجنوب السودان، والذى فتح قلبه للحديث عن آخر ما يدور فى الجنوب، والعلاقات المصرية الجنوبية، وانطباعاته عن وجوده فى مصر، وغيرها من القضايا. بدأ الفريق «أوجاستينو» كلامه بشكر جريدة «الصباح» على إتاحة الفرصة للحوار، وقال إن زيارته لمصر تعد الأولى فى حياته، وأنه انبهر بها وهى الدولة العظيمة والكبيرة وتعد من أوائل البلاد الأفريقية حصولاً على الاستقلال، مضيفًا: « مصر من الدول القريبة جدًا للجنوبيين، فهى أول دولة ساعدت أبناء الجنوب، وأعطتهم إمتيازات كبشر لهم حق الحياة والحرية والرعاية». وتابع: «تعتبر مصر أول من بنى وعمر لأبناء جنوب السودان، حيث قامت فى الخمسينيات ببناء مدرسة ملكية أساسية، وهى تعتبر أقدم مدرسة فى مدينة (جوبا) بنيت تحت إشراف وزارة المعارف المصرية، كذلك تعتبر أولى الدول التى أعطت منحًا دراسية لأبناء الجنوب، وذلك بداية من 1972 فى عهد الرئيس نميرى وحتى الآن، ووفرت 300 منحة جماعية زادت إلى ألف منحة». وأشاد «أوجاستينو» بموقف مصر مع الجنوب ومساعدته كثيرًا فى الاستقلال والحرية وإحلال السلام حتى أصبح دولة ذات سيادة وهيبة، وتابع: «علاقاتنا متميزة مع مصر فى مختلف المجالات»، لافتًا إلى وجود مشروعات مشتركة بين مصر وجنوب السودان تنسقها سفارة مصر فى جوبا، ومنها مشروع المزارع السمكية، والمشروعات الزراعية والرى والكهرباء. كما أشاد بتقدم مصر المبهر، واصفًا إياها بأنها دولة عظيمة ومخططة ونظيفة مثلها مثل باقى الدول المتقدمة فى الأسواق والمولات وغيرها، وقال: «نحن أبناء وادى النيل، ولدينا رؤية واحدة مشتركة أن يعم السلام من البحر الأبيض المتوسط حتى بحيرة فيكتوريا»، وطالب مصر بالاستمرار فى دعم الجنوب سياسيًا وشعبيًا حتى يستطيع الصمود والتعافى والازدهار. وعن انطباعاته عن مقابلة الدكتور أحمد بهجت، رجل الأعمال المعروف، قال تلقينا دعوة من سيادته لزيارة مصر فلبيناها بوفد رفيع المستوى من كبار الشخصيات، منهم وزراء الصحة والبنية التحتية، ونائب عمدة جوبا، وبعض رجال الإعلام، وزورنا العديد من مشروعات المبهرة فى مصر، وانبهرت بأنه صاحب فكرة إنشاء مدينة السادس من أكتوبر، وهى ذات مدلول عظيم للشعب المصرى الذى تذكره دومًا بانتصارات أكتوبر. وأضاف: «صنع مدينة متكاملة عظيمة فى زمن قياسى». وأشار إلى أن أهل الجنوب يأملون فى نقل خبراته لديهم بإنشاء مدينة أحلام أو «دريم» لتكون مدينة متكاملة، ويشاركنا بكافة خبراته وآراءه من القاهرة إلى جوبا. وتابع: «زرنا كل المشروعات الصناعية والسكنية والترفيهية، ونحتاج لمثلها لنصبح أكثر تطورًا مثل مصر». واستكمل: «الجنوب يحتاج إلى رجل ذى رؤية مثل أحمد بهجت للتعمير، وإتاحة الفرصة لتشجيع الآخرين على الاستثمار فى دولة الجنوب، وإقامة مشروعات أخرى زراعية يحتاج لها السوق مثل زراعات قصب السكر على حوض النيل، فهو خير يعم على أبناء