«الأدوية المضروبة» تباع كمنشطات جنسية وعلاج للكبد والقلب والسرطان «الصباح» تتفق مع بائع بشارع «محمد على» على تزوير ألف عبوة دواء مقابل 1500 جنيه غرف داخل شقق سكنية تحولت إلى مصانع لإنتاج أدوية يديرها أشخاص لا تتجاوز مؤهلاتهم الابتدائية، وبمعاونة آخرين يتم نقل تلك الأدوية «المغشوشة»، إلى الصيدليات لترويجها بين المواطنين، على أنها منشطات جنسية وعقاقير لعلاج الكبد والقلب، وأورام السرطان أيضًا.. هكذا تجرى كارثة غش الأدوية والمستحضرات الطبية والتى ينتجها نحو 400 مصنع – بحسب وزارة الصحة-، إلا أن الكارثة ليس فى عدم فاعلية أو صلاحية الدواء، بل أن مافيا الأدوية وصلت إلى ما هو أبعد من الغش فى المادة الفعالة إلى خلطها بمواد مثل النشا والجبس.. «الصباح» تدق ناقوس الخطر معتمدة على تحقيق مدعم بزيارات ميدانية وتصريحات من شهود أصليين بشأن طريقة إنتاج الأدوية المغشوشة التى تهدد كل منزل فى مصر. بداية الخيط فى كشف ملف خلط الأدوية بالجبس والنشا، كان وراءه لقاء ل«الصباح» مع طبيب استشارى لأمراض الجهاز الهضمى بمستشفى قصر العينى، -فضل عدم ذكر اسمه- والذى رصد ثلاث حالات لمرضى وصلوا المستشفى فى حالة إعياء شديدة، وتطلب الأمر منه إجراء غسيل معوى لهم، وبعد أخذ عينات من أمعاء الثلاثة، تم اكتشاف وجود «نشا وجبس مخلوط بمواد مخدرة» فى أمعاء المرضى. ويقول الطبيب الاستشارى: «تعود تفاصيل الواقعة إلى 7 يناير 2016، حيث دخل 3 عمال إلى قسم الطوارئ، وكانوا يعملون فى منشأة مجاورة ل«قصر العينى»، أحدهم يعانى من إعياء شديد ومغص فى البطن والاثنين الآخرين لم يكن قد ظهرت عليهما علامات التعب، وبعد ساعة بدأ ظهور الإعياء عليهما، واعتقدت أنهم تناولوا وجبة غذائية مسممة، فأخذت عينة من المادة التى استخرجناها من أمعائهم وقمت بتحليلها، وكانت المفاجأة فى تناولهم مادة النشا المخلوطة بالجبس والمضاف إليهما نسبة من مخدر الترامادول». واستطرد الطبيب: «قبل أن أقوم بتحرير محضر إدارى، استجوبت الثلاثة عمال للتعرف على مصدر المادة التى تناولوها، فأخبرنى (صبرى.ع) وهو أكبرهم سنًا ومقيم بقرية كوم السمن بمحافظة القليوبية، ويعمل مبيض محارة، أنه تعاطى مع زملائه مخدر الترامادول، الذى اعتادوا تناوله دون أن تظهر عليهم علامات الإعياء وظنوا أنه يساعدهم على تحمل آلام العمل، كاشفًا عن أن المرة التى شعروا فيها بالإعياء كان بعد حصلوهم على الأقراص من تاجر بقرية الأخميين بمحافظة القليوبية، وتناولوها على مدار أسبوع كامل، قبل دخولهم المستشفى. وبالإطلاع على بيانات المصابين الثلاثة، بدأ فصل جديد من البحث عن مصانع بير السلم لإنتاج الأدوية والمنشطات داخل قريتى الأخميين، وكوم السمن بالقليوبية. فعلى بعد 8 كيلو مترات من مركز شرطة شبين القناطر، توجهنا للقاء (صبرى.