صعدت أزمة مياه الشرب إلى رأس الأولويات بعد كارثة تلوث المياه بقرية صنصفط بالمنوفية، التى خلفت عشرات المصابين، وكشفت الأزمة عن تهالك معظم محطات المياه بالمحافظات واختلاطها بمياه الصرف الصحى، فى الوقت الذى يقلل فيه المسئولون من حجم الأزمة، مؤكدين إحكامهم السيطرة على الموقف مناشدين الأهالى عدم التهويل. فى القليوبية، سيطرت حالة من الذعر على الأهالى فى قرى عدة، خاصة التى لا تضم أى مشروعات للصرف الصحى أو محطات مياه نقية، وازدادت المخاوف من تكرار كارثة البرادعة، وطالب الأهالى وزارتى الصحة والبيئة بسرعة تحليل مياه الشرب لبيان مدى صلاحيتها، مؤكدين تقدمهم بشكاوى للوحدة المحلية دون استجابة من المسئولين.
وتكررت مأساة تلوث مياه الشرب فى عدد من القرى المحافظة من بينها قريتى امياى بطوخ وسندوة بالخانكة، ويبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة، وأكدت نوال إبراهيم، من الأهالى، أن مياه الصنبور لونها غير طبيعى وبها شوائب صغيرة، وأن معظم الأهالى يشترون المياه من الباعة الجائلين لاستخدامها فى الأغراض اليومية، ويدفعون نحو 150 جنيها شهريا لشراء المياه بعدما ارتفع سعر جركن المياه لجنيه ونصف.
وأوضح محمد السيد، من أهالى قرية سندوة، ارتفاع نسبة الاصابة بأمراض الفشل الكلوى والكبد بسبب تلوث مياه الشرب، مما دفعهم لاستخدام الفلاتر المنقية للمياه، وشراء المياه النظيفة من الباعة دون معرفة مصدرها، وتقول دعاء محمد: «نعتمد على الطلمبات الحبشية فى الشرب رغم زيادة نسبة الأملاح بها، والبعض يشترى المياه النظيفة على بعد 3 كيلو من القرية، لأن مياه المواسير ملوثة وغير صالحة للشرب».
من ناحية أخرى كشف تقرير صادر من معامل الصحة عن تلوث مياه الشرب بالقرية ووجود شوائب فى مياه الشرب وأنها غير مطابقة، وطالب التقرير مسئولى الإدارة الصحية والوحدة المحلية ومجلس المدينة بعمل غسيل عاجل لعملية المياه والشبكات.
وفى المنوفية، أكد أهالى عدم صلاحية مياه الشرب للاستهلاك الآدمى، وأن المشكلة ترجع لسوء الشبكات التى لم يطرأ عليها أى تجديد منذ سنوات، قال محمد صلاح، من أهالى قويسنا، «الحكومة أنشأت محطات مياه فى عدد من المراكز، والمشكلة فى الشبكات الداخلية بالشوارع المليئة بالتلوث والصدأ»، فيما طالب أشرف سالم، من قرية سلامون، بضرورة تغيير مواسير المياه الحديد بأخرى «اسبستوس» للقضاء على الصدأ بالشبكات.
وفى أسيوط، قرر المحافظ السيد البرعى تشكيل لجنة من المتابعة الميدانية بالوحدات المحلية وأقسام الطب الوقائى، لفحص عينات مياه الشرب بمدن وقرى المحافظة، بعد تلقى شكاوى وتقارير تفيد ارتفاع نسبة المنجنيز والرواسب بالمياه وسوء حالة خطوط المياه، مما ينذر بتكرار كارثة قرية صنصفط بالمنوفية، وطالب المحافظ بتحرى الدقة فى تحليل العينات من المنازل للوقوف على حقيقة تلوث مياه الشرب.
وقال مصدر بشركة مياه الشرب بأسيوط إن مديرية الشئون الصحية بالمحافظة أرسلت عدة تقارير إلى شركة مياه الشرب والصرف الصحى، تفيد تلوث المياه بعدد من قرى المحافظة، نتيجة تهالك الخطوط وعدم صيانة شبكات المياه وسوء حالة مواد الشبة التى تستخدم فى نظافة وتطهير المروقات بمحطات المياه الرئيسية، إلى جانب عدم تشغيل منظومة الكلور وزيادة عملية الايسونات بالمنازل، مؤكدا تلوث نحو 30% من مياه الشرب بالمحافظة، وأن 70% من القرى بها محطات مياه وخطوط قديمة انتهت صلاحيتها وتحتاج إلى تغيير فورى، فيما نفى وكيل وزارة الصحة إغلاق أى محطات بسبب تلوث المياه.
وفى سوهاج، يؤكد عبدالرحمن محمدين، من قرية المدمر طما، تلوث المياه وعدم صلاحيتها للاستخدام الآدمى وزيادة نسبة الأملاح والشوائب، مما أصاب العديد من المواطنين بمرض الفشل الكلوى، ويضيف عزت رجب، مدرس من مدينة ساقلته، «مأساة قرية البرادعة تتكرر بنجوع مركز ساقلته، وخصوصا فى نجع حامد، حيث يعتمد الأهالى على المياه الأرتوازية منذ سنوات طويلة رغم عدم مطابقتها للمواصفات، وينتج عنه تزايد معدلات حالات الإصابة بين شباب القرية والقرى المجاورة»، مشيرا إلى تقدم الأهالى بعشرات البلاغات إلا أن شكواهم مازالت حبيسة الأدراج.
