اذا غابت الرقابة .. فافعل ما شئت , تلك هي القاعدة التي تنطبق بالفعل على مافيا تجارة الادوية المغشوشة داخل مصر , خصوصا عندما تعلم ان حجم هذة التجارة على مستوى العالم يقدر بنحو 15% , بينما في مصر فحدث ولا حرج حيث اصبحت تجارة الادوية المغشوشة تتجاوز هذا الرقم العالمي . , فبالرغم من ان الغش بات عملة سائدة نتعامل بها بل واعتدنا عليها,الا ان عقولنا لا تتصور ان يمتد الغش ليشمل حتى «الدواء» !!.ما هي العوامل التي ساهمت في استفحال تلك التجارة داخل مصر ..وما هي الاثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي تترتب عليها .. وكيف نستطيع التمييز بين الدواء السليم والدواء المغشوش .. هذه التساؤلات وغيرها تحضر في اذهاننا عندما نتطرق الى قضية الغش بصفة عامة وقضية الغش الدوائي على وجه الخصوص ؟..التحقيق التالي محاولة للاجابة على هذة التساؤلات .ارقام يقول الدكتور محسن شلبي –خبير صناعة الادوية – انه عندما نتحدث عن صناعة الادوية المغشوشة في مصر فيجب ان يعلم الجميع بان حجم تجارة هذة الصناعة في مصر بلغ نحو 15% ,وهذة النسبة تعادل حجم تجارة تلك الصناعة في العالم بأكلمه !!.
ويرى شلبي اننا لا نملك صناعة دواء في مصر والذي نملكه فقط هو صناعة تعبئة الدواء ,مفجرا مفاجأة من العيار الثقيل عندما يشير الى ان مواد التصنيع المستخدمه في صناعة الدواء في مصر مغشوشة بنسبة 75%.
ولكن كيف تتم صناعة الادوية المغشوشة ؟
يوضح الخبير العالمي ,ان مصانع الادوية عاده ما ترغب في التخلص من الماكينات المتهالكة التي تستخدم في صناعة الاقراص والشرائط وذلك عن طريق طرحها في مزاد علني ,الامر الذي يستغله راغبو المكسب الحرام في شراء تلك الماكينات على ان يقوموا بادخال بعض التعديلات عليها مثل «الاقماع» التي يتم عن طريقها ضخ كميات من المواد التي تشبه المواد الفعالة بيضاء اللون داخل الكبسولات والاقراص مثل البدره والجير والنشا ,مشيرا الى ان مصانع بير السلم تقوم بتجميع عبوات الادوية من القمامه وتعيد تنظيفها من جديد ومن ثم تعبأ بها الكبسولات السابق ذكرها بتاريخ صلاحية جديد.
ويقول انه في كثير من الاحيان يكون هناك اقبال متزايد من المرضى على اصناف معينة من الادوية ,الامر الذي يترتب عليه ندرة المعروض من تلك الاصناف بالاسواق , وهو ما تستغله مافيا تجارة الدواء المغشوش اسؤأ استغلال حيث يقومون «بضرب» هذه الاصناف التي سرعان ما تغزو الاسواق لضمانهم بانه حين عرضها على الصيدليات سوف تقوم بشرائها منهم لكي تحصل هي الاخرى على قطعة من «التورتة» بحسب قوله ,مشيرا الى ان صناع الدواء المغشوش يستغلون ايضا القرارات التي تصدر احيانا بمنع استيراد بعض الادوية المغشوشة من الخارج ويتولون بانفسهم مهمة غشها بالداخل .
الأصناف المغشوشة:
ويحذر خبير صناعة الادوية والعقاقير ,من ان العديد من انواع كريمات البشرة والشامبوهات ومثيلاتها من مستحضرات التجميل اصبحت غير مضمونة على الاطلاق , وايضا معظم العقاقير التي تستخدم في صورة مكملات غذائية , بالاضافة الى الاعشاب التي يتم الترويج لها بشكل مستمر , وذلك بجانب بعض المنتجات الغذائية للاطفال الرضع مثل السيرلاك وغيره ما لم يكن مدونا عليه العلامة المائية ,اما بالنسبة لالبان الاطفال فيجب التاكد فقط من سلامة الغطاء المعدني للعبوة .
ويحدد بعض الاصناف التي يتم غشها بشكل مستمر مثل ,»الترامادول « ... «اوجمنتين» وهو مضاد حيوي «اقراص» ... «دياميكرون « خافض للسكر ... «سيروكسات « حبوب نفسية ...»فياجرا» منشط جنسي...«ليفيترا» منشط جنسي ..«سيالس» منشط جنسي..
ويؤكد «شلبي» ان هناك شركات ومخازن داخل مصر اصبحت متخصصة في بيع الادوية المغشوشة , وتلك الشركات باتت معروفة للكافة ولا تخفي على احد بل انها معروفة لرجال مباحث التموين انفسهم والذين يتحملون مسئولية الرقابة على هذة الشركات, وعلى مسئوليتي فلا توجد صيدلية في مصر لا تقوم ببيع عقاقير مغشوشة .
