*شركات تسحب المياه من الآبار الملوثة لتبيعها باعتبارها «مفلترة» مقابل 3 جنيهات ل«الجركن» *سعر جركن المياه يصل إلى 7 جنيهات فى القليوبية.. الأهالى: أحسن من مفيش أصبح شرب كوب ماء من الصنبور فى محافظة الشرقية، أسهل من الانتحار بالقفز من فوق كوبرى قصر النيل، فببساطة، كل ما عليك أن تفتح «الحنفية» وتتذوق «أفخر» أنواع السموم، التى تصل إلى المواطن «دليفرى»، ما تسبب فى إصابة نحو ألفين من أهالى المحافظة بالتسمم، نتيجة تناول مياه الشرب الملوثة، وهى أزمة لم تقتصر على الشرقية وحدها، وإنما تنتشر فى العديد من الأماكن، حتى قلب القاهرة نفسها، التى يلجأ سكانها أيضًا إلى شراء جراكن المياه المفلترة، التى تؤدى إلى الموت البطىء أيضًا. «الصباح» حاولت البحث عن إجابة عن كيفية حدوث الواقعة، وكيف وصل السم إلى مياه المحافظة، وتوجهت إلى مستنقع السم، الذى تستخدمه بعض الشركات الموجودة فى مدينة الإبراهيمية، لتزويد أبناء المدينة بالمياه، مدعية أنها مياه معدنية مستخرجة من باطن الأرض، حيث يصل سعر العبوة التى تسع 20 لترا إلى 3 جنيهات فقط. ويفتقر المكان الذى تستخرج منه الشركات المياه لأبسط قواعد الآمان أو مواصفات السلامة، التى يتطلبها مكان يغذى مدنا بأكملها بالمياه، حيث يتخلص المشروع فى مجموعة من الصنابير موصلة بفلاتر، قبل تعبئة المياه الخارجة منها سيارات مزودة بخزانات كبيرة مزودة بصنابير، ثم تبدأ تلك السيارات رحلتها عبر الشوارع الداخلية للمدن، حيث ينتظرها الأهالى لملء الجراكن، رغم أن أعينهم قادرة على رؤية الشوائب عند فتح صنبور الخزان. وتلجأ شركات أخرى لنقل المياه من المدن المجاورة المعروفة بنقاء مياهها مثل مدينة ديرب نجم، ثم تعود لبيعها باعتبارها مياها مفلترة. وقال رمضان ريحان، أحد أهالى المحافظة، ل«الصباح» إن مساجد المحافظة أذاعت تحذيرات من شرب المياه، نظرا لوجود تسممها، ثم فوجئنا بعد ذلك بعدد كبير من الأهالى يستدعون سيارات الإسعاف لنقل مصابين بأعراض التسمم وتزايدت الأعداد من 25 أبريل حتى وصلت إلى نحو 1500 حالة. وأضاف أن مياه الإبراهيمية لا تصلح للاستعمال الآدمى، ونحن لا نستعملها منذ ما يقارب 15 عاما، ونلجأ إلى مياه الشركات الخاصة أو المحطة اليابانية للحصول على مياه نستخدمها فى الطهو والوضوء. وتابع: شركات المياه وجميع عمالها اختفوا تماما، خوفا من تحميلهم مسئولية الحادث ثم صدر القرار بغلق تلك الشركات قبل مداهمتها والقبض على أحد ملاكها. وأكدت ندى بكرى، الطالبة بجامعة الزقازيق، أنه منذ الحادث والمياه مقطوعة تماما عن المدينة، فلا الحكومة تركت بائعى الجراكن ولا أوصلت المياه إلى المنازل، حيث ترد شركة المياه على المتصلين بها بأنها تعمل على إعادة المياه ويتم غسل المحطة، لذا تصل المياه ساعة واحدة كل يوم، وفى هذه الساعة يخزن الأهالى كميات من المياه، رغم أنهم يرون الشوائب فيها بأعينهم المجردة. ولا تعانى الشرقية وحدها من أزمة مياه، ولكن منطقة الخصوص التابعة لمحافظة القليوبية، إحدى تلك المناطق التى تحظى فيها سيارة المياه بشعبية طاغية، حيث يتدفق المواطنون من جميع الجهات فى حال ظهور إحداها لاقتناص جركن واحد، الذى يتراوح سعره من 5 : 7 جنيهات، وقالت ياسمين سمير، إحدى سكان المنطقة، ومالكة محل صغير لبيع الحلوى: «المياه بتقطع كل يوم، وعشان كده بنجرى كلنا ورا عربيات الميه اللى بتيجى، وناس بتقدر تأخد منها وناس لأ، بسبب الزحمة مع العلم إن العربية لم تعد تظهر، لذا يلجأون لاستخدام الطلمبات، رغم أن مياهها مالحة ولم تخضع للتكرير أو التطهير ما يُضاعف خطرها»، مشيرة إلى أن الأهالى قدموا شكاوى كثيرة لوسائل الإعلام ومجلس المدينة إلا أن أحدا لم يتحرك. وقال محمود إبراهيم، أحد سكان منطقة المرج، إنهم اعتادوا على نقص المياه، ودفع المبالغ الطائلة مقابل شراء مياه مسروقة من المواسير الحكومية، حيث اكتشفوا أن تجار المياه يركبون صنابير