كوارث فى مخزن المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية تهدد 150 ألف قطعة أثرية سرقة 96 قطعة من «الفنتين».. و261 من «ميت رهينة».. و8 من «تل الفراعين».. و7 من «الفن الإسلامى» الإنتربول يفاجئ مصر باكتشاف سرقة لوحة «الزيوت المقدسة».. وكاميرات المراقبة «خارج الخدمة» يكتم العديد من مسئولى وزارة الآثار أنفاسهم خلال الأيام المقبلة مع بدء عملية جرد مخازن الوزارة، التى يتوقع الكثيرون أن تكشف عن عمليات ضخمة للسرقات والتزييف، والتى كشف منها القليل خلال الفترة الماضية وأدت إلى حبس عدد من المسئولين عن المخازن فى مناطق مختلفة. وكانت الأيام الأخيرة شهدت وقائع سرقة فى عدد كبير من المخازن، أهمها مخزن «الفنتين» بأسوان الذى اختفت منه 96 قطعة بعد تشكيل لجنة لجرده، ومخزن ميت رهينة بسقارة الذى اختفت منه 261 قطعة أثرية من المخزن رقم 40، بالإضافة إلى اختفاء الأوراق الخاصة بهذه القطع من سجلات المخزن الأثرية والتى توثق هذه القطع. كما جاء بعد ذلك اكتشاف سرقة 8 قطع أثرية من مخزن تل الفراعين بكفر الشيخ، والتى لم يحبس المسئول عنها حتى الآن، وهى قطع مسجلة بقيد المنوفية أرقام سجل 10 حتى رقم 17، واختفاء 7 قطع أثرية من متحف الفن الإسلامى، بالإضافة إلى اختفاء مشكوات متحف الحضارة الثلاثة. ورغم كافة التحقيقات والتقارير المتعلقة بالسرقات التى طالت معظم مخازن ومتاحف ومقابر وزارة الآثار فى مختلف أنحاء مصر، إلا أنها لا تزال عرضة للسرقة والنهب، وما زال السارق فى أمان، لا سيما أن مخازن الوزارة لا زالت غير مؤمنة حتى الآن ولا تحظى بأية أجهزة مراقبة، الأمر الذى كان سببًا فى عدم تحديد الأشخاص الذين سرقوا معظم متاحف ومخازن الوزارة على مر السنوات الماضية. جولتنا الميدانية بدأت من مخازن سقارة الواقعة بالمنطقة الأثرية عبر طريق «المريوطية»، الذى استغرق نحو نصف ساعة من شارع الهرم، بمحافظة الجيزة. ورغم صعوبة الوصول إلى المخازن الواقعة داخل المنطقة الأثرية، تمكنا من الوصول إليها والتقاط بعض الصور التى توضح الحالة البدائية لتلك المخازن والتى تنقسم إلى أربعة أقسام، اثنان منها بجانب الإدارة ومتحف امنمحتب، واثنان آخران على بعد ما يقرب من كيلو متر فى المنطقة الجبلية، حيث تمتد الصحراء الشاسعة خلفها، وهو ما يزيد من احتمالية تعرضها للسرقات بشكل كبير. مبان مشيدة بالأحجار الجيرية محبوكة بالجريد أو البوص تشبه المبانى القديمة المبنية بالطوب اللبن، تحيط بها مساحة صحراوية تابعة لمنطقة الآثار، يمكن الدخول والخروج منها بسهولة حال معرفة بعض الطرق الجبلية، وهو ما يسهل عملية السرقة أو استبدال القطع الأثرية وتهريبها، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة بشأن عدم اهتمام الوزارة بتأمين تلك المخازن بالشكل اللازم لحماية ثروات مصر التاريخية التى تزيد قيمتها عن مليارات الدولارات، أو لماذا لم يتم جمع تلك الآثار فى مخزن واحد شديد الحراسة والتأمين. الأمر الثانى، الذى كشفه لنا العاملون بالمنطقة، أن معظم كاميرات المراقبة الموجودة فى المكان لا تعمل رغم أنها تكلفت مئات الآلاف من الجنيهات، مما يعد إهدارًا للمال العام، فضلًا عن أن ما يتم سرقته لا يمكن تعويضه أو استعادته مرة أخرى. من خلال حديثنا مع بعض عمال المنطقة عرفنا أن تلك المخازن يقوم بحراستها خمسة أشخاص، ثلاثة منهم تابعون للوزارة واثنان تابعان لشرطة السياحة، ويقومون بالتبديل كل 12 ساعة، وهو ما يثير تساؤلًا آخر حول مدى كفاءة هذا العدد فى حراسة المخازن المتطرفة فى الصحراء، دون أى تأمين تكنولوجى. على بعد نحو 8 كيلو مترات من مخازن سقارة، توجد مخازن «ميت رهينة»، التى كانت فى أسوأ حالة من حيث الأبواب والأسقف والجدران أيضا، بما فى ذلك عملية التأمين، حيث علمنا من العاملين بالمنطقة أن هذه المخازن يتولى تأمينها حارسان من الوزارة وشخص ثالث تابع لشرطة السياحة. وتؤكد الصورة التى تم التقاطها أن هناك تقصيرًا كبيرًا تجاه عملية التأمين فى تلك المخازن. الغريب أن تلك المخازن كانت قد شهدت سرقة لوحة أثرية حجرية من مقبرة «إينو مين» بسقارة، المسجلة أثر برقم 1022، وهى لوحة «الزيوت المقدسة» التى اكتشفت منذ ثمانى سنوات، واكتشفها عالم المصريات نجيب قنواتى، الأسترالى من أصل مصرى. ولم تعلم الوزارة بأمر السرقة