ويوضح ايضا ان الصيدليات تحصل على الادوية المغشوشة عن طريق المخازن ,والاخيرة تعد بمثابة وسيط بين شركات الادوية الكبيرة والصيدليات ,ودور المخازن هو توفير افضل خدمة للصيدليات من خلال مدها بالادوية الناقصة ,ولكن مع الاسف الطابع التجاري طغى على الكثير من هذة المخازن هي الاخرى واصبحت تقبل الادوية المغشوشة التي يصعب اكتشافها الا بالتحاليل الدوائية من خلال المختبرات ,ومن ثم تقوم المخازن بيبع تلك الادوية للصيدليات باسعار مرتفعة .
وطقا لما يقوله الخبير العالمي فان المشكلة تكمن في ان حوالي 75% من الصيدليات داخل مصر لا يملكها صيدلي ولكن عادة ما يكون المالك المستتر يبحث عن الربح ايا كانت النتائج المترتبة على ذلك , خاصة وان القانون لا يسمح بان يمتلك الصيدلي اكثر من صيدليتبن , في الوقت الذي يقوم فيه هؤلاء الباحثون عن المكسب السريع بدفع اموال لبعض الصيادلة حتى يوافقوا على كتابة ما يسمى «بورقة ضد « اي اثبات بين صاحب الصيدليه والصيدلي بان الاخير لا يملك تلك الصيدلية وغير مسئول عنها, وهو امر اصبح شائعا على ارض الواقع مثل الفروع الكثيرة للصيدليات التي تحمل نفس الاسم .
ويناشد الجهات المختصة بفرض رقابة صارمة على جميع المصانع وضرورة توفير الدواء الجيد والمعتمد بأسعار تناسب المواطن البسيط ,لانه كما سبق وذكرنا وان راغبي المكسب الحرام يستغلون ارتفاع اسعار الادوية لغشها وتحقيق مكاسب خيالية, وفي الوقت نفسه ينادي المواطنون بضرورة التأكد من من ان الادوية المشتراة مدون عليها رقم التسجيل ورقم الباكتج على ان تكون النشرة الداخلية موجودة داخل العبوة.
ويحذر الدكتور صلاح سلام –نقيب اطباء شمال سيناء- من ان معظم الادوية غالية الثمن المتواجدة بالاسواق «مغشوشة» لما يتحصل عليه مافيا تجارة الادوية المضروبة من جراء المتاجرة بهذة النوعية من الادوية الغالية الثمن .
ويضرب مثالا على ذلك بانه ذهب الى احدى الصيدليات لشراء دواء من شأنه احداث سيوله في الدم..لكنه اكتشف ان الدواء الذي قام بشرائه مغشوش ,وبالرغم من ان سعر العبوة يتجاوز المائتي جنيه الا انه اكتشف انها لا تحتوي على اي مواد فعالة.
ويدق نقيب اطباء شمال سيناء جرسا للانذار عندما يوضح ان نحو 7% من حجم تجارة الادوية المغشوشة حول العالم يتم تداولها داخل مصر , مؤكدا ان معظم الادوية المستوردة من الخارج لا تخضع لاي نوع من انواع الرقابة ولا تمر على المعامل الطبية لتحليلها لبيان ما اذا كانت تلك الادوية سليمة ام مغشوشة.
الحلول
اذا كان هو واقع سوق الادوية في مصر فكيف يمكننا مواجهة هذه الظاهرة وما هي الروشتة التي يقترحها الخبراء للقضاء على الادوية المغشوشة ومنع تداولها في سوق الدواء المصرية ؟
يقول نقيب اطباء شمال سيناء الدكتور صلاح سلام : طالبنا مرارا وتكرارا بضرورة انشاء هيئة للدواء والغذاء في مصر لا يقتصر دورها على منح تراخيص صناعة الدواء فقط ولكن يمتد دورها ليشمل المراقبة المستمرة على تلك الصناعة وذلك على غرار هيئة الدواء والغذاء الامريكية ,اوالمجلس الصحي البريطاني .
ويصف الوضع الحالي الخاص بمنح تراخيص صناعة الدواء في مصر «بالفوضوي « في الوقت الذي يوجد فيه ثلاث جهات تمنح اصدارات صناعة الدواء وهما هيئة الرقابة الدوائية وادارة الصيدلة بوزارة الصحة ,بالاضافة الى معهد التغذية ,فضلا عن عدم قيامهم بالمراقبة المستمره على هذة الصناعة الحيوية والتأكد من سلامة الادوية .