ع 46 سنة/ مبيض محارة)، إحدى الحالات التى تعرضت لإعياء نتيجة تناولهم أدوية بير السلم المخدرة، والذى أكد ل«الصباح» أن تناوله مخدر الترامادول كان بغرض تسكين الآلام وليس من باب المخدرات، كما هو متعارف بين أبناء الأحياء الشعبية، وعلى مدار العشرة أعوام الماضية تناول صبرى الترامادول دون إعياء قبل أن يظهر «خليط» التامول والترامادول، والفياجرا بأسعار أقل من السوق. وبسؤال صبرى عن مصدر «الخليط» الذى تعاطاه، أكد «مصانع ظهرت فى كوم السمن والأخميين عقب الثورة، داخل منازل تقع وسط الرقعة الزراعية وعلى أطراف القرى، وإجمالى عدد المصانع حوالى 20 مصنعًا». من صبرى إلى «رمضان.ش»، (23 سنة/ عامل) و«محمد.ش» (26 سنة/ عامل) وهما من دخلا المستشفى، مع صبرى، إثر تناولهما العقار المغشوش، حيث لم تختلف روايتهما عن رواية الأول إلا أن «رمضان.ش»، الذى عمل فى وقت سابق بتلك المصانع، كشف ل«الصباح»، أن «مصانع إنتاج الأدوية لا تبيع منتجاتها بنفسها ولا تعمل على مدار العام، بل فى مواسم محددة، حيث يكون هناك اتفاق مسبق بين صاحب المصنع والتاجر على إنتاج كمية معينة، وبالتالى يقوم المصنع بإنتاج تلك الكمية، سواء ترامادول أو فياجرا، ويقل السعر كلما زادت الكمية، فسعر الألف قرص يقل عن سعر ال 500 قرص وهكذا، والتجار موجودون بمناطق شبرا الخيمة ومسطرد والدرب الأحمر وكرداسة، وموزعون على فئتين؛ الأولى هم العطارون، والثانية بعض العاملين بالصيدليات». وعن المواد المستخدمة فى عملية التصنيع، أكد رمضان أنها تضم «النشا والجبس والألوان الصناعية المخلوطة بأقراص ترامادول مطحون، ويتم وضع الخلطة فى ماكينة تم شراؤها من منطقة الزاوية الحمراء لتخليط تلك المواد، أما بالنسبة للفياجرا فتكون بنفس المكونات مع اختلاف أن الأقراص المطحونة تكون فياجرا، ويتم طباعة العبوات فى شارع محمد على بمنطقة العتبة، وبعد ذلك يتم تعبئة الكميات وشحنها للتجار». واستطرد رمضان: «لم أكن أعلم أن الترامادول الذى حصلت عليه من صيدلى بمنطقة عين شمس وتعاطيته أنا وزملائى، من إنتاج مصانع الخليط، التى كنت أعمل بها بالقليوبية». وكشفت إحصائية رسمية صادرة عن إدارة التفتيش الصيدلى التابعة لوزارة الصحة فى عام 2015، أن هناك ما يقرب من 400 مصنع غير مرخص ينتج الأدوية المغشوشة على مستوى المحافظات. وأوضحت الإحصائية أن أكثر المحافظات التى تنتشر فيها المصانع غير المرخصة، هى محافظة الدقهلية وتم ضبط أكثر من مصنع فى هذه المحافظة خلال الفترة الأخيرة. وفى سياق متصل، أكد الدكتور على أبو العز، صيدلى وصاحب سلسلة صيدليات، «أن الأدوية المصنعة فى مصانع بير السلم غزت الأسواق، ومنبعها أوكار فى القليوبيةوالدقهلية، حيث تنتج الأخيرة أكثر من 80 فى المائة من الدواء المغشوش فى مصر، فالعملية تبدأ برصد نواقص السوق من الأدوية ذات الأسعار المرتفعة، التى غالبًا تكون عرضة للغش، مثل الأدوية الخاصة بعلاج السرطان وأدوية الكبد والكلى والمنشطات الجنسية، وكذلك أدوية سيولة الدم وجلطات القلب، كعقار بينافيت وبلافيكس، التى تنتجها أيضًا مصانع بير السلم بمدينة 6 أكتوبر، وقد وصلت هذه الأدوية إلى بعض الصيدليات ومخازن الدواء التى تغرى الجمهور بخصومات كبيرة على سعر الدواء، كما يتم الترويج لها للأسف، من خلال