مصر والسعودية تقودان الهجوم على إيران بسبب فيلم «محمد رسول الله» أحدث التخاريف: النار لم تحرق «سيدنا إبراهيم» لأنه كان يردد هتاف الشيعة «يا علي» رغم كل أصوات المعارضة المنطلقة من الدول العربية والقيادات الدينية الإسلامية السنية، لا تزال إيران تصر على تجسيد الأنبياء والصحابة فى الأعمال الفنية والسينمائية، من أجل لفت الأنظار الدولية إليها تارة، وتحقيق مكاسب مادية تارة أخرى، فضلًا عن تصدير الفكر الشيعى بطريقة غير مباشرة. وجاء فيلم «محمد رسول الله» الذى بدأ عرضه الأسبوع الماضى فى عدد كبير من دور السينما فى مختلف أنحاء العالم ليجدد إثارة الجدل حول إصرار إيران على تجسيد الأنبياء والصحابة والخوض فى محرمات دينية، تعزز الخلافات السياسية والدينية المشتعلة بين السُنة والشيعة. ويرى النقاد أن تناول المحرمات فى العقيدة السُنية هو تحديدا ما يزيد من ارتفاع درجة «المخاوف العربية من استخدام إيران للسينما خاصة، والفن عامة، لنشر المذهب الشيعى وبث معلومات مغلوطة عن الأنبياء والصحابة لأهل السُنة». وكانت دور السينما فى إيران بدأت منذ أيام عرض فيلم «محمد رسول الله» فى نحو 140 دارًا للعرض. ويقول منتجوه إنه يروى قصة حياة النبى «محمد صلى الله عليه وسلم»، وأنه الفيلم الأغلى كلفة فى تاريخ السينما فى بلادهم، إذ بلغت نفقاته 40 مليون دولار، واستغرق تصويره 7 سنوات. ويتحدث الفيلم عن حياة خاتم الأنبياء منذ ولادته وحتى بلوغه سن ال13. وهو بذلك يعالج حياة الرسول قبل الرسالة فى مرحلة غائبة عن ذاكرة كثير من المسلمين. وعرض الفيلم فى أكثر من 140 دار سينما فى إيران، وشارك فيه أكثر من 400 فنان فى أدوار أساسية، وأكثر من 6000 فنان بأدوار ثانوية. وذكر مخرجه «مجيد مجيدى» أن هدفه من الفيلم الذى تبلغ مدته 171 دقيقة تعزيز الوحدة الإسلامية. وكشف مجيدى أنه من المقرر أن يبدأ تصوير جزءين جديدين من الفيلم، يتناولان حياة الرسول حتى وفاته وتأسيس الحياة الإسلامية فى المدينةالمنورة. وقال المخرج الإيرانى، فى حوار لموقع «هوليوود ريبورتر»، إن الهدف من تقديم الفيلم هو تصحيح صورة الإسلام التى شوهها المتطرفون، مؤكدًا أن التصرفات البربرية، مثل قطع الرءوس وذبح الأبرياء وتدمير الكنوز التراثية، التى قامت بها التنظيمات المتطرفة لداعش فى العراق وسوريا، لا تمت للإسلام بصلة، وشوهت صورة المسلمين فى العالم ووصمتهم بالإرهابيين. ورغم الضجة المثارة حول الفيلم، لا يظهر وجه الرسول على الشاشة، وتظهر الكاميرا جسم الفتى، الذى يؤدى دور الرسول فقط من ظهره أو من خلال ظله، تمشيًا مع التقاليد الشيعية، وظهرت لقطات من يد النبى وساقيه عندما كان طفلًا رضيعًا، أما فى مرحلة المراهقة فتم تصويره من الجزء الخلفى لكن لم يظهر وجهه على الشاشة. واستخدمت لعرض آراء الرسول طريقة تصوير بكاميرا ثابتة للمصور السينمائى الإيطالى فيتوريو ستورارو الحائز على جائزة أوسكار، ولم يكشف عن هوية الصبى الذى أدى دور محمد فى الفيلم. وتم تصوير الفيلم فى إيران بشكل أساسى، ومشاهد مكة تم تجسيدها فى مساحات واسعة وبأدق التفاصيل، والمشاهد التى تظهر فيها الفيلة صورت فى جنوب إفريقيا بعد رفض الهند السماح لصناع الفيلم بذلك خشية رد فعل الدول الإسلامية على الفيلم. وبادر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله على خامنئى إلى زيارة موقع تصوير الفيلم فى إشارة دعم قوية. وذكرت تقارير إعلامية أن تجمع «فنانى العراق» أعلن عن وجود مباحثات مع المخرج الإيرانى «مجيد مجيدى» بشأن عرض فيلم «محمد رسول الله» فى بغداد، بعد أن عرض فى الافتتاح الرسمى لمهرجان أفلام العالم فى مونتريال بكندا. وكما كان متوقعًا جر الفيلم موجة هائلة من الانتقادات والاحتجاجات من جانب العالم الإسلامى، لا سيما السُنى منه. فقال مفتى السعودية الشيخ «عبد العزيز آل الشيخ» إن عرض