فى الأدوار الأرضية لسحب المياه ليلا وبيعها صباحا. وأضاف أن سيارات المياه الأهلية اختفت، فلجأ الأهالى لتركيب عدادات مياه يكلف الواحد منها ما يزيد على الألف جنيه، ولكنهم فوجئوا أن المياه النازلة من الصنابير غير نظيفة وبها رواسب كثيرة ولا تصلح للاستخدام الآدمى، ولم تجد الشكاوى التى تم تقديمها إلى الحى صدى. وتمتد أزمة نقص المياه النظيفة والملوثة إلى بولاق الدكرور، حيث قالت هند عبدالعزيز، ربة منزل، إن المنطقة بأكملها تعتمد على مياه الخزانات المحملة بالجراثيم، ويضطر الأهالى لاستخدامها بسبب انقطاع المياه لعدة أيام متتالية، أو على الأقل عدة ساعات يوميا، فاضطروا إلى قبول الأمر الواقع والتعايش مع المياه المخزنة، خاصة أن معظم أهالى المنطقة غير قادرين ماديا على شراء المياه المعدنية. وقال المهندس إسلام خيرى، أحد خبراء المياه، إن السبب الرئيسى لانقطاع المياه عن أماكن بعينها دون الأخرى يعود إلى ضعف البنية التحتية لهذه المناطق، فلا يجدى وقتها ضغط المياه القادمة من المحطات الحكومية، حيث تمتلئ المناطق بتوصيلات عشوائية يوصلها الأهالى بشكل غير مشروع ما يؤدى لانقطاع الضخ. وتمر المياه بعدة مراحل من وقت استخراجها من منابعها إلى وصولها للمواطن فى منزله، تبدأ أولا بمرحلة السحب عن طريق الطلمبات العكرة، وذلك من خلال مواسير على عمق مناسب من داخل مجرى نهر النيل، وتوجد صافى على فوهة هذه المواسير لمنع دخول أى شوائب كبيرة يلى ذلك مرحلة «الترويق والتسريب» وهى المرحلة التى تنتقل فيها المياه إلى بئر التوزيع، حيث تتم إضافة بعض المواد مثل «الشبه والكلور» قبل مرورها على المروقات، وهى عبارة عن أحواض كبيرة يتم فيها خلط الشبه وإضافة الكلور وذلك لإزالة أى شوائب أو كائنات حية موجودة فى المياه، مع الأخذ فى الاعتبار أن المواد تتحدد وفقا لعينة، ويلى ذلك مرحلة الترشيح، ويتم ذلك من خلال طلمبات كبيرة تسحب المياه من الخزان وتضخها بضغط مناسب إلى المستهلك وذلك بعد التأكد من صلاحيتها بأخذ عينة منها وتحليلها فى المعامل، مع ضرورة الاحتفاظ بنسبة معينة من الكلور فيها لضمان وصولها للمواطن دون أى تلوث. ولا تنتهى مراحل تنقية المياه عند هذا الحد، حيث يتم نقل المياه عبر مواسير إلى الخزانات الأرضية وحقنها بالكلور، وهنا تكون المياه صالحة للشرب بنسبة 100 فى المائة، وتأتى المرحلة الأخيرة وهى مرحلة الضخ فى الشبكات، وتنقل المياه فى هذه المرحلة من بواسطة خطوط مواسير من المروقات إلى أحواض تسمى المرشحات التى بها طبقات من الرمل والزلط من نوع وحجم خاص وأرضيتها عبارة عن فوان صغيرة لا تسمح إلا بمرور المياه فقط، وفى هذه المرحلة تتم إزالة جميع الموادالعالقة بها. وفى تصريحات خاصة ل«الصباح» قال العميد محيى الصيرفى المتحدث باسم شركة مياه الشرب: «إن هناك أكثر من 5000 دكان مياه فى مصر تعمل بترخيص لبيع المياه المقطرة، وهو ما لا يحدث فهم يقومون بالحفر تحت عمق من 10 إلى 20 مترًا من سطح الأرض ثم سحب المياه السطحية وإدخالها على بعض الفلاتر غير الآمنة، ثم بيعها على أنها مياه مقطرة، ومع وجود الصرف الصحى فى المناطق فقد تختلط مياه الصرف الصحى مع هذه المياه، ومع عدم إضافة الكلور فهذه المياه من المؤكد أن تكون مصدرًا للضرر، ومع كل ذلك تباع العبوة غير الآمنة التى تبلغ 20 لترًا بقيمة اثنين إلى 3 جنيهات فى حين أن الشركة تعطيه الألف لتر بقيمة 75 قرشًا.أما فيما يتعلق بالتأثرات الطبية والأضرار محتملة الحدوث التى تتسبب فيها المياه الموجودة داخل الجراكن، فيقول دكتور «محمد عبده» إخصائى علاج الكبد بجامعة المنيا إن المواد الموجودة فى الجراكن توجد بداخلها مادة تسمى «بى بى إيه»، وهذه المادة تؤدى بدورها لعدد من الأضرار على رأسه الإجهاض وحدوث عقم للسيدات، هذا بخلاف مادة «الديوكسين» وهى المسئولة عن حدوث أمراض الفشل الكلوى والتهابات الغدد الصماء وبعض أنواع السرطانات.