آنذاك إلا بعد أن كشف قنواتى نفسه عن الأمر بعدما تلقى الدكتور محمد إبراهيم، وزير الدولة لشئون الآثار فى ذلك الوقت، خطابًا من الإنتربول فى سبتمبر 2013 يفيد بضبطه لوحة حجرية أثرية مصرية أصلية، فى بيرن بسويسرا. وتكرر المشهد ذاته فى سبتمبر 2014 حينما اكتشفت سرقة تمثال حجرى واستبداله بآخر مقلد، وهو ما فتح بشأنه التحقيقات التى لم تؤد إلى استعادته حتى الآن. وفى العام 2013 أيضا شهدت تلك المخازن فقدان قطعتين، الأولى تمثل مائدة قرابين من الحجر الجيرى، أبعادها 50 سم فى 39 سم، والأخرى عبارة عن نموذج لمسلة من الحجر الجيرى خالية من النقوش أيضا ومكسورة القاعدة، يبلغ ارتفاعها 17 سم، إحداهما مسجلة كأثر، والثانية مسجلة للدراسات والأبحاث. ووقعت العملية ذاتها من قبل فى مخزن» تل الفراعين بكفر الشيخ، والذى سرق منه نحو 27 قطعة أثرية، بعد قيام عدد من المسلحين بإطلاق النار على أفراد الحراسة وكسر الباب الخاص بالمخزن وسرقة تلك القطع. ويقع مخزن «تل الفراعين» على الطريق الواصل بين مدينتى كفر الشيخ ودسوق على بعد 3 كيلومترات تقريبا من قرية العجوزين، وكانت قديمًا تسمى مدينة بوتو القديمة عاصمة مملكة الشمال قبل توحيد مصر الفرعونية. وفى مخزن المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية، والذى يضم أكثر من 150 ألف قطعة أثرية فى مخزن بمنطقة مارينا منذ 10 سنوات حتى اليوم، فأكد أحد أمناء المخازن بأن هناك كارثة كبرى بشأن هذه القطع وهو ما يجعل الوزارة لا تجرؤ على جرد المخازن أو فتحها فى الوقت الراهن. وتنتشر مخازن الآثار فى جميع المناطق الأثرية، وتضم قطعًا أثرية تتوزع بين العهدة العامة والشخصية، فالعهدة الشخصية للمفتش هى الآثار المكتشفة بمعرفته ومسجلة بسجل الآثار أو مسلمة له بمحضر رسمى من زميل أو بعثة أجنبية من واقع سجل الآثار، ويقوم بوضع أختامه على مخزن الآثار ومعها ختم شرطة الآثار. أما العهدة العامة فهى الآثار كبيرة الحجم، وتمثل عهدة دائمة داخل المخزن، وتكون لآثاريين آخرين أو بعثات أجنبية وعليها أختام المفتش الذى أحضرها وبذلك يكون مفتش الآثار غير مسئول عن الآثار التى بداخل الصناديق، وفى هذه الحالة يتم ختم المخزن بلجنة من التفتيش ومعهما مندوب من الشرطة فى كلتا الحالتين يتم تحرير محضر بالفتح والغلق مع ذكر عدد الصناديق التى أدخلت أو القطع الأثرية كبيرة الحجم، ولا يجوز لأى مفتش أثار دخول المخازن الخاصة بالآثار إلا بقرار إدارى ولجنة، ويتم ذلك عند القيام بإحدى الطرق الأتية، مثل جرد المخازن، اختيار قطع أثرية لمتحف أو معرض، إدخال آثار جديدة أو صناديق بها آثار، أو نقل الآثار إلى مكان آخر. ويقول المهندس «أ. ر»، أحد مهندسى الوزارة، إن جميع أجهزة المراقبة والكاميرات لا تعمل منذ فترة طويلة، وأن هناك عدة تقارير قدمت للوزير بهذا الشأن، إلا أنه لم يستجب لأى تقارير، مبررًا ذلك بعدم وجود موارد مالية لتركيب كاميرات جديدة أو إصلاح القديمة. وحذر المهندس من أن عدم عمل هذه الأجهزة يشكل خطورة كبيرة على تلك المتاحف ويعرضها لخطر السرقة بشكل دائم، متهمًا الوزارة بالتقاعس الكارثى. وقالت إلهام صلاح، مدير عام قطاع المتاحف، إن عمليات السرقة أو التقليد داخل المتاحف الأثرية أقل بكثير من المخازن المتحفية، وأن عمليات الجرد تتم طبقا للقانون رقم 117لسنة 83 كل ثلاث سنوات، إلا أن الأمر فى المتحف يكون كل عام للاطمئنان على العهدة الأثرية، وتتم عملية التسليم والتسلم، كما أنه يتم تسليم العهدة من قبل الأمين إذا بلغ 54 عامًا. وفيما يتعلق بالسرقات، التى تم اكتشافها خلال الفترة الماضية فى عدد من المخازن، أوضحت إلهام صلاح أن الأزمة تكمن فى اللجان التى تقوم بالجرد، والتى لا تكون على مستوى الدراية والكفاءة فى فحص القطع الأثرية والتأكد من أثريتها أو عدم أثريتها، كما أنه فى بعض الأحيان يتم الاستلام عددًا على الورق دون التأكد من هذا العدد. وتابعت أنه فى بعض القضايا، التى تكون فيها الأحراز قطعًا أثرية، يكتشف عدم أثريتها بعد فك الحرز، وهذا الأمر يعود لعدم الكفاءة والدقة، فضلًا عن بعض عمليات الفساد التى تصل إلى حد دفع رشاوى لتبديل الأحراز من أجل الاستفادة مرتين، الأولى من خلال تبرئة المتهم بتهريب الآثار، والثانية بيع الآثار المضبوطة فى السوق السوداء بملايين الجنيهات.