المنطقة ككل». وأشار إلى أنه إذا تم إحلال السلام فى الجنوب فسيكون خير على العالم، حيث أننا لدينا مساحات شاسعة لكل الأنشطة كالزراعة والسياحة والفنادق، ولدينا مناطق غاية فى الجمال والطبيعة الخلابة مثل «نيمولى» و«بادينجلو» و«بوما»، فضلاً عن مشروعات التعدين (الذهب وغيره من المعادن النفيسة) فى شرق وغرب جوبا. وأبدى الحاكم إعجابه بفندق «هيلتون دريم»، أحد فنادق «بهجت»، ونصحه بإقامة مشروع فندقى مماثل هناك فى جنوب السودان بنفس المواصفات والجودة، وأيضًا مستشفى يحتاج لها شعب الجنوب لتكون مجهزة ومتخصصة وتشبه مستشفى «دريم» الكبير المجهزة بأحدث الأجهزة المتطورة والمواكبة للمواصفات العالمية. وأشار إلى أن الزيارة مثمرة وناجحة جدًا اقتصاديًا واجتماعيًا، حيث إننا شعب واحد فى نهاية المطاف لديه اهتمامات مشتركة، ويود مشاركة الخبرات والاستفادة منها، وسنقف خلف مشروعات الدكتور بهجت فى دولة الجنوب وولاية جوبيك، وسنكون خير عون ودفاع عنها، لرد جميل الزيارة والحفاوة والكرم الذى شعرنا به فى بلدنا الشقيق مصر، والذى شعرنا وكأننا نذوب بداخله ولم نشعر بأى غربة مثلما يعيش الآلاف من أبناء شعبنا الجنوبى فى مصر فالمعاملات جميلة طيبة وراقية، خاصة وأن الجنوبيين يأتون بتأشيرة عادية وليست معقدة، فمصر تفتح أحضانها للجنوبيين فى أى وقت ومنذ مئات السنين. وعن مقابلته مع «بهجت»، قال إنه إنسان متواضع ولا يعزل نفسه عن الناس فهو متواصل مع موظفينه دون تعالى، وعلى قدر عال من الوعى والثقافة والصراحة التى تجعله يدخل القلب من أول لقاء وكأننا نعرفه من زمن بعيد، كذلك فهو يمتلك إرادة ورؤيته الاقتصادية دومًا ثاقبة. وعن المشروعات والخطط لولاية «جوبيك»، قال: «جوبيك هى عاصمة دولة جنوب السودان الوليد، ووضعنا إستراتيجية للتنمية لمساعدة الشعب لمدة خمس سنوات حتى 2020 لإنتاج وتنفيذ عدد من المشروعات فى 13 مقاطعة بالولاية التى بدأت من الصفر، حيث لا يوجد بنية تحتية أو خدمات فهى مدينة جديدة وقد تم تقسيمها إلى 13 مديرية تحتاج إلى مدارس ومستشفيات وسكن للعاملين وغيرها. ونوه إلى أنه تم التخطيط لأن تكون الزراعة مشروعًا رئيسيًا بالولاية، خاصة وأنها تعد العمود الفقرى لكل اقتصاد فى دول العالم، وأضاف: «نخطط لزراعة الحبوب والذرة الشامى والحبوب الزيتية والسمسم والفول والفواكه والخضراوات للاستهلاك والتصدير كذلك الصمغ وعُباد الشمس وزراعة غابات لإنتاج أشجار التك والماهوجنى فهناك وعود من شركات أجنبية لكنها فى طور الانتظار حتى الآن لأن الحالة الاقتصادية صعبة، ومعظم الذين يجيئون للجنوب مجرد سماسرة وسطاء وليس مستثمرين جاديين يسعون لمصالحهم فقط وليس لمصلحة الشعب الجنوبى». وأضاف جاد الله: «التحدى الأكبر لأى دولة هى تنمية القوى البشرية، وتوعية الشعب بالتدريب المهنى والمعاهد الفنية لمساعدة الشعب فى التنمية مثلما