الفيلم «لا يجوز شرعًا»، ووصفه بأنه «فيلم مجوسى وعمل عدو للإسلام»، محذرًا من تداوله. وأكد أن «رسول الله صلى الله عليه وسلم» منزه عن ذلك، والرسول له صفاته المعينة وخلقية معروفة، وهؤلاء يصورون شيئًا غير الواقع، فيه استهزاء بالرسول وحط من قدره، صلى الله عليه وسلم، لأن هذا عمل فاجر، ولا دين له، وإنما تشويه للإسلام، وإظهار الإسلام بهذا السوء. وفى مطلع العام الحالى، جدد الأزهر معارضته لتجسيد النبى محمد. وفى بيان سابق بداية العام الحالى رفض الأزهر تجسيد الأنبياء، والذى لا يقتصر على منع إظهار وجوههم بشكل واضح فى هذه الأعمال «لكن تجسيد الأنبياء صوتًا أو صورة أو كليهما فى الأعمال الدرامية والفنية أمر مرفوض، لأنه ينزل بمكانة الأنبياء من عليائها وكمالها الأخلاقى ومقامها العالى فى القلوب والنفوس إلى ما هو أدنى بالضرورة»، حسب البيان. كما أدانت رابطة العالم الإسلامى بمكةالمكرمة إصدار الفيلم الإيرانى «محمد رسول الله». وجاء فى البيان الذى أصدره عبد الله التركى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامى: «إن رابطة العالم الإسلامى تؤكد على حرمة تجسيد النبى محمد صلّى الله عليه وسلم فى الأعمال الفنية تحت أية ذريعة كانت؛ لأن تجسيد الرسول صلّى الله عليه وسلم، وتمثيله فى الأفلام والمسلسلات يتعارض مع ما ينبغى من توقيره عليه الصلاة والسلام، ويعد ذريعة للاستخفاف بمقامه الشريف وسبيلاً للاستهزاء به، وبما جاء به من الدين والشريعة». ولم يكن هذا الفيلم هو الأول الذى تجسد فيه إيران صورة الأنبياء والصحابة، فقد سبق لها أن أنتجت عدة أفلام من هذه النوعية، ومنها على سبيل المثال فيلم «أم النور»، الذى يحكى قصة السيدة مريم العذراء، وهو من إنتاج إيرانى عام 2012، وكان باللغة الفارسية، ثم سرعان ما تمت دبلجته إلى اللغة العربية. وبلغت تكاليف هذا الفليلم ما يقرب من ثلاثة ملايين دولار. وكان فى البداية عبارة عن مسلسل من 15 حلقة، ظهرت فيه شخصية السيدة مريم العذراء، والأنبياء عيسى وزكريا ويعقوب، عليهم السلام بالصوت والصورة. وهناك فيلم «الجاحد»، الذى أنتجته إيران عام 2013، بتكلفة بلغت 2 مليون دولار، وكان باللغة الفارسية، وتمت دبلجته باللغة العربية. ويحكى حياة النبى موسى عليه السلام، منذ ولادته وحتى وفاته، وما فعله لينقذ أمته من جبروت فرعون والخروج من مصر. وهناك أيضا فيلم «مملكة سليمان»، الذى أنتجته إيران فى سبتمبر 2009، وبلغت تكاليفه ما يقرب من خمسة ملايين دولار، وصدر على جزءين، باللغة الفارسية، وتمت دبلجته إلى اللغة العربية ويحكى قصة النبى سليمان. ومن أبرز الانتقادات التى واجهها أنه يسب نبى الله سليمان ويظهره ك«ساحر» وليس نبيًا. أما فيلم «إبراهيم خليل الله» فأنتجته إيران فى أكتوبر 2011، باللغة الفارسية، وبلغت تكاليفه أكثر من خمسة ملايين دولار، وتمت دبلجته إلى اللغة العربية أيضًا. ويحكى الفيلم قصة نبى الله إبراهيم عليه السلام، منذ ولادته، وأسرته، وحكايته مع نبى الله لوط، ودعوته وهجراته وأحداثه مع عبادة الأصنام، وحديثه مع الله عز وجل، وابنه إسماعيل. وجسد الفيلم نبى الله إبراهيم بالصوت والصورة، فيما جسد صوت الله بصوت رجل. ولكن أكبر الفضائح تكمن فى مشهد احتراق النبى إبراهيم فى النار، فنفاجأ بنبى الله داخل النار يردد «يا علي»، فى إشارة إلى رابع الخلفاء الراشدين على بن أبى طالب الذى يقدسه الشيعة، ويعرض الفيلم أن استغاثة النبى بالإمام على هى التى أنقذته من النار. ويقول الدكتور أحمد مطاوع، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن تجسيد الأنبياء والرسل حرام، ولا يجوز شرعًا، لافتًا إلى منع الأزهر عرض تلك الأفلام، والمسلسلات لأنها تجسد الأنبياء والرسل. وأضاف أن الأمر وصل إلى حد تجسيد صوت الله عز وجل بصوت بشرى، مطالبًا بمعاقبة كل من يتجرأ على ذلك.