بمجرد أن تطأ قدمك الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي في حي عابدين التابع لمحافظة القاهرة، تجد أكوامًا من الورق تعتلى الرفوف، وإذا دققت بنظرك ستجد تلك الأوراق المتهالكة قد حال لونها للأصفر. فى أحد الجوانب حيث الطوابير المنتظرة دورها لتسوية المعاشات الخاصة بها، ارتفع صوت أحدهم مع موظف من هيئة التأمينات "يعنى ايه الملف ضاع .. ده تعب العمر كله"، لتكون تلك الجملة بمثابة إنذار ل 10 ملايين مواطن من أصحاب المعاشات.
أحمد رجب، محامي، تقدم ببلاغ إلى النائب العام يتضرر فيه من سياسة التلاعب في أموال المعاشات بالهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية، حيث بدأت ازمته مع الهيئة منذ أكثر من سبعة أشهر، ولم يتم حتى الآن التحقيق في قضيته بعد ضياع الملف الخاص بوالده.
حالة رجب ليست الوحيدة، فهناك محمود أحمد، الذي بدأ حياته موظفا في أحد دواوين محافظة سوهاج، وانتقل بعدها إلى العمل في إحدى الصحف القومية، وصلت مدة عمله إلى ما يقرب من 36 عاما أيضا، وبالتالي يحق له الحصول على المعاش كاملا, ونجح محمود بعد انتقاله من العمل في ديوان المحافظة بضم هذه المدة إلى مدة عمله اللاحق، وكانت تأمينات محافظة الفيوم أكدت له أن الملف تم إرساله إلى تأمينات عابدين بتاريخ 14\1\2004، ليذهب إلى تأمينات عابدين ويواجه نفس المصير، على لسان مسئولي مكتب التأمينات الذين يرددون "الملف ضاع ومش موجود".
أحمد، الذي أحيل للمعاش منذ ما يقرب الشهرين، فشل في إنهاء إجراءات المعاش، مشتتا بين تأمينات الفيوم وتأمينات عابدين، حيث أكد أنها بلا حارس أو بواب، وأن أي شخص من الشارع باستطاعته التسلل إلى داخل المكتب الذي يقع في الطابق الثاني في أحد المباني بشارع 26 يوليو، ليأخذ ما يريد دون أن يسأله أحد، ماذا تفعل؟.
ويوضح حسين عبد الرحمن، موظف بهيئة التأمينات، أنه "يتم حفظ الملفات بدون أى أسلوب علمي، وأن هناك مشروع الحفظ الإلكترونى او الارشيف الإلكترونى منذ سنوات ولكن لم يتم تنفيذه، فتجد مختصي الارشيف، على سبيل المثال، ممسكين بأرشيف به حوالى 89 ألف ملف، ومن المفترض أن يقوم بحفظ كل هذا العدد، مع الأخذ في الاعتبار أن الورق معرض دائمًا للتلف أو الضياع، وأن الفئران كثيرًا ما تقوم بإتلاف الملفات، بالإضافة إلى صعوبة التخزين لضيق الأماكن المخصصة لذلك". البدرى فرغلي رئيس اتحاد اصحاب المعاشات، يؤكد أن هناك حالة انهيار تام في منظومة التأمينات في مصر، وأن وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي فسخت العقد الاجتماعي واعتدت على حقوق المواطن المصري، مضيفا "حتى أموالنا وتحويشة عمرنا أصبحت في زمة التاريخ ولا يوجد منها سوى الأرقام وحزمة ورق". وقال رئيس اتحاد أصحاب المعاشات "هناك 9 ملايين مواطن بلغوا سن المعاش، و18 مليون مواطن آخرين أسماؤهم في التأمينات، يعانون أشد المعاناة من مافيا سرقة التأمينات.