تفعل الصين وغيرها من الدول العظمى». أما عن أهم أولويات ولاية «جوبيك» فقال هى التنمية الزراعية وتنمية الثروة الحيوانية وإنشاء مجازر إلكترونية للاستهلاك المحلى والتصدير، وأيضًا استخدام الجلود وغيرها، حيث يزخر جنوب السودان بأجود أنواع الأبقار للتصدير للدول المجاورة كالكونجو وكينيا وأوروبا. واستكمل: «تعتبر مصر من أقرب الدول للجنوب، حيث تساعدنا بالعديد من المشروعات كالرى والكهرباء والتعليم وتقديم التدريب لبعض القطاعات فى الدولة، وكذلك إنشاء فرع لجامعة الإسكندرية فى التونج». وعن الوضع الأمنى فى البلاد بعد أحداث 8 يوليو الماضى، قال الفريق «أوجاستينو» إن الوضع الأمنى الآن فى البلاد أفضل، موضحًا أنه بعد توقيع اتفاقية السلام فى أديس أبابا كان الوضع هادئًا لكن لم تنفذ بسبب اختلاف الطرفين بين «رياك مشار» و«سلفاكير»، ولكن أخيرًا تم إبعاد «رياك» إلى خارج البلاد، وتعيين «تعبان دينق» الذى يحاول جاهدًا لم شمل الجنوبيين بالعديد من الولايات والتقدم نحو السلام وإنهاء الحرب التى استنزفت الطاقة البشرية والاقتصادية. وواصل: «يضغط المجتمع الدولى والإقليمى نحو السلام، وتقوم أيضًا بعض قوى الحكومة السياسية، بالاتصال بالشعب عن طريق الكنائس والمشايخ بإنهاء الحروب، حيث إن حرب العصابات التى انتشرت فى البلاد تعد من أكثر المشاكل التى واجهتنا فهى حروب ليست من أجل المال ولكنها ممولة لنشر فكر وتوجه غربى شرير». وأضاف: «الجنوب يحتاج للسلام لينمو مجددًا فى إطار حوار وطنى ومصالحة فعلية، حيث إن شعب جنوب السودان أنهكته الحروب منذ الثمانينيات وفقدنا أكثر من 2 مليون ونصف مواطن». أما عن رأيه فى قوات حفظ السلام الإضافية التى ستدخل البلاد أوائل الشهر المقبل، أوضح أن الأممالمتحدة رأت أن تزيد عدد القوات لتكون 4000 جندى مختلف الجنسية، حيث إن القوى الموجودة حاليًا تصل إلى 12 ألف جندى وعسكرى، لكن من المتوقع أن تتمركز فى العاصمة، لأنه إذا حل السلام فى العاصمة سينتشر فى كل أرجاء الجنوب، ولكن عارضت الحكومة الجنوبية وجود هذه القوات فى البداية، واقتنعت بعد ذلك لكن بشروط ولجنة فنية لتنظيم وجود وعمل هذه القوات حتى لا تؤثر على سيادة الدولة وعملها. وعن دور الولاية فى تنمية الجنوب قال إن «جوبيك» جزء من 28 ولاية، والمسئول الأول عن وضع سياسات الحكومة الوطنية الفيدرالية، ونحن نقوم بالتنفيذ والدعم فقط من توفير مياه نظيفة وشوارع ممهدة ونظافة عامة وخدمات أخرى ونقوم بوضع بعض الخطط الاقتصادية بالتعاون مع بعض رجال الأعمال والمؤسسات الخاصة مختلفة الجنسيات، نقوم بمحاولة لتحسين الوضع الاقتصادى والأمنى وإحلال السلام، ونحاول أيضًا وضع خطط وقوانين لتكون جاذبة للمستثمرين لأننا كعاصمة أفضل حظًا من غيرنا لخدمة الشعب والمساعدة على التنمية والإعمار بمساعدة عدد من الدول الصديقة ودول الجوار وأيضًا مصر.