ويطالب الدكتور صلاح سلام بضرورة تأكد المرضى عند شرائهم لاي نوع من انواع الدواء من ان العلامة المائية متواجدة على العبوة من الخارج ,وألا يقتصر الامر عند ذلك فحسب ,ولكن ضرورة اطلاع الطبيب المعالج لحالتهم على العبوات المشتراة لانه الشخص الوحيد القادر على معرفة ما اذا كانت العبوة والاقراص التي بداخلها سليمه من عدمه ,محذرا من الاضرار الصحية الناجمة عن تناول الادوية المغشوشة وتاثيرها الخطير على الكلى والكبد والأعصاب.
أين حماية المستهلك ؟؟
يقول اللواء عاطف يعقوب –رئيس جهاز حماية المستهلك – اننا بصدد تشكيل لجنة عليا تتألف من قطاع التجارة الداخلية بوزارة الصحة والرقابة الصناعية وحماية المستهلك, وان هذة اللجنة المزمع انشاؤها تهدف إلى توفير الرقابة الفعالة على سوق الدواء في مصر وكل ما يتعلق بصادراته ووارداته , والتأكد من صحة المواد الفعالة التي تخرج من المصانع , مشيرا الى ان الجهاز يقوم حاليا بتتبع كل ما ينشر حول تداول انواع مغشوشة من الدواء على الانترنت ومواجهة من يقوم بذلك بكل حزم .. وان كان اللواء عاطف يعقوب لا يوضح كيفية هذا الحزم وادواته.
ولكنه يوضح ان هناك مرصدا اعلاميا داخل الجهاز مهمته متابعه المنتجات غير المرخصة والتي تباع عبر العديد من القنوات الفضائية وتأكده من سلامة ذلك المنتج وما اذا كان مرخصا من قبل وزارة الصحة من عدمه ,ويقول ان هناك نحو 2000 اعلان مضلل يتم الترويج لها عبر الفضائيات ,وقد استطاع الجهاز تحويل 200 منتج يتم تصنيعها داخل مصر الى الجهات القانونية، في الوقت الذي يصعب فيه تتبع باقي تلك الاصناف التي لا تصنع داخل البلاد وتأتي مهربة من الخارج .
ويحذر يعقوب , من ظاهرة الاعشاب التي طفت هي الاخرى على سوق الدواء في مصر ,موضحا ايضا ان هناك اشخاصا يبيعون مستحضرات مغشوشة للجمهور على انها اعشاب تفيد في علاج بعض الامراض ,بينما هي في الحقيقة تحتوي على بعض العقاقير والادوية التي لا ينبغي صرفها الا بموجب تذكرة طبية , حتى يتم الايحاء للمستهلك بان العشب هو الذي يفيد في علاج المرض وليست العقاقير المضافة الى هذة الاعشاب.
ويوضح رئيس جهاز حماية المستهلك ان اكثر الشكاوي التي تلقاها الجهاز من المواطنين في الفترة الاخيرة , هي الشكاوي المتعلقة بالمكملات الغذائية ,والتي يمثل الشباب الممارس لبعض الالعاب الرياضية اغلب الشرائح المستخدمة لها ,قائلا ان معظم هذة العقاقير اصبحت تباع بشكل عشوائي وانها غير مسجلة بوزارة الصحة بما في ذلك المعروض منها في بعض الصيدليات الشهيرة .
الآثار الاقتصادية
يقول الدكتور سلطان ابو علي – وزير المالية الاسبق : لا شك ان تجارة الادوية المغشوشة او بدائية الصنع تشكل ضررا جسيما على المرضى الذين يتعاطون هذه الادوية ,وان مثل هذة الادوية تخلق سوقا موازية وبشكل غير قانوني ,بما يشوب هذا الطرح من عمليات فساد محكم .
كما يقول: ان اهم الاثار الاقتصادية السلبية الناجمة عن تجارة الادوية المغشوشة تتمثل في اصابة الاشخاص الذين يتناولون هذة الادواية بالعديد من الامراض ,وفي الاخير تكون الدولة مطالبة بتحمل تكاليف علاج اغلب هؤلاء المرضى ,الامر الذي يؤدي في النهاية الى الضغط المتزايد على الموازنة العامه للدولة ومخصصات وزارة الصحة ,وبالتالي فهي خسائر يتحملها الاقتصاد القومي ,وفي ذات الوقت فان الفساد الذي يصاحب ترويج هذة الادوية يمثل تدهورا في الاداء الاقتصادي والصناعي لانه ينتج عن عمليات غير مشروعة . ويشير وزير المالية الاسبق , الى انه لا يمكن حصر ومعرفة حجم تجارة الادوية المغشوشة او المهربة وكل ما يقال هي ارقام تقديرية مثل الرقم المتداول بان حجم المغشوش والمهرب وصل لحوالي 50 مليار جنيه ,موضحا ان السوق الموازية للسوق الاصلية لا يمكن تقديرها فعليا وانما يكون التقدير نسبيا لان التقدير يتم وفقا لما تم ضبطة في المخازن او الصيدليات.