«أحمد بهجت» هو أول رجل أعمال يخاطر بالاستثمار فى البلاد قبل انفصالنا على الشمال خريجو الجامعات المصرية ينتشرون فى بلادنا دولتنا تبدأ من الصفر وتحتاج جميع الخدمات.. وعلاقتنا مع إسرائيل تقوم على المصالح المتبادلة مياه نهر النيل تكفى لجميع دول الحوض ولا يجوز تمرير اتفاقية «عنتيبى» قبل الموافقة بالإجماع عليها
مع قرب حلول الذكرى الثانية لاستقلال دولة جنوب السودان أجرت «الصباح» حوارا مع السفير أنطونى لويز كون أول سفير معتمد لدولة جمهورية جنوب السودان بعد الانفصال وتناول الحوار العديد من القضايا والملفات بين دولة السودان وجنوب السودان وأيضا بعض القضايا الإفريقية والإقليمية والدولية. فخلفية السيد (كون) الإعلامية أدت إلى بساطة وسلاسة الحوار، فقد بدأ حديثه بالتأكيد على أن الإنسان للإنسان بغض النظر عن قبيلته أو لونه أو عرقه وإنما بعمله ومدى تأثيره فى المجتمع. وأكمل أنه من مواليد الخمسينيات من منطقة أويل شمال بحر الغزال، تخرج من كلية الآداب جامعة الإسكندرية فى الثمانينيات وبعدها عمل بالصحافة لفتره ثم التحق بوزارة خارجية السودان، عام 2007 رشح كسفير لدولة الكونجو الديمقراطية وبرازافيل وأنجولا وبعد انفصال جنوب السودان تم تعيينه ليصبح أول سفير معتمد لجمهورية جنوب السودان فى مصر. وقال إنه يعتبر مصر وطنه الثانى حيث نشأ فى مصر وله صداقات مصرية كثيرة وملم بكافة النواحى الثقافية والاجتماعية والسياحية ولهذه الأسباب تم ترشيحة لمصر. ** بداية حدثنا عن خطة عملكم بصفتكم سفيرا لجنوب السودان فى مصر ومهام منصبكم، وما هى سياستكم الخارجية؟ - تقوم السياسة الخارجية لدولة جنوب السودان على عدة ثوابت أهمها الحفاظ على الأمن الوطنى والقومى للدولة، والتواصل والانفتاح على كافة دول العالم، والعمل على إيجاد مصالح مشتركة وإيجاد فرص استثمار فى جميع دول العالم، للمساعدة فى تنمية جنوب السودان، ومنصبى كسفير لدولة جنوب السودان فى مصر هو تكليف لى من قبل الحكومة للعمل على ترسيخ العلاقات مع مصر، فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومنصبى يحتم على رعاية مصالح الجالية السودانية والطلاب الجنوبيين الموجودين فى وطنهم الثانى مصر. **ماذا عن هوية دولة السودان، هل هى عربية أم إفريقية؟ - بالطبع هويتنا إفريقية، وهو أمر لا خلاف عليه، باعتبارها هوية قبائلنا وطبائعنا وعاداتنا وتقاليدنا، فجنوب السودان ينتمى إلى قبائل إفريقية تشترك مع دول الجوار مثل كينيا وأوغندا وإثيوبيا ورواندا، ويتميز الجنوب بتعدد ثقافاته ولغاته، حيث يتحدث سكانه اللغة الإنجليزية والعربية بطلاقة بالإضافة إلى العديد من اللهجات المحلية. ** ما هو تعداد دولة جنوب السودان؟ - لا توجد إحصاءات دقيقة للعدد الحقيقى للسكان، فوفق آخر إحصاء قامت به حكومة الخرطوم فى 2008 كان عدد السكان 9 ملايين نسمة، ولكن هذا ليس صحيحا، خاصة أن هذا التعداد تم فى ظل عدم وجود عدد كبير من الجنوبيين فى دول مجاورة أو شمال السودان نفسها، بخلاف أن عدم الاستقرار الذى شهدته البلاد الفترة الماضية تسبب فى تشريد الملايين، ولكنى أعتقد أن العدد الحقيقى الآن للسكان يتراوح بين 12 إلى 14 مليون نسمة، وفى تزايد مستمر خاصة بمناطق الريف حيث العادات الاجتماعية وتعدد الزوجات وتزايد أعداد المواليد. ** ماذا عن أوجه التعاون بين مصر وجنوب السودان.. وما تقيمك للعلاقات بين البلدين بعد ثورة 25 يناير.. وهل من سبل لتطويرها؟ - علاقتنا بمصر ممتدة منذ فترة طويلة، ونسعى حاليًا لتطويرها، فرغم أن العلاقات كانت فى السابق تتم عن طريق الخرطوم، إلا أن الجنوب كان يحاول التعامل مباشرة مع مصر، وهو ما سهل فتح قنوات كبيرة للتواصل مع مصر، وحقيقة نحن راضون وسعداء بمستوى العلاقات مع مصر، فضلاً عن أن هناك أعدادا كبيرة للجنوبيين بمصر، وفى المقابل بدأت أعداد المصريين تتزايد فى دولة الجنوب، ووصلت قوة العلاقات بين الدولتين إلى عدم وجود رسوم لتأشيرة الدخول للبلدين، بخلاف وجود خطوط طيران مباشرة بين القاهرةوجوبا يوميا، وذلك على الرغم من وجود رسوم على دخول البلاد مع مواطنى دولة السودان. ** تتحدث عن تسهيل إجراءات على المواطنين فى الدولتين، فماذا عن المستوى الرسمى؟ - هناك تبادل زيارات لمسئولى مصر وجنوب السودان، وتشارك مصر فى مشروعات كبيرة فى مجالات الرى وإزالة الأعشاب والحشائش من النيل، وعن المجال الطبى فهناك عيادة مصرية فى مدينة جوبا تعمل منذ أكثر من 3 سنوات، بخلاف عيادتين فى مدينة بور سيتم افتتاحهما قريبا، وفى مجال التعليم وقعنا اتفاقيات مع مصر، وهناك أعداد كبيرة من الطلاب الجنوبيين يدرسون فى مصر من خلال منح دراسية بالجامعات المصرية، حيث حصلنا بداية العام الدراسى الجارى على 500 منحة دراسية لأبناء الجنوب، كما منحتنا مصر نحو 2450 فرصة لتحويل الطلاب الدارسيين بجامعات شمال السودان للجامعات المصرية، لدرجة أن جميع مكاتب المصالح فى دولة جنوب السودان يوجد بها خريج سودانى على الأقل تلقى تعليمه فى مصر، وهو ما أدى لتقريب وجهات النظر بين الشعبين. ** ماذا عن تعداد جالية جنوب السودان فى مصر؟ - هناك جالية كبيرة جدا تقدر بحوالى 40 ألف جنوبى يعيشون فى مصر، هذا بخلاف من يأتون لتلقى العلاج أيضا فى مصر. * * ماذا عن فرص الاستثمار فى دولة جنوب السودان الوليدة؟ - أبدت أعداد كبيرة من المصريين رغبة فى الاستثمار فى جنوب السودان، وبدأ البعض فى إنشاء شركات خاصة لهم فى مجالات مختلفة، على سبيل المثال رجل الأعمال أحمد بهجت الذى كان أول مستثمر مصرى يخاطر ويبدأ العمل بالجنوب فى 2010 قبل الانفصال، وبدأ عددا من المشروعات وأيضا أحمد السويدى الذى أبدى اهتماما بإنشاء محطة لتوليد الكهرباء وشبكة لتوزيع الكهرباء فى كافة ولايات جنوب السودان، بخلاف بعض صغار رجال الأعمال الذين أنشأوا فنادق ومحال وعددا من العاملين فى مجال التجارة، وهناك ازدياد لمعدلات الاستيراد من مصر عبر «ممباسا» أو خطوط مصر للطيران، ما يشير إلى تزايد فرص الاستثمار فى السودان. ** هل ستقدم دولتكم تسهيلات للمستثمرين؟ - دولة الجنوب تسهل على كل المستثمرين بهدف إنشاء الشركات الخاصة بهم بشكل كامل أو بشريك محلى، كذلك تساعد الدولة المستثمر فى الحصول على أراضى ونقل الأموال بطريقة آمنة وسهلة، كما تقدم لكبار المستثمرين إعفاءات ضريبية وجمركية فى بداية استثمارهم فى البلاد. ** هل جنوب السودان تحتاج لمستثمرين من الخارج ؟ - جنوب السودان دولة وليدة، تبدأ من الصفر وتحتاج إلى كل شىء، فلا يوجد مرافق أو بنية تحتية أو خدمات أو مياه وصرف وخدمات صحية وتعليمية وغيرها من الاحتياجات. ** وماذا عن علاقتكم مع دولة السودان بعد الانفصال؟ - وقعنا العديد من اتفاقيات التعاون مع دولة السودان فى شهر سبتمبر الماضى، وكان من المفترض عودة العلاقات بين البلدين لمسارها الطبيعى، ولكننا واجهنا عدة عقبات لتنفيذ هذا الاتفاق، بسبب إصرار الجانب السودانى، على مناقشة الملف الأمنى فى بداية الاتفاقيات، ومن جانبنا رأينا أن هذا يعد تعنتا، فالواقع يفرض مناقشة كل قضية على حدة، حتى يتسنى الوصول لاتفاق بين البلدين، فمشاكل السودان مثل نزاع حكومة الخرطوم والمعارضة مشكلات جنوب كردفان، ودارفور هى مشاكل تخص حكومة الشمال، ولا دخل للجنوب بها، وعلى حكومة الخرطوم إيجاد حلول للحرب الدائرة فى أطراف دولة السودان دون الزج بدولتنا فى هذه النزاعات. ** ماذا عن النزاع على البترول بين البلدين؟ - لجأت حكومة الجنوب لحلول بديلة لحل مشكلة النزاع على البترول بين الدولتين بعد إصرار الخرطوم على عدم فتح ملف البترول إلا بعد حل الملف الأمنى، وكان لنا رأى أنه من الصعب التعامل مع أزمة البترول فى ظل إصرار حكومة السودان على حل الملف الأمنى فى البداية، وهو ما دفعنا لإيجاد حلول أخرى من خلال إنشاء خطوط أنابيب عبر ميناء «ممباسا» بكينيا، وميناء جيبوتى لإثيوبيا، ونقل خام البترول بعربات لميناء جيبوتى، وهو ما سيتم تنفيذه عام 2014. ** إلى أين وصلت مشكلة أبيى وترسيم الحدود مع دولة السودان؟ - أبيى أرض جنوبية 100% لا تحتاج لبرهان فهى منطقة رحلت إداريا عام 1905 من بحر الغزال إلى كردفان أثناء الاستعمار الإنجليزى، فهم أخذوا 9 من مشايخ «الدنكا نوق» لهذه المنطقة وعندما وقعنا اتفاقية السلام الشامل عام 2005 مع الشمال حسم أمر «أبيى» على أن تعود لأصلها، وأن يجرى استفتاء فى 2011، لترسيم حدود الجنوب بعد ضم أبيى، غير أن حكومة الخرطوم اعترضت على ذلك؛ لذا تم إحالة القضية إلى المحكمة الدولية لإيجاد حل وعمل استفتاء يصوت عليه مشايخ «الدنكا نوق»، لكن الشمال اختلق مشكلة أخرى عندما طلبت إدخال قبيلة المسيرية فى الاستفتاء، وهو أمر نرفضه تماما لأن قبيلة المسيرية ليست لها علاقة بمنطقة «أبيى» فكل دورهم أنهم رعاة، ومنذ ذلك الوقت وحكومة السودان تماطل، وتقترح تقسيم «أبيى» إلى منطقتين، لكننا على ثقة أن «أبيى» جنوبية ولن نساوم عليها. ** هل من حل للخروج من هذه الأزمة؟ - الاتحاد الإفريقى اقترح عمل تصويت لقبائل «دينكا نوق» فى أكتوبر 2013، لكن الخرطوم رفضت هذا المقترح، وأصبح لا سبيل لحل الأزمة سوى اللجوء لمجلس الأمن الدولى للنظر فيه، فمن جانبنا لن نقبل تقسيم «أبيى» أبدا، وستظل جنوبية رغم أنف المعارضين. ** ما طبيعة علاقتكم بإسرائيل؟ -علاقتنا مع دولة إسرائيل كسائر علاقتنا مع دول العالم، فنحن دولة ذات سيادة نبنى علاقتنا على المصالح المتبادلة مع أى دولة حتى ولو كانت إسرائيل. ** وما موقف جنوب السودان من اتفاقية «عنتيبى» الخاصة بإعادة تقسيم حصة مياه نهر النيل؟ - نهر النيل هو ملك لكل شعوب المنطقة المطلة على النيل، وإذا كان هناك أى قرار يتخد بشأن اتفاقيات فلابد أن يكون بالإجماع من جانب شعوب دول حوض النيل حتى نتجنب النزاعات والخصومات بين دول الحوض، ونحن نعتقد أن كمية مياه النيل الموجودة تكفى لكل دول الحوض، ولا يوجد سبب أصلا للنزاع، كما نرى أن الدول المطلة على النيل لابد أن تتوصل إلى اتفاق فيما بينها للحل لأنه كانت هناك مبادرة حوض النيل وهناك بعض الأطراف يصورونها على أن هناك مشاكل، لكن المبادرة من وجهة نظرنا جيدة جدا إذا تم إقرارها، حيث إن هناك فقرة وحيدة ضمن مواد المبادرة من الممكن أن يكون عليها خلاف، وهى تشير إلى إعادة تقسيم مياه النيل، وهو ما تتضرر منه مصر والسودان وفقا لما أعلن. وفى النهاية نهر النيل ملك لجميع شعوب دول الحوض. ** وما هو تصوركم لمستقبل العلاقات بين بلادكم والسودان ودول الجوار؟ - علاقتنا مع شمال السودان حتما ستكون طيبة، وذلك يرجع لوجود مصالح كبيرة سواء اقتصادية أو اجتماعية، فهناك قواسم مشتركة عديدة بين الدولتين، حيث يوجد لدينا بالجنوب آلاف المواطنين من شمال السودان، والعكس أيضا، ونحن نرحب بأى مواطن من دولة السودان يأتى للعمل، وإذا كان الجنوب قد انفصل عن الشمال فهذا لا ينقص من الأخوة شيئا، أما علاقتنا مع دول الجوار فمثلا دولة إثيوبيا قرابتنا معها قرابة دم فلو رجعنا للتاريخ فسنجد أن هناك قبائل كثيرة مشتركة فروعها بين إثيوبيا وكينيا وجنوب السودان مثل النوير والزاندى.