المواقع الإلكترونية والإعلانات المضللة المنتشرة على الفضائيات». وتابع أبو العز: «العملية تتم بمنتهى البساطة، فلو كنت تملك مساحة 80 مترًا و150 ألف جنيه، فأنت تمتلك شركة لإنتاج الأدوية الطبية، حيث توجد الأجهزة والمعدات المعدة لهذا الغرض فى مناطق الزاوية الحمراء ومنطقة الحرفيين، وتباع تلك الأجهزة على الرصيف دون رقابة». الحديث السابق دفعنا إلى تحويل المسار إلى شارع محمد على، لكشف المطابع التى تنتج العبوات التى يوضع بداخلها هذه الأدوية المغشوشة بعد إنتاجها، تواصلنا مع شخص يجلس على كرسى وأمامه جهاز كمبيوتر، ودون تردد طلبنا منه طباعة 5 آلاف عبوة من عبوات فياجرا طبق الأصل، وتمت الصفقة بالفعل، حيث عرض علينا طباعة الألف عبوة مقابل 1500 جنيه، مؤكدًا أن المطبعة توفر البصمة الفضية التى تحمل اسم الدواء، إضافة إلى استخدام أربعة ألوان لإنتاج العبوة وهو ما يتطلب «قالبًا خشبيًا بالأبعاد المطلوبة، ويتم وضع رقم التشغيل والباركود وجميع البيانات الأخرى، ولكن لا تتحمل المطبعة طباعة تاريخ الصلاحية على العبوات، لأن هذه العملية تحتاج ماكينة خاصة تباع استيراد فى منطقتين هما الزاوية الحمراء والحرفيين». وفى مدينة «الحرفيين» بالقاهرة، حيث توجد شركات استيراد الأجهزة المستعملة على اختلاف أنواعها، سواء المعدة لتصنيع الدواء أو غيرها، وبتبادل أطراف الحديث مع أحد العاملين بواحدة من الشركات الشهيرة داخل منطقة الحرفيين، لسؤاله عن معدات تعبئة أدوية لصالح مصنع جديد، أخبرنا «بأن المعدات تختلف باختلاف الغرض المطلوب منها، فماكينة تعبئة السوائل تختلف عن ماكينة تعبئة الكبسولات، ويختلف الاثنان عن ماكينة تغليف فوهة العبوة بطبقة ألومنيوم وبرشمة الغطاء». وتابع: «هناك ماكينات تأتى بالطلب من الصين، مثل جهاز تعبئة الإمبولات لارتفاع سعرها، أما عن ماكينة طباعة تاريخ الصلاحية فيتراوح سعرها من 2000 إلى 2500جنيه، أما آلات التعبئة فتختلف سواء كانت آلية أو نصف آلية أو يدوى، ويزيد السعر كلما كانت الماكينة تعمل بالنظام الآلى». وكانت الكارثة أن تلك المعدات تدخل البلاد بشكل شرعى عبر الجمارك لصالح شركات الاستيراد والتصدير ويكون عليها ضمان لمدة 6 شهور. من جانبه، أكد الدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة ل«الصباح»، أن إدارة التفتيش الصيدلى تتلقى شهريًا محاضر كثيرة عن انتشار المصانع غير المرخصة العاملة فى تصنيع الأدوية، وتم ضبط العديد منها، وأن وزير الصحة أصدر قرارًا رسميًا لشركات الأدوية المصنعة للعقاقير بتطبيق خاصية «الباركود» على عبوات الدواء، وهى عبارة عن شفرة إلكترونية يتم طبعها على العبوة الخاصة بالدواء تحتوى على كل المواصفات القياسية للدواء، وتاريخ التسجيل بالإدارة المركزية للصيدلة، وكل البيانات الخاصة بالعقار واسم الشركة المصنعة له وشركة التوزيع، وبمجرد أن يتم وضع العبوة على ماكينة القراءة المتصلة بالحاسب الآلى والمتواجدة بالصيدليات يستطيع الصيدلى بسهولة جدًا التعرف على العقار وهل هو مغشوش أم لا.