ويوضح محمد صبرى عبدالرحمن، موظف، أن أهالى بمدينة طما يعانون بسبب زيادة نسبة الأملاح والمنجنيز بمياه الشرب منذ سنوات، برغم تصريحات مسئولى الشركة عن صلاحية المياه للشرب، وأن الأهالى اضطروا لشراء الفلاتر لحمايتهم من الإصابة بالأمراض خاصة الفشل الكلوى، وطالب بسرعة الانتهاء من محطة مياه الشرب المقامة على مساحة 10 أفدنة بقرية السكساكة التى بدأ العمل بها منذ 7 سنوات.
وأكد اللواء محمود نافع، رئيس شركة مياه الشرب بالمحافظة، سلامة مياه الشرب وعدم وجود أى تلوث، وأنه يتم عمل غسيل دورى ومستمر لشبكات المياه وفقا لبرامج زمنية على مدار العام، وأنه جرى غلق أكثر من 600 بئر على مستوى المحافظة لعدم مطابقتها للمواصفات، وأن الهيئة القومية لمياه الشرب تنفذ حاليا 20 مشروعا بطاقة إنتاجية 550 ألف م3.
وفى البحر الأحمر، يعانى أهالى القصير من إهمال شديد ونقص فى مياه الشرب، وأكدوا أنه نظرا لنقص حصه مياه النيل الموجهة للمدينة، يتم خلطها بمياه التحلية بنسبة كبيرة تتجاوز ال80%، وهو ما تسبب فى إصابة الأهالى بالفشل الكلوى، وأن هناك العشرات مصابون بالحصوات وارتفاع نسبه الاملاح، وطالبوا بسرعة حل أزمة المياه قبل تفاقمها.
وفى المنيا، كشف بحث جامعى عن مياه الشرب وأثره على أهالى قرية قزمان، مقتل أكثر من 38 شابا لإصابتهم بفيروس «سى» والفشل الكلوى العام الماضى، إضافة إلى معاناة 6 آلاف مصاب بالفشل الكلوى يخضعون للعلاج، بسبب مياه الشرب الملوثة بالقرية.
المفاجأة كانت فى بحث للطالب زين العابدين محمود، بنهائى طب، قدمه لقصر ثقافة المنيا فى مسابقة عن فقر القرى، وتقرير مياه الشرب الملوثة، وأجمع أهالى القرية أن المشكلة تكمن فى إهمال المسئولين، وأكد الدكتور أحمد أبوالفضل، أستاذ أمراض الكبد الوبائى بكلية الطب بالمنيا، أنه أجرى بحثا عن هذه القرية وتم تدريسه للطلاب، باعتبار المنطقة بؤرة انتشار خطيرة لمرض الفشل الكلوى والإصابة بفيروس سى.
فالمأساة كما يسردها البحث بدأت بوفاة شخصين شهريا، وأن المرض أصاب نحو 70% من سكان القرية والبالغ عددهم 12 ألفا، حيث يشربون مياها مخلوطة بالصرف الصحى، وأكد عطا عبدالحكيم، 45 عاما، عامل بكلية الهندسة، أن ارتفاع مياه الصرف الصحى التى يخزنونها داخل طرنشات سطحية يضر الأهالى، ويتولون نقل المياه بأنفسهم إلى مصرف عمومى لرى الاراضى الزراعية، نتيجة تأخر عربات نقل مياه الصرف ل3 شهور.
وفى الوادى الجديد، تعتمد المحافظة بشكل رئيسى على مياه الآبار الجوفية فى ظل عدم وجود مصادر مياه بديلة، وفى السنوات الأخيرة تزايدت أعداد مرضى الأورام السرطانية والفشل الكلوى، وتقول المهندسة نبيلة حسن سيد، مدير مرفق مياه الشرب بالمحافظة، إن مدينة الخارجة ذات الكثافة السكانية تضم نحو 19 بئرا جوفية و12 محطة تنقية للمياه من الحديد والمنجنيز، إضافة إلى 70 بئرا لمياه الشرب بمركز الداخلة والقرى التابعة، مشيرة إلى وجود صيانة يومية لفلاتر التنقية والخزانات بآبار الشرب للحد من التلوث.
وأضافت: «نسب التحليل الاخيرة جاءت سلبية وتؤكد صلاحية مياه الشرب الجوفية وعدم تلوثها، وأن نسبة الحديد لم تتعد ال0.3%، وأن هناك إحلال فى بعض الخطوط بمواسير بلاستيك، وأغلب الخبراء أكدوا صلاحية الاسبستوس فى خطوط مياه الشرب، مشيرة إلى عدم ظهور حالات تسمم جماعى تدل على عدم صلاحية المياه الجوفية بالمحافظة.
استبعاد 6 من العاملين فى محطة مياه «صنصفط» بينهم المدير
أهالى قرية تسمم المياه: كل إجراءات «القابضة» تؤكد إدانتها وعليها الاعتراف بالتقصير