يعتبر المناضل الأفريقى البارز جومو كينياتا أحد رموز ورواد الكفاح الإفريقى البطولى ضد الاحتلال الاستعمارى للقارة، وواحدًا من بين أكثر المنادين بالوحدة الإفريقية والداعين لها والمحرضين عليها داخل إفريقيا وخارجها. ولد جومو كينياتا بمنطقة نجندا الواقعة بالقرب من نيروبى بكينيا فى العشرين من شهر التمور أكتوبر عام 1891 لأسرة تنحدر من قبيلة كيكايو المعروفة بعراقتها الإفريقية واسمه الحقيقى هو كامو جوناتون كينياتا إلا أنه لقب بجومو كينياتا، ومعناه رمح كينيا الملتهب، ولم يتبن هو هذا اللقب إلا فى الثلاثينيات من القرن الماضى، فى عام 1924 أفصح علانية عن ميوله السياسية بانضمامه إلى عضوية رابطة كيكويو المركزية، التى كانت تدعو المستعمرين البريطانيين إلى التوقف عن انحيازهم المطلق للأقلية البيضاء فى البلاد. فى عام 1929 شد الرحال إلى بريطانيا فى أول زيارة لها، من أجل دعوة حكومتها للاعتراف بالحقوق الطبيعية والمشروعة للمواطنين الكينيين، وبعد عام تقريبًا أى فى عام 1930 عاد جومو كينياتا إلى بلاده كينيا، وهو أكثر تحمسًا لإبراز شخصيتها وهويتها المستقلة وفى عام 1947 تم انتخابه رئيسًا للاتحاد الكينى الإفريقى، الذى تغير اسمه فيما بعد إلى اتحاد كينيا الوطنى الإفريقى، الذى تولى بقيادة جومو كينياتا حركة النضال التحررى الواسع والمؤثر ضد الوجود البريطانى، لتحقيق الاستقلال، وهى الحركة التى أخذت رقعتها تتسع، ونفوذها يزداد رسوخًا وتعاظمًا فى جميع أنحاء كينيا، حتى ضيقت الخناق على سلطات الاحتلال، وأثارت قلقها، وزعزعت استقرارها، فما كان من تلك السلطات إلا أن أعلنت حالة الطوارئ عام 1952، واعتقلت قائدها وزعيمها جومو كينياتا، وحكمت عليه بالسجن مع الأعمال الشاقة لمدة عشر سنوات، ولكنه خرج من السجن عام 1959 قبل انقضاء تلك المدة، وأبقى عليه تحت الإقامة الجبرية حتى عام 1961. فى شهر مايو عام 1963 فاز حزب كانو الذى يترأسه جوموكينيا فى الانتخابات، التى جرت آنذاك بنتيجة كاسحة، فعين كينياتا رئيسًا للوزراء، ثم انتخب عقب الإعلان عن استقلال كينيا فى الثانى عشر من الكانون ديسمبر عام 1963 رئيسًا للجمهورية، فشرع فى إعادة بناء بلاده على نمط جديد، يكرس للانتماء الوطنى والإفريقى، حيث ألغى كل ما يرمز لحقبة الاستعمار البريطانى من شعارات وملصقات وتعاملات، واستبدلها بشعارات وملصقات ومعاملات معبرة عن الهوية الكينية والإفريقية، ومن بين ما قام به فى هذا المجال إصدار عملة وطنية باسم الهارومبى، التى أصبحت عنوانًا للمقاومة الشجاعة والباسلة ضد الاحتلال وغيرت أسماء الشوارع بأسماء إفريقية، ومضى جومو كينياتا فى مسيرة البناء والتعمير الداخلى لبلاده ولقارته الإفريقية، فكان أحد مؤسسى منظمة الوحدة الإفريقية فى أديس أبابا عام 1963، وأحد حكماء وقادة أفريقيا، الذين كانت لهم رؤية ثاقبة لمستقبل القارة، ولم يتوقف عطاؤه وجهده ونضاله على مختلف الجبهات، التى تخدم قضايا شعوب إفريقيا ولو للحظة واحدة، حتى